أكبر مجلة ساخرة في تركيا تغلق أبوابها بعد رسم مسيء للنبي موسى

توقيف مراسل «دي فيلت» الألمانية بسبب تسريبات «ويكيليكس»

أحد أغلفة مجلة «جيرجير»... («الشرق الأوسط»)
أحد أغلفة مجلة «جيرجير»... («الشرق الأوسط»)
TT

أكبر مجلة ساخرة في تركيا تغلق أبوابها بعد رسم مسيء للنبي موسى

أحد أغلفة مجلة «جيرجير»... («الشرق الأوسط»)
أحد أغلفة مجلة «جيرجير»... («الشرق الأوسط»)

أعلنت الشركة المالكة لمجلة «جيرجير» إغلاق المجلة، في قرار مفاجئ بعد نشر رسم يسخر من النبي موسى عليه السلام اعتبر مسيئًا للمسلمين واليهود.
واعتذرت المجلة، التي كانت تعد أكبر وأقدم المجلات الساخرة في تركيا والتي دأبت على توجيه نقد لاذع للحكومات المتعاقبة منذ ظهورها عام 1972، للقراء في تغريدة على حسابها على «تويتر» لتسببها في أذيتهم، في حين تحقق النيابة العامة فيما إذا كان الرسم مسيئا للقيم الدينية أم لا. وبحسب صحيفة «حريت» التركية، قال محامون إن الشركة لم توافق على الرسم الذي سخر من النبي موسى عليه السلام وقررت إغلاق دار النشر وفصل العاملين بها. ولفتت الصحيفة إلى أن القرار جاء بعد أن انتقد إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية، ومسؤولون آخرون في البلاد، الجمعة الماضي، الرسم الذي نشرته المجلة، لإساءته للمعتقدات الدينية.
وصورت المجلة في الرسم، الذي فجر جدلا واسعا، مشهدا من التوراة عندما شق النبي موسى البحر بعصاه فيما كان الإسرائيليون يفرون من مصر. وظهر بعض الناس في الرسم وتجول في أذهانهم أفكار سلبية عن النبي موسى بينما يسخرون منه لمحاولته إبهار الناس والتأثير عليهم.
وندد المتحدث الرئاسي إبراهيم كالين بالرسم عبر حسابه على «تويتر»، ووصفه بأنه «جريمة كراهية وغير أخلاقية». كما اشتكى زعيم الجالية اليهودية إيفو موليناس من الرسم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبعد ذلك، نشرت مجلة «جيرجير»، التي غالبا ما تسخر من الحكومة والأوضاع الاجتماعية أيضا، اعتذارا عبر حسابها على «تويتر». وذكرت وسائل الإعلام التركية أول من أمس أن منافذ الإعلام التركية، بما في ذلك صحيفة «جمهورية حريت»، نشرت بيانا صادرا عن إدارة «جيرجير» عبر محام، يفيد بأن المجلة ستغلق أبوابها، وتدرس اتخاذ إجراءات قانونية ضد رسامي الصورة.
وقالت الإدارة إنها لم تكن على دراية بالرسم قبل انتباههم له عقب التراشق اللفظي.
وكانت المجلة تصدر عن الشركة نفسها التي تصدر صحيفة «سوزجو» المعروفة بتوجهاتها اليسارية وانتقاداتها للحكومة. ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو (تموز) الماضي، أغلقت السلطات التركية عشرات القنوات التلفزيونية والصحف، في إطار حملة تطهير موسعة طالت مختلف مؤسسات الدولة؛ من الجيش، إلى القضاء، إلى الإعلام، إلى الهيئات الحكومية، وتم فصل أو وقف أكثر من 140 ألفا عن العمل. في سياق آخر، أوقفت السلطات التركية مراسل صحيفة «دي فيلت» الألمانية، دنيس يوجل، بسبب تقارير حوت تسريبات من رسائل بريد إلكتروني لوزير الطاقة والموارد الطبيعية برات البيراق. ووضع الصحافي، البالغ من العمر 43 عاما ويحمل الجنسيتين التركية والألمانية، على قائمة المطلوبين لدى الشرطة التركية بسبب تقاريره حول اختراق البريد الإلكتروني الخاص بوزير الطاقة التركي. وكشفت الرسائل الإلكترونية التي كان نشرها موقع «ويكيليكس»، ممارسة السلطات السياسية نوعا من الضغوط على عدد من وسائل الإعلام واتباع استراتيجيات لتوجيه الرأي العام على شبكات التواصل الاجتماعي، بحسب «أسوشييتد برس». وقالت الصحيفة الألمانية عبر موقعها على الإنترنت إن «يوجل حضر بنفسه إلى مقر الشرطة في إسطنبول للرد على أسئلة المحققين، ولذلك لم يكن هناك ما يبرر حبسه»، لافتة إلى أن السلطات تتهمه بالانتماء إلى منظمة إرهابية واستخدام بيانات والقيام بدعاية إرهابية.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.