مشروع جامع تقسيم بإسطنبول يتحول إلى حقيقة بعد عقود من الجدل

أخيرا، وبعد سنين طويلة من الجدل والمعارضة الشديدة من جانب فريق من الرافضين المساس بميدان تقسيم، أشهر ميادين إسطنبول وأكثرها جذبا للسياح الأجانب والمواطنين الأتراك على حد سواء، انطلقت أعمال بناء جامع تقسيم الذي ظل حلما يراود الرئيس رجب طيب إردوغان، منذ أن كان رئيسا لبلدية إسطنبول في تسعينات القرن الماضي. ووضع حجر أساس الجامع الجديد الذي سيقام على مساحة 1500 متر مربع، يوم الجمعة في حفل بسيط وتحت حراسة قوات الشرطة، ليسدل الستار على جدل استمر عقودا بين مؤيدين ومعارضين لبناء الجامع.
وقال سليم دالامان، أحد مهندسي المشروع، إن تصاميم جامع تقسيم مستوحاة من نمط الفن المعماري للمسجد الحرم في مكة المكرمة، وسوف تحمل آثار التاريخ إلى المستقبل. وشهد ميدان تقسيم احتجاجات واسعة في يونيو (حزيران) عام 2013، عندما كان إردوغان رئيسا للوزراء، بسبب خطة لبناء نسخة من ثكنة عثمانية داخل متنزه جيزي بارك الملاصق لميدان تقسيم، وخرج مئات الآلاف إلى الشوارع، وارتكب كثير من أعمال الفوضى والتخريب من جانب رافضي المشروع. ونوقشت خطط بناء مسجد في تقسيم على مدى عقود، وتمسك المؤيدون بأنه لا توجد أماكن عبادة كافية للمسلمين قرب واحد من أكثر مراكز المدينة ازدحاما، فيما اعتبر المعارضون أن المشروع يقضي على روح الميدان التي عرف بها.
وعمل إردوغان الذي شغل منصب رئيس بلدية إسطنبول في عقد التسعينات فترة طويلة من أجل إقامة الجامع في تقسيم، الذي لا يوجد به سوى مسجدين مساحتهما صغيرة، ولا يستوعبان الأعداد الكبيرة للمصلين في أكبر ميادين تركيا ازدحاما بالأتراك والسياح من جنسيات مختلفة. وخلال وضع حجر الأساس للجامع، قال قدير توبباش رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، إنه كانت هناك دائما حاجة لإنشاء جامع في ميدان تقسيم الذي يعد أكبر موقع ثقافي وسياحي في المدينة، ولفت إلى حقيقة مهمة، وهي أن إقامة الجامع في مواجهة كنيسة سانت ماريا في ميدان تقسيم سيعكس معنى كبيرا لإسطنبول، ويظهر كم هي مدينة ترمز للتسامح.
وبالنسبة للمناقشات حول الجامع، قال إن هناك حاجة أساسية له في هذا المكان، ولذلك تقرر إنشاؤه هنا. وأضاف توبباش أنه عندما يمعن النظر إلى مشروع الجامع لا يراه بمثابة «نجاح للنضال» وإنما يعتبر أنه «حاجة» تحققت أخيرا.
وكان مجلس الدولة قد ألغى مشروعا في عام 1983 لتطوير ميدان تقسيم، كان يتضمن إقامة جامع وأسواق ومرأب للسيارات لخدمة الجمهور، وبعد مظاهرات جيزي بارك في 2013 عرض المشروع مرة أخرى على مجلس الدولة، الذي قرر إلغاءه أيضا في عام 2015.
وفي 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وافقت مديرية حماية التراث الثقافي في إسطنبول على مشروع بناء جامع في منطقة تقسيم، التي تتوسط المدينة.
وقالت المديرية التابعة لوزارة الثقافة والسياحة، إنها أبلغت جميع المؤسسات المعنية بالمشروع بقرار مصادقتها عليه، وأنه لم يعد هناك أي عائق يمنع البدء بتنفيذ المشروع.
ويأتي تركيز إردوغان على هذه المنطقة الرابطة بين القسم الأوروبي والقسم العثماني لإسطنبول بالذات، نظرا إلى رمزيتها، حيث يمثل ميدان تقسيم مركز المدينة الحديثة، وهي منطقة سياحية تنتشر فيها المحال التجارية، الملابس بالأساس، وتمتد بطول شارع الاستقلال الذي كان يسمى في العهد العثماني بالشارع الكبير، وتم تغيير اسمه إلى شارع الاستقلال بعد إعلان الجمهورية في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1923.