خريطة توازنات جديدة في شرق حلب تجبر النظام على الالتزام بمسافة من الباب

توسع شرقًا خلال شهر بمحاذاة الضفة الجنوبية لأوتوستراد الباب ـ الرقة

خريطة توازنات جديدة في شرق حلب تجبر النظام على الالتزام بمسافة من الباب
TT

خريطة توازنات جديدة في شرق حلب تجبر النظام على الالتزام بمسافة من الباب

خريطة توازنات جديدة في شرق حلب تجبر النظام على الالتزام بمسافة من الباب

يعكس التقدم الميداني لقوات النظام السوري وحلفائه في الريف الشرقي لمحافظة حلب، توازنات إقليمية وتنسيقًا روسيًا لمسار عمليات النظام وقوات «درع الفرات»، يمنع اصطدامهما، كما يمنع تقدم أحدهما إلى مناطق نفوذ الآخر، قد تكون خطوط تماس مرسومة سلفًا.
ورغم تقدم قوات النظام وحلفائه في 47 قرية وبلدة ومزرعة وتلة بنواحي مدينة الباب، فإنه حافظ على «حدود» تحاشي التصادم مع قوات «درع الفرات». وبعد وصول قوات النظام إلى مسافة تقارب الـ1.5 كيلومتر جنوب المدينة، فإنها توقفت، لكنها واصلت التمدد، بعد شهر على إطلاق عمليتها العسكرية بريف حلب الشرقي، شرقًا على طول الضفة الجنوبية لأوتوستراد الباب - الرقة، من غير عبوره شمالاً. وهو في رأي البعض ما قد يشير إلى احتمال مساعدة قوات «درع الفرات» عبر استهداف خط إمداد التنظيم إلى «الباب» التي بدأت قوات «درع الفرات» المدعومة من تركيا التوغل فيها.
الدكتور سامي نادر، مدير «معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية» في العاصمة اللبنانية بيروت، يرى أن هذا التقدم يسير وفق «خريطة مرسومة سلفًا تتضمن حدود العمليات العسكرية لكل من الأطراف بالتفصيل»، وتابع نادر تصريحات لـ«الشرق الأوسط» بأن مدينة الباب «تمثل اليوم الحدود الجديدة وخطوط التماس الجديدة المرسومة في سوريا»، مضيفًا أن خطوط النظام «تتوقف في شمال حلب عند الباب، بينما لا يتخطى الأتراك هذه المدينة باتجاه الجنوب».
وفي حين يشير نادر إلى أن ذلك قد يكون مؤشرًا على تعاون غير معلن، يلفت إلى أن التصريحات التركية باتت واضحة لكيف ستسير العملية، «بمعنى الوصول إلى الباب والتمدد شرقًا باتجاه منبج، حتى يتحقق ما قاله الأتراك من أنهم يسعون لخلق منطقة آمنة بمساحة 5 آلاف كيلومتر مربع بدءًا من جرابلس في غرب نهر الفرات، وتصل إلى حدود عفرين غربًا، وتمتد إلى مدينة الباب في العمق جنوبًا».
هذا، ويستبعد نادر أن تكون هناك معارضة أميركية للتقدم التركي في هذه المنطقة، رغم الضوابط الروسية مرسومة الملامح فيها. كما أنه لا يستبعد إمكانية أن يفتح ذلك الباب على تنسيق أميركي في وقت لاحق حول المسألة، مستدلاً بما تتوقعه مراكز الدراسات الأميركية حول خيارات واشنطن التي تتحدث عن «الحفاظ على العلاقات مع الأتراك، واحتواء قابلية الأكراد بمعنى التعاون مع الأكراد ضمن حدود كبح طموحهم وقابليتهم على التوسع في ريف حلب الشرقي».
بموازاة تلك التقديرات، تشير الخريطة الميدانية لتقدم النظام، كما يقول مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن قواته تسعى للتقدم باتجاه بلدة دير حافر، أبرز معاقل «داعش» في ريف حلب الشرقي. وهي «تسعى للوصول على خط مواز باتجاه مدينة مسكنة في جنوب شرقي حلب»، حيث يسيطر التنظيم على مضخات المياه التي تغذي مدينة حلب بمياه الشفة. ووفق هذه القاعدة، يتمدد النظام شرقًا من جنوب وجنوب شرقي مدينة الباب بمحاذاة الطريق الدولي الذي يربط الباب بمحافظة الرقة.
وحسب عبد الرحمن، فإن سيطرة النظام على المناطق جنوب الباب «تقلص فرض وصول تعزيزات المتشددين إلى الباب، وتسهل على القوات التركية وذراعها السورية (درع الفرات) السيطرة على المدينة».
وأمس، واصل النظام بدعم من حلفائه (لا سيما روسيا) عملياته في المنطقة، إذ أفادت وكالة «أعماق» التابعة لـ«داعش» بأن 40 غارة روسية وسورية، وأكثر من 80 صاروخًا وقذيفة مدفعية، استهدفت قرى أم خرزة وأبو جبار والكيطة ورسم الخباز ورسم الحرمل الإمام جنوبَ الباب. وبحسب «المرصد» سيطرت قوات النظام، أمس، على تل حميمة القريبة من قريتي حميمة كبيرة وصغيرة، اللتين ستتيحان لقوات النظام التقدم نحو تخوم دير حافر.
ويأتي هذا في وقت أنهت فيه قوات النظام الشهر الأول من عمليتها العسكرية التي تقودها «مجموعات النمر» التابعة للعميد في قوات النظام سهيل الحسن، بدعم من قوات النخبة في «حزب الله» اللبناني، وبإسناد من كتائب المدفعية الروسية التي تتولى التغطية النارية للقوات المتقدمة، وتمكَّنت خلالها قوات النظام من توسعة نطاق سيطرتها على حساب «داعش» في الريف الشرقي لمحافظة حلب وريفها الشمالي الشرقي، وتمكنت من تحقيق تقدم واسع مسيطرة على أكثر من 46 قرية ومزرعة وتلة بينها بلدان عران الاستراتيجية، وتقع جميعها في ريفي الباب الجنوبي والجنوبي الغربي، وريفي دير حافر الشمالي والشمالي الشرقي.
كذلك تمكنت هذه القوات من الوصول إلى الأطراف الجنوبية لبلدة تادف، التي لا يزال التنظيم المتطرف يسيطر عليها. ونفذت قوات النظام والميليشيات الحليفة لها بدعم جوي روسي هجمات متلاحقة خلال هذه العملية، كان كل منها على محور محدد، وتمكنت عبر عملية التشتيت هذه، من قضم مساحات خاضعة لسيطرة «داعش» مَكّنتها من إضعاف التنظيم في المناطق المتبقية، مجبرة مسلحيه على الانسحاب نحو معقله داخل مدينة الباب والبلدات المحيطة بالمدينة.
ووفق «المرصد»، فإن قوات النظام تواصل محاولاتها التقدم نحو دير حافر حيث قطعت مسافة أكثر من 21 كلم قادمة من أطراف تادف، لتسيطر على القرى والمناطق الموجودة على طول هذه المسافة، لحين وصولها لمسافة نحو 5 كلم شمال غربي دير حافر القريبة من مطار كويرس العسكري الخاضع لسيطرة قوات النظام والمسلحين الموالين له.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.