قطاع السيارات البريطاني يحبس أنفاسه

«البريكست» يهدد مسيرة انتعاش دامت 10 سنوات

قطاع السيارات البريطاني يحبس أنفاسه
TT

قطاع السيارات البريطاني يحبس أنفاسه

قطاع السيارات البريطاني يحبس أنفاسه

يحوم قلق متصاعد فوق رؤوس مصنِّعي السيارات في بريطانيا، على الرغم من الأرقام القياسية التي يحققها هذا القطاع... وهو قلق ناجم عما ستؤول إليه مفاوضات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وسوقه المشتركة، في ظل عودة شبح الحواجز الجمركية وغير الجمركية التي ستنتصب أمام صادرات السيارات المصنعة في بريطانيا والمصدرة إلى دول الاتحاد.
واستنادًا إلى الأرقام الصادرة عن جمعية المصنعين والبائعين البريطانيين، فإن «عام 2016 كان مزدهرًا على نحو غير مسبوق، إذ بلغت مبيعات السيارات الجديدة 2.7 مليون سيارة، بزيادة نسبتها 2.3 في المائة مقارنة بعام 2015. وبهذا تكون بريطانيا الثانية أوروبيًا بعد ألمانيا، التي سجلت مبيعات بلغت 3.3 مليون سيارة، وتتقدم على فرنسا كثيرًا، لأن الأخيرة سجلت مبيعات نحو مليوني سيارة فقط».
وبحسب الجمعية أيضًا، فإن «السيارات التي صُنِعت وجرى تجميعها في بريطانيا العام الماضي بلغت 1.7 مليون سيارة، أي بزيادة نسبتها 8.5 في المائة مقارنة بعام 2015. وهذا الرقم هو الأعلى منذ عام 1999. أما الصادرات التي تشكل 80 في المائة من الإنتاج، فمعظمها إلى دول أوروبية تستحوذ على 56 في المائة من صادرات السيارات البريطانية، وفي مقدمة المستوردين ألمانيا وفرنسا وإيطاليا».
وتقول جمعية منتجي وبائعي السيارات البريطانية أيضًا إن «العام الماضي كان ذهبيًا من حيث الصادرات والمبيعات المحلية»... ويأتي هذا الازدهار المستمر منذ نحو 10 سنوات بعد مرحلة أزمة انتقلت خلالها الماركات الكبيرة إلى أيدي المستثمرين الأجانب.
فشركة «ميني - رولز رويس» مملوكة لشركة «بي إم دبليو» الألمانية، و«بنتلي» تملكها «فولكس فاغن» الألمانية أيضًا، و«جاغوار - لاند روفر» يسيطر عليها العملاق الهندي «تاتا موتورز»... فتلك الاستحواذات أعادت لهذا القطاع حيوية وازدهارًا هو الأفضل منذ سبعينات القرن الماضي.
وتؤكد مصادر القطاع أن «استثمارات ضخمة ضُخت في المصانع ومراكز التجميع والقطاعات المرتبطة، حتى بلغ المتوسط السنوي العام لهذه الاستثمارات نحو 2.5 مليار جنيه إسترليني سنويًا، إلا أن العام الماضي - الذي تخلله استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي - سجل تراجعًا إلى نحو 1.7 مليار إسترليني فقط». ويقول مصدر متابع للموقف إن «ذلك الانخفاض في الاستثمار يعكس مدى الانتظار والترقب لدى المصنعين خصوصا، لأن «البريكست» سيقلب المعادلات حتمًا. ويتطور ذلك إلى «قلق شعبي» إذا علمنا أن القطاع يشغِّل نحو 800 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر.
وتضيف المصادر أن «الخروج من الاتحاد الأوروبي يعني أن الصادرات إلى دول الاتحاد ستكون محكومة بدفع تعرفة جمركية نسبتها 10 في المائة، أي أن قطاع السيارات سيواجه مشكلة الكلفة الإضافية، وبالتالي ستضعف تنافسيته. وقد يضطر مصنعون لنقل مصانعهم إلى خارج بريطانيا، وتحديدا إلى حيث كلفة الإنتاج أقل».
إلى ذلك، هناك الحواجز غير الجمركية التي ستعيد هيكلة سلسلة التوريد بكاملها. كما أن قطاع قطع الغيار المندمج، والمستفيد حاليا من السوق المشتركة، سيجد نفسه أمام تحولات جذرية فيه.
أما عن البدائل، فتشير المصادر إلى «محدوديتها... لأن الصادرات إلى الولايات المتحدة الأميركية، التي تشكل 15 في المائة، مهددة أيضًا بالسياسات الحمائية التي وعد بها الرئيس دونالد ترمب لتعزيز صناعة السيارات الأميركية، عبر فرض ضرائب أعلى على الاستيراد. وما تبقى من أسواق لصادرات السيارات البريطانية ليس كبيرًا بما فيه الكفاية ليعوض ما قد تفقده هذه الصناعة، التي تعتمد بشكل كبير الآن على السوق الأوروبية بالدرجة الأولى، التي تستوعب أكثر من نصف المصنّع والمجمّع في المملكة المتحدة».
وتؤكد مصادر القطاع أن «القلق يشمل أيضًا شركات (نيسان) و(تويوتا) و(هوندا)، التي لها مصانع ومراكز تجميع في بريطانيا، لا سيما العملاق الياباني (نيسان)، المتمركز في منطقة ساندرلاند شمال غربي المملكة المتحدة».
لكن الرئيس التنفيذي كارلوس غصن خرج من زيارة إلى رئيسة الوزراء تيريزا ماي أواخر العام الماضي «مطمئنًا نسبيًا»، وتقول المصادر المتابعة إنه «أخذ ضمانات ما، جعلته يعطي الضوء الأخضر لبعض الاستثمارات الإضافية».
في المقابل، هناك من لا يساوره القلق بنفس الوتيرة... ويقول إن «السيارات المصنعة في بريطانيا، لا سيما (رولز رويس) و(جاغوار) و(رانج روفر)، سيارات عالية القيمة والفخامة وبتقنيات متطورة جدا. وبالتالي ستجد من يشتريها، لأنه يرغب فيها دون غيرها، بغض النظر عن سعرها. ولا ننسى أن هذه السيارات مبعث فخر وتعد جوهرة التاج البريطاني، ما دفع الملكة إليزابيث أخيرًا إلى زيارة بعض هذه الشركات، في إشارة منها إلى الاهتمام الملكي بها... أما السيارات الأخرى، مثل (نيسان) و(تويوتا) و(هوندا) فهي تصنع في بريطانيا للمستهلك البريطاني أولاً، وتأثرها بـ(البريكست) سيكون محدودًا».
تبقى الإشارة إلى أن المستهلك البريطاني سيجد نفسه أمام أسعار جديدة إذا فرضت نسبة الجمارك 10 في المائة من الجانب البريطاني أيضًا على استيراد السيارات من دول الاتحاد الأوروبي، ما قد يخلق موجة تضخمية لم يكن يتوقعها. وتلك الموجة ستشمل سلعًا وخدمات ومنتجات أخرى تعتمد فيها بريطانيا على الدول الأوروبية، لذا فمفاوضات الخروج ستكون صعبة وطويلة، وقد تتخللها مفاجآت لا تقل أهمية عن مفاجأة نتائج الاستفتاء نفسه.



كوريا الجنوبية تتعهد بالحفاظ على استقرار الأسواق بعد عزل يون

مشاركون في مظاهرة يحملون لافتات تطالب المحكمة الدستورية بإقالة الرئيس يون سوك-يول في سيول (رويترز)
مشاركون في مظاهرة يحملون لافتات تطالب المحكمة الدستورية بإقالة الرئيس يون سوك-يول في سيول (رويترز)
TT

كوريا الجنوبية تتعهد بالحفاظ على استقرار الأسواق بعد عزل يون

مشاركون في مظاهرة يحملون لافتات تطالب المحكمة الدستورية بإقالة الرئيس يون سوك-يول في سيول (رويترز)
مشاركون في مظاهرة يحملون لافتات تطالب المحكمة الدستورية بإقالة الرئيس يون سوك-يول في سيول (رويترز)

تعهدت وزارة المالية في كوريا الجنوبية، يوم الأحد، بمواصلة اتخاذ تدابير استقرار السوق بسرعة وفعالية لدعم الاقتصاد، في أعقاب إقالة الرئيس يون سوك-يول، بسبب فرضه الأحكام العرفية بشكل مؤقت.

وأكدت الوزارة أنها ستستمر في التواصل بنشاط مع البرلمان للحفاظ على استقرار الاقتصاد، مشيرة إلى أنها تخطط للإعلان عن خطتها السياسية نصف السنوية قبل نهاية العام الحالي، وفق «رويترز».

وفي هذا السياق، دعا زعيم الحزب الديمقراطي المعارض، لي جاي-ميونغ، إلى تشكيل «مجلس استقرار وطني» يضم الحكومة والبرلمان لمناقشة القضايا المالية والاقتصادية وسبل تحسين مستوى معيشة المواطنين. وأشار إلى أن التحدي الأكثر إلحاحاً هو تراجع الاستهلاك بسبب الطلب المحلي غير الكافي، وتقلص دور الحكومة المالي. وأضاف لي أن معالجة هذا الأمر تتطلب مناقشة عاجلة لموازنة إضافية يمكن أن تشمل تمويلاً لدعم الشركات الصغيرة، بالإضافة إلى استثمارات في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية، لمواجهة تحديات نقص الطاقة.

وكان البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب المعارض، قد مرر مشروع موازنة 2025 بقيمة 673.3 تريليون وون، متجاوزاً اقتراح الحكومة الذي بلغ 677.4 تريليون وون، وذلك دون التوصل إلى اتفاق مع حزب «قوة الشعب» الذي ينتمي إليه الرئيس يون والحكومة.

من جهته، أعلن بنك كوريا -في بيان- أنه سيعتمد على كافة الأدوات السياسية المتاحة بالتعاون مع الحكومة، للرد على التحديات الاقتصادية، وتفادي تصاعد التقلبات في الأسواق المالية وأسواق العملات الأجنبية. وأكد البنك ضرورة اتخاذ استجابة أكثر نشاطاً مقارنة بالفترات السابقة من الإقالات الرئاسية، نظراً للتحديات المتزايدة في الظروف الخارجية، مثل تصاعد عدم اليقين في بيئة التجارة، وازدياد المنافسة العالمية في الصناعات الأساسية.

كما أكدت الهيئة التنظيمية المالية في كوريا الجنوبية أن الأسواق المالية قد تشهد استقراراً على المدى القصير، باعتبار الأحداث السياسية الأخيرة صدمات مؤقتة؛ لكنها ستوسع من الموارد المخصصة لاستقرار السوق إذا لزم الأمر.

من جهة أخرى، شهدت أسواق الأسهم في كوريا الجنوبية ارتفاعاً للجلسة الرابعة على التوالي يوم الجمعة؛ حيث بدأ المستثمرون يتوقعون تراجع حالة عدم اليقين السياسي بعد تصويت البرلمان على إقالة الرئيس يون. كما لم يتوقع المستثمرون الأجانب أن تؤثر الاضطرابات السياسية الأخيرة بشكل كبير على نمو الاقتصاد أو تصنيفه الائتماني لعام 2025، إلا أنهم أشاروا إلى تأثيرات سلبية محتملة على معنويات السوق، مما قد يؤدي إلى زيادة في سعر صرف الوون مقابل الدولار الأميركي، واستمرار عمليات بيع الأجانب للأسواق المحلية.

غرفة تداول بأحد البنوك في سيول (رويترز)

وفي استطلاع أجرته «بلومبرغ»، أفاد 18 في المائة فقط من المشاركين بأنهم يعتزمون تعديل توقعاتهم بشأن نمو الاقتصاد الكوري الجنوبي لعام 2025، بسبب الأحداث السياسية الأخيرة، بينما أكد 82 في المائة أن توقعاتهم ستظل دون تغيير. كما توقع 64 في المائة من المشاركين أن يظل التصنيف الائتماني السيادي كما هو، في حين توقع 27 في المائة خفضاً طفيفاً. ووفقاً للاستطلاع، يُتوقع أن يتراوح سعر صرف الوون مقابل الدولار الأميركي بين 1.350 و1.450 وون بنهاية الربع الأول من 2025.

أما فيما يتعلق بأسعار الفائدة، فقد زادت التوقعات بتخفيضات مسبقة من قبل بنك كوريا؛ حيث توقع 55 في المائة من المشاركين عدم حدوث تغييرات، بينما توقع 27 في المائة تخفيضاً في الأسعار قريباً. وتوقع 18 في المائة تخفيضات أكبر. وأشار كيم سونغ-نو، الباحث في «بي إن كي للأوراق المالية»، إلى أن تحركات السوق ستعتمد بشكل كبير على قرارات لجنة السوق الفيدرالية الأميركية في ديسمبر (كانون الأول)؛ حيث قد يسهم أي تخفيض لأسعار الفائدة من جانب الولايات المتحدة في تعزيز توقعات تخفيض الفائدة في كوريا الجنوبية في الربع الأول من 2025.

وقد أكد كيم أن العوامل السياسية ليست المحرك الرئيسي للأسواق المالية؛ مشيراً إلى أن الاضطرابات السياسية عادة ما تكون لها تأثيرات قصيرة الأجل على الأسواق. وأضاف أن الركود الاقتصادي -وليس الأحداث السياسية- هو المصدر الرئيس للصدمات المالية الكبيرة.

كما أشار كثير من المسؤولين الماليين إلى أن إقالة الرئيس يون قد تعود بالفائدة على الاقتصاد الكوري الجنوبي. وفي مقابلة إعلامية، أكد محافظ هيئة الرقابة المالية، لي بوك هيون، أن عزل الرئيس سيكون خطوة إيجابية للاستقرار الاقتصادي في البلاد، معرباً عن اعتقاده بأن القضاء على حالة عدم اليقين السياسي أمر بالغ الأهمية لتحقيق استقرار الاقتصاد، وفق صحيفة «كوريا تايمز».

وفيما يخص التوقعات المستقبلية، أشار صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى أن النمو الاقتصادي في كوريا الجنوبية من المتوقع أن يصل إلى 2.2 في المائة في 2024 بدعم من صادرات أشباه الموصلات، في حين يُتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 2 في المائة في 2025 مع اقتراب الاقتصاد من إمكاناته الكاملة. وأكد الصندوق أن حالة عدم اليقين لا تزال مرتفعة، والمخاطر تميل إلى الاتجاه السلبي.

وبينما يظل التضخم قريباً من هدف بنك كوريا البالغ 2 في المائة، شدد الصندوق على ضرورة تطبيع السياسة النقدية تدريجياً في ظل هذه الظروف، مع الحفاظ على تدخلات محدودة في سوق الصرف الأجنبي لمنع الفوضى. كما أشار إلى أهمية تعزيز التوحيد المالي في موازنة 2025 لمواجهة ضغوط الإنفاق الطويلة الأجل، مع التركيز على السياسات المتعلقة بمخاطر العقارات.

كما أشار إلى أهمية الإصلاحات الاقتصادية على المدى المتوسط والطويل لدعم النمو وسط التحولات الهيكلية؛ مشيراً إلى ضرورة معالجة تراجع القوة العاملة من خلال تحسين الخصوبة، وزيادة مشاركة النساء في العمل، وجذب المواهب الأجنبية، بالإضافة إلى تعزيز تخصيص رأس المال، وتحسين مرونة المؤسسات المالية.