«الإعلام المدفوع».. ظاهرة فاضحة في الهند

بث أخبار وتحقيقات لصالح بعض الأطراف مقابل المال يؤدي إلى استقالات ويحول الصحافة إلى سلعة

ناريندرا مودي مرشح حزب بهاراتيا جاناتا لمنصب رئيس الوزراء في البرنامج الإخباري الهندي الشهير «محكمة الشعب» («الشرق الأوسط»)
ناريندرا مودي مرشح حزب بهاراتيا جاناتا لمنصب رئيس الوزراء في البرنامج الإخباري الهندي الشهير «محكمة الشعب» («الشرق الأوسط»)
TT

«الإعلام المدفوع».. ظاهرة فاضحة في الهند

ناريندرا مودي مرشح حزب بهاراتيا جاناتا لمنصب رئيس الوزراء في البرنامج الإخباري الهندي الشهير «محكمة الشعب» («الشرق الأوسط»)
ناريندرا مودي مرشح حزب بهاراتيا جاناتا لمنصب رئيس الوزراء في البرنامج الإخباري الهندي الشهير «محكمة الشعب» («الشرق الأوسط»)

عندما ظهر ناريندرا مودي، مرشح حزب بهاراتيا جاناتا لمنصب رئيس الوزراء، في البرنامج الإخباري الهندي الشهير «محكمة الشعب»، والذي قيل عنه إنه حقق واحدة من أعلى نسب المشاهدة، عبر حزب المؤتمر الوطني الهندي عن اعتراضه ورفع شكوى للجنة المسؤولة عن العملية الانتخابية في الهند، طالبا منها أن تتخذ إجراء صارما ضد مودي وحزبه، وواصفا المقابلة التلفزيونية بأنها «خدمة إخبارية مدفوعة الأجر».
وخلال الشكوى التي قدمها للجنة الانتخابات، زعم كاي. سي. ميتال، السكرتير القانوني لحزب المؤتمر الوطني الهندي، أن البرنامج الإخباري شهد تجاهلا تاما وانتهاكا لقواعد السلوك النموذجية والمبادئ التوجيهية الصادرة عن لجنة الانتخابات، مضيفا في شكواه أن البرنامج كان يهدف إلى منح أفضلية انتخابية غير عادلة وغير مبررة لمرشح حزب بهاراتيا جاناتا.
وعلى الرغم من أن القناة وحزب بهاراتيا جاناتا لم يتقبلا المزاعم الواردة في شكوى حزب المؤتمر، إلا أن الشائعات تقول إن كلا الطرفين عقدا صفة سرية سيقوم حزب بهاراتيا جاناتا بموجبها بإغراق القناة بسيل من الإعلانات في حالة فوزه بالانتخابات.
وقد أعاد تلك القضية خطر «الإعلام المدفوع» إلى الأضواء مرة أخرى، وهي ظاهرة فاضحة في وسائل الإعلام الهندية، تنخرط خلالها وسائل الإعلام الرئيسية (باستثناء القليل منها) بشكل منهجي في بث أخبار وتحقيقات لصالح بعض الأطراف في مقابل الأموال، لا سيما خلال موسم الانتخابات.
وقد دفعت الضغوط الناجمة عن تصوير الخدمات الإعلامية مدفوعة الأجر وكأنها مواد إخبارية حقيقية بالقليل من الصحافيين إلى ترك مهنة الصحافة والإعلام. وكان آخر الأمثلة على ذلك هو صحافي كبير يدعى قمر وحيد نقوي، مدير تحرير القسم الإخباري في تلفزيون الهند. وكان نقوي قد استقال احتجاجا على ما اعتقد أنها «مقابلة مفتعلة ومنظمة» مع مرشح حزب بهاراتيا جاناتا لمنصب رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، في برنامج «محكمة الشعب»، الذي يقدمه راجات شارما، رئيس ومدير تحرير تلفزيون الهند.
ولا يعتبر نقوي هو الضحية الوحيدة لـ«الإعلام المدفوع»، فهناك شائعات تقول إن راجديب ساردساي وساغاريكا غوس، من شبكة «سي إن إن - آي بي إن» CNN - IBN التابعة لـCNN، يفكران بجدية في تقديم الاستقالة ليحررا نفسيهما من الضغط الذي يمارسه مودي عليهما من خلال موكيش إمباني، رئيس شبكة TV18.
وقد رصدت لجنة الانتخابات الهندية، وهي الجهة المسؤولة عن مراقبة الانتخابات، 854 حالة «خدمات إخبارية مدفوعة» خلال فترة الـ50 يوما التي أعقبت الإعلان عن تنظيم الانتخابات العامة في البلاد في الخامس من مارس (آذار) الماضي.
وقال مسؤولون إنه تبين جدية 326 حالة من العدد الكلي في جميع الولايات، وأنه قد جرى إرسال إنذار للمرشحين، المقدمة ضدهم الشكاوى، في هذا الشأن.
ويقول مدير عام اللجنة الانتخابية، أكاشي روت: «أكدت لجان توثيق ومراقبة الممارسات الإعلامية أن هناك 198 حالة مؤكدة ثبتت فيها الادعاءات الخاصة بالخدمات الإخبارية المدفوعة».
وأضاف روت أن اللجنة طلبت من المرشحين، الذين اعترفوا بتوفير أموال للحصول على خدمات إخبارية خاصة، إضافة تلك الأموال إلى سجلات نفقات الدعاية الانتخابية، كما جرى إرسال إخطارات لمرشحين آخرين في هذا الشأن. وتعد «الخدمات الإخبارية المدفوعة» مخالفة لإحدى ضوابط اللجنة الانتخابية التي تحدد سقف النفقات الخاص بكل مرشح خلال حملة الدعاية.
في الوقت نفسه، قالت دراسات استقصائية، أجرتها بعض القنوات التلفزيونية، إن حزب بهاراتيا جاناتا القومي المعارض وحلفاءه سيحصلون على أكثر من 272 مقعدا من جملة 543 مقعدا في البرلمان خلال الانتخابات العامة في الهند، التي يجري تنظيمها على تسع مراحل. وقد أصدرت لجنة الانتخابات تحذيرا مقتضبا بشأن نشر نتائج استطلاعات الرأي في جميع المطبوعات ووسائل الإعلام الإلكتروني.
وقد أصبحت الخدمات الإخبارية المدفوعة أمرا شائعا في الهند، حيث يقوم كثير من الزعماء السياسيين بدفع الأموال لجريدة أو قناة تلفزيونية في مقابل بث أخبار تصب في صالحهم. كما أصبح بيع مساحات في الصحف شيئا صارخا ومؤسسيا، حتى لم تعد المطبوعات ووسائل الإعلام الإلكترونية محصنة ضد تلك الممارسات.
وقد صرح مسؤول تنفيذي كبير في إحدى صحف دلهي، الناطقة بالهندية لمراسلة «الشرق الأوسط» أن جريدته حصلت على 150 مليون روبية خلال موسم الانتخابات الأخير في دلهي، مضيفا: «كان علينا أن نقبل ببيع مساحات من الجريدة بسبب الضغوط الهائلة التي تعرضنا لها من قبل السياسيين. كما دفعنا إلى ذلك الأمر ما يطلق عليه الصحف القومية الناطقة باللغة الإنجليزية، التي تنفذ سياسات معينة وتجني إيرادات ضخمة. لم نستطع أن نفوت الفرصة لجني الأرباح».
وسواء اعترفت وسائل الإعلام الهندية بذلك أم لا، فقد أصبح معروفا للجميع أن الصحافة تحولت إلى سلعة للبيع والشراء.
وقد كشف كثير من السياسيين لمراسلة الجريدة أنه طلب منهم دفع الأموال إذا كانوا يريدون تغطية إعلامية جيدة تصب في صالحهم خلال موسم الانتخابات الحالي. كانت رسائل وسائل الإعلام واضحة للسياسيين: «وفر لنا المال، وسوف نبث أخبارا ضد خصومك. وفر لنا الأموال، وسوف نلمع صورتك أمام الناخبين».
ويعلق بي. جي. فيرغيس، المحرر السابق بأحد الصحف وأحد الموقعين على الشكوى التي جرى تقديمها لمجلس الصحافة الهندي، على تلك الظاهرة (الخدمات الإخبارية المدفوعة)، بقوله إن تلك الظاهرة «تحولت إلى وباء، وأخذت الاتجاه الحالي لبيع مساحات التحرير في الصحف إلى مستويات لم نشهدها من قبل».



تساؤلات بشأن اعتماد مقاطع الفيديو الطولية في الأخبار

مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)
مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)
TT

تساؤلات بشأن اعتماد مقاطع الفيديو الطولية في الأخبار

مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)
مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)

أثار اعتماد مواقع إخبارية كبرى، أخيراً، على مقاطع الفيديو الطولية تساؤلات بشأن أسباب ذلك، ومدى تأثيره في الترويج للمحتوى الإعلامي وجذب أجيال جديدة من الشباب لمتابعة وسائل الإعلام المؤسسية. وبينما رأى خبراء أن مقاطع الفيديو الطولية أكثر قدرة على جذب الشباب، فإنهم لفتوا إلى أنها «تفتقد لجماليات الفيديوهات العرضية التقليدية».

معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام أشار، في تقرير نشره أخيراً، إلى انتشار مقاطع الفيديو الطولية (الرأسية) في مواقع إخبارية كبرى مثل «الواشنطن بوست» و«النيويورك تايمز». واعتبر أن «مقاطع الفيديو الطولية القصيرة، التي تُعد عنصراً أساسياً في مواقع التواصل الاجتماعي تشق طريقها بشكل كبير».

ولفت معهد «نيمان لاب» إلى أن «مقاطع الفيديو التي تنتشر بكثرة على (إنستغرام) و(تيك توك) و(يوتيوب)، تلقى نجاحاً عند استخدامها في مواقع الأخبار»، مستشهداً باستطلاع نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، العام الماضي، أفاد بأن 66 في المائة من عينة الاستطلاع يشاهدون مقاطع فيديو إخبارية قصيرة كل أسبوع، لكن أكثر من ثلثي المشاهدات تتم على منصات التواصل.

رامي الطراونة، مدير إدارة الإعلام الرقمي في «مركز الاتحاد للأخبار» بدولة الإمارات العربية المتحدة، قال في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن اتجاه المواقع الإخبارية لاستخدام مقاطع الفيديو الطولية «يعكس تغيراً في طريقة استهلاك الجمهور للمحتوى، ومحاولة للتكيف مع تطور سلوكياته»، وأرجع هذا التطور في سلوكيات الجمهور إلى عوامل عدة، أبرزها «الاعتماد على الهواتف الجوالة في التفاعل الرقمي».

وتابع الطراونة أن «وسائل الإعلام تحاول الاستفادة من النجاح الكبير للفيديوهات القصيرة على منصات التواصل، وقدرة هذا المحتوى على جذب الجمهور»، وأشار إلى أن «استخدام مقاطع الفيديو الطولية غيّر تجربة تلقي الأخبار وجعلها أكثر جاذبية وبساطة وتركيزاً وسهولة في الاستهلاك، نظراً لمحاكاتها التجربة ذاتها التي اعتاد عليها المتابعون في منصات التواصل». ونبه إلى أن المستخدمين يميلون إلى تمضية وقت أطول في مشاهدة الفيديوهات الطولية القصيرة والمتنوعة والتفاعل معها مقارنة بالفيديوهات العرضية التي تتطلب تغيير وضع شاشة الجوال لمتابعتها.

وأضاف الطراونة، من جهة ثانية، أن غالبية الجهات الإعلامية بدأت بتوجيه مواردها نحو هذا النمط من الفيديو، الذي يعزز فرص الانتشار والاستهلاك، وأن «مقاطع الفيديو الطولية تعتبر أداة فعالة لجذب الشباب، الذين يميلون للمحتوى البصري الموجز والمباشر، كما أن الفيديو الطولي يعكس أسلوب حياة الشباب الرقمي الذي يعتمد على الهواتف الجوالة».

هذا، وفي حين أرجع الطراونة التأخر في اعتماد مقاطع الفيديو الطولية - رغم انتشارها على منصات التواصل الاجتماعي منذ سنوات - إلى «القيود التقنية والأساليب التقليدية لإنتاج الفيديو»، قال إن معظم الكاميرات والشاشات والمعدات كانت مصممة لإنتاج الفيديو الأفقي ذي الأبعاد 4:3 أو 16:9، وكان هذا هو الشكل المعياري للإعلام المرئي سابقاً. ثم أوضح أن «إدراك منصات الإعلام التقليدية لأهمية الفيديو الطولي لم يترسخ إلا بعد بزوغ نجم منصات مثل (تيك توك) إبان فترة جائحة كوفيد-19، وبعدها بدأت تتغير أولويات الإنتاج وباشرت بدعم هذا الشكل الجديد من المحتوى تدريجياً».