«محاولة لاغتيال» السرّاج في طرابلس

اتهم «مجموعة خارجة على القانون»... وتضارب حول تفاصيل الهجوم

«محاولة لاغتيال» السرّاج في طرابلس
TT

«محاولة لاغتيال» السرّاج في طرابلس

«محاولة لاغتيال» السرّاج في طرابلس

أعلنت حكومة الوفاق الوطني الليبية، المدعومة من بعثة الأمم المتحدة، أن رئيسها، فايز السرّاج، تعرض أمس لـ«محاولة اغتيال»، مشيرة إلى أن مسلحين أطلقوا النار في طرابلس على الموكب الذي كان يضم أيضًا رئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي، ورئيس الحرس الرئاسي العميد نجمي الناكوع، لكن لم يصب أي من الثلاثة بسوء.
واتهم السراج «مجموعة مارقة عن القانون» بمحاولة التعرض لموكبه، أثناء المرور في محيط القصور الرئاسية، خلال عودته من افتتاح المقر الجديد لجهاز المباحث العامة، وقال في بيان وزعه مكتبه إن «القوة الأمنية التابعة للمجلس الرئاسي تقوم حاليًا بملاحقة أفراد هذه المجموعة، وسيتم تقديمهم إلى العدالة فور القبض عليهم».
وظهر رئيس حكومة الوفاق، قبل ساعة من صدور هذا البيان، في صور وزعها مكتبه الإعلامي لدى افتتاحه مقرًا جديدًا للمباحث العامة في منطقة الدريبي، في مدينة طرابلس، بحضور السويحلي والناكوع. وقال البيان إن السراج «تفقد ما يضمه المقر من أقسام، واطلع على التجهيزات الحديثة له، واستمع من مسؤولي الجهاز إلى شروح عن آلية العمل، وناقش معهم البرامج التي اتخذت للتنسيق مع الإدارات الأمنية الأخرى المختصة بمكافحة الجريمة». وأضاف أن السراج وعد العاملين في الجهاز بـ«تذليل كل المعوقات والمصاعب التي تواجههم في أداء عملهم».
وأكد مسؤول حكومي لـ«الشرق الأوسط» جرح حارسين ضمن طاقم الحراسة في الهجوم الذي وقع قرب مستشفى الخضراء في العاصمة، لكن أشرف الثلثي، الناطق باسم حكومة السرّاج، قال لوكالة «رويترز» إن التقارير التي صدرت عن مكتب السويحلي، وأفادت بإصابة اثنين من الحرس، «ليست دقيقة». وأقر بأن بعض الرصاصات أصابت سيارات الموكب المصفحة، وأضاف أن «هناك تحقيقًا جاريًا لمعرفة مصدر إطلاق النار، وما إذا كان هناك أي طرف يقف وراء الواقعة، أم أنها مجرد حادث عرضي».
وكانت وكالة الأنباء الليبية قد نقلت عن الثلثي، في البداية، قوله إن الموكب تعرض لإطلاق نار عشوائي، على الطريق السريع في منطقة أبو سليم بطرابلس، مشيرًا إلى أن «أفراد الحماية تعاملوا مع الموقف»، لكنه تراجع لاحقًا عن هذه التصريحات، وقال لوكالة الأنباء الليبية الرسمية إن «إطلاقًا للرصاص العشوائي تزامن مع مرور الموكب». وقال المكتب الإعلامي للمجلس الأعلى للدولة، لاحقًا، إن موكبًا يقل السويحلي والسراج والناكوع «تعرض لإطلاق نار كثيف في العاصمة».
والوضع الأمني مضطرب بشدة في طرابلس، حيث تسيطر فصائل مسلحة كثيرة على المدينة، ويؤيد بعضها حكومة السراج وتعارضها أخرى. وتقع اشتباكات وعمليات إطلاق نار من حين إلى آخر. ولفت مسؤول في البرلمان المنتهية ولايته إلى أن المنطقة التي شهدت إطلاق النار «تحت سيطرة خليفة الغويل (رئيس الحكومة الموالية للبرلمان غير المعترف بها دوليًا)، ومن الطبيعي أن يتم إطلاق النار عليهم. لكن قد تكون أي جهة أخرى هي من أطلقت النار، وليس بالضرورة جماعة الغويل».
وقبل ساعات من هذه التطورات، أعلن السرّاج أنه يود أن تقدم روسيا مساعدة في التغلب على الأزمة في البلد الذي يعاني من خلافات بين الفصائل، ومن تهديد المتشددين الإسلاميين، كما أعرب عن أمله في أن تلعب موسكو دور الوساطة بينه وبين المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي في شرق البلاد.
وقام حفتر بجولة على متن حاملة طائرة روسية في البحر المتوسط الشهر الماضي، في إظهار للدعم الذي يحظى به من الكرملين، بينما يستعد السرّاج للقيام بزيارة وشيكة إلى موسكو. وقال السرّاج، في مقابلة على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن مع وكالة «رويترز»، ردًا على سؤال عما إذا كانت موسكو وسيطًا محتملاً مفيدًا لنقل الرسائل، أو الضغط على حفتر، إنه يأمل أن تلعب روسيا دورًا إيجابيًا في حل الأزمة الليبية.
وأجرى السرّاج محادثات مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وسفير موسكو في ليبيا، مشيرًا إلى أنه بعث برسالة واضحة مفادها أن حكومته لا ترغب في استثناء أي قادة عسكريين، وأوضح أنه يريد توحيد القوى العسكرية والتعاون في محاربة الإرهاب، وانضواء تلك القوات تحت مظلة سياسية. وأضاف أن حكومته تسعى إلى إعداد خطط لتشكيل قوات أمن ليبية موحدة منذ وصلت إلى طرابلس، في نهاية مارس (آذار) الماضي، لكنها لم تحقق تقدمًا يذكر.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.