دعوات لتوطين الصناعات التكنولوجية في السعودية

تشجيع الأبحاث العلمية وتحويل الاختراعات لمشروعات استثمارية تمثل أول الغيث

دعوات لتوطين الصناعات التكنولوجية في السعودية
TT

دعوات لتوطين الصناعات التكنولوجية في السعودية

دعوات لتوطين الصناعات التكنولوجية في السعودية

دعا اقتصاديون إلى أهمية توطين الصناعات التكنولوجية والاستثمار في الاختراعات والمشروعات البحثية التي تكتنز بها مكتبات المؤسسات التعليمية العليا في السعودية، بهدف تعزيز عناصر بناء اقتصاد المعرفة، مشيرين إلى أن ذلك يمثل أولى الخطوات العملية، والقاعدة الأساسية التي يمكن أن تنطلق منها السياسات المعنية بتنويع الاقتصاد الوطني، وتجعله واقعًا ملموسًا.
وأكد الدكتور عبد الرحمن باعشن، رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية، لـ«الشرق الأوسط»، أن السياسات السعودية تنتبه لأمر اقتصاد المعرفة بعين وقلب مفتوحين، لأهمية ذلك في إيجاد تنمية مستدامة قائمة على التقانة والتكنولوجيا، في وقت أصبحت الحاجة فيه ماسة لخلق قاعدة واسعة من مشروعات التنويع الاقتصادي التي تستهدف تعدد قنوات الدخل.
وشدد باعشن، على أن اعتماد اقتصاد المعرفة والتقانة تمليه الظروف الاقتصادية التي يمر به العالم، فضلاً عن انخفاض أسعار البترول الذي كان يمثل القناة الرئيسية لخزينة الدولة، منوهًا بأنه لتطوير الصناعات المتعلقة بالنفط وغيره فإن ذلك يحتاج إلى تعظيم ونقل التقنية وتوطينها في الداخل، مشيرا إلى أهمية قضايا ترشيد وزيادة كفاءة الطاقة لمواجهة التحديات المتصلة بالنمو على الطاقة الذي يتراوح بين 8 إلى 10 في المائة سنويا. وذكر الباحث الاقتصادي الدكتور الصادق إدريس لـ«الشرق الأوسط»، أن مسألة تعزيز تكنولوجيا المعرفة ملحّة جدًا لتأسيس قاعدة تمكّن الاقتصاد السعودي من تنفيذ خطة تنويع الاقتصاد، مشيرًا إلى تجارب ناجحة في كوريا وتايوان التي عززت اقتصادها بالمعرفة، حيث جعلها في مصاف الدول الصناعية المتقدمة، مشددًا على ضرورة تشجيع الأبحاث العلمية، والإنفاق على الاختراعات وترجمتها على أرض الواقع.
ولفت إدريس إلى أن اقتصاد المعرفة هو أكثر الاقتصادات ديمومة واستدامة، كونه يوجد أسواقًا داخلية وإقليمية وعالمية شرهة، وطلبات وخدمات المستهلك فيها عالية جدًا بشكل يومي، باعتبار أن منتجاته أكثر المنتجات التي تتماهى حاليًا مع مستجدات العصر، من حيث الفكرة في اختصار الوقت وإنجاز المهام بكفاءة عالية، في وقت بات فيه الاتجاه نحو الاستفادة من الآلة والتقانة الأهم لمتطلبات التجارة والاستثمار والصناعة والرفاهية.
من جهته، أشار الباحث الاقتصادي عبد الرحمن العطا إلى أن العالم أصبح يتنافس على نقل وتوطين التقنية لخدمة أكثر من هدف، من بينها ديمومة التنمية، من خلال تعدد مصادر التنويع الاقتصادي، وبالتالي تعدد قنوات الدخل، واختصار الوقت، وتعزيز كفاءة الطاقة للحصول على أكبر ترشيد في الاستهلاك والطاقة، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على الوضع الاقتصادي على مستوى الفرد والمجتمع والدولة.
وأضاف العطا، أن الاقتصاد القائم على المعرفة، أصبح أمرا ملحا في ظل الركود الاقتصادي العالمي وتذبذب أسعار الطاقة، فضلاً عن اتجاه العالم إلى إيجاد طاقة نظيفة، وتنفيذ الكثير من الاتفاقيات المهمة منها الاتفاقية المتعلقة بتصحيح المناخ وغيرها من الاتفاقيات ذات الصلة، مشيرا إلى أن «الرؤية 2030» و«برنامج التحوّل الوطني» هما خطة عمل اقتصادي تقوم على هذه الفكرة في الأساس.



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.