من التاريخ: صناعة الأبطال في غاليبولي

الجنرال إيان هاملتون
الجنرال إيان هاملتون
TT

من التاريخ: صناعة الأبطال في غاليبولي

الجنرال إيان هاملتون
الجنرال إيان هاملتون

أذكر جيدًا يوم شاهدت صناعة النجم ميل غيبسون من خلال فيلمه الشهير الذي يجسد معركة غاليبولي، الذي لعب فيه دور الضابط الأسترالي الذي شارك في هذه المعركة الكبيرة ضمن قوات «الأنزاك Anzac» (اختصار كلمات الفيلق الأسترالي - النيوزيلندي) التي دربت في مصر في 1915 تمهيدًا لمشاركتها في الجهد العسكري لبريطانيا وفرنسا في الحرب العالمية الأولى ضد الدولة العثمانية وذلك بعد قرابة سبعة عقود من الحدث الحقيقي. ولكن في هذه المعركة الشهيرة سطع نجم الضابط التركي اللامع مصطفى كمال «أتاتورك» أيضًا - كما تابعنا في الأسابيع الماضية - ومن المفارقات أن هذه المعركة أسفرت أيضًا عن خسوف نجم السياسي العبقري البريطاني ونستون تشرشل صاحب فكرة هذه الحملة الفاشلة وقراره الطوعي بالابتعاد عن السياسة لحين تولى المسؤولية مرة أخرى رئيسا لوزراء بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية. وكانت هذه، فيما يخص تشرشل، فرصة قلما منحها التاريخ لقائد سياسي فشل فشلاً ذريعًا في معركة ليصحح خطأه بعد ذلك بنجاح أكبر عملية إنزال برمائي في التاريخ الحديث على شاطئ النورماندي في فرنسا عام 1944 لدحر ألمانيا النازية.
وحقًا، عاد تشرشل بعد 29 سنة ليدخل التاريخ من أوسع أبوابه هاضمًا أخطاءه في معركة غاليبولي. وفي المقابل بنى «أتاتورك»، بعكس الزعيم البريطاني، مستقبله العسكري على نجاحه في تلك المعركة. وكان قبلُ ملحقًا عسكريًا لبلاده في صوفيا (عاصمة بلغاريا) إبان الحرب العالمية الأولى وكانت مشتاقًا لقيادة عسكرية ليشارك في الدفاع عن بلاده. ومن خلال اتصالاته مع قيادته استطاع أخيرًا الحصول على هذه القيادة، إذ جرى تعيينه قائدًا للفرقة التاسعة عشرة الملحقة بقيادة الجيش التركي في شبه جزيرة غاليبولي، لكنه كان تحت قيادة اللواء الألماني أوتو ليمان فون ساندرز، الذي كانت قد عينته القيادة التركية قائدًا عامًا للجيش التركي في هذه المنطقة.
«أتاتورك» بطبيعته كان رافضًا للسياسة الألمانية وتوجهاتها رغم كون ألمانيا حليف بلاده في الحرب العالمية الأولى، وهو ما أثر سلبيًا على علاقته مع قائده الجديد. ولكن مع ذلك أبلى بلاءً حسنًا في تنظيم صفوف قواته ما جعله محل ثقة القائد الألماني، خصوصا أنه كان على إدراك كامل بالطبيعة الطوبوغرافية لشبه الجزيرة - المطلة على مضيق الدردنيل - إبان مشاركته في الحرب العثمانية البلغارية. وهذا ما وضع «أتاتورك» في موقف أفضل من الحلفاء الذين كانوا يجهزون للإنزال وفقًا لخرائط قديمة تعود إلى أيام حرب القرم عام 1854، الذين كان هدفهم الاستراتيجي من هذه الحملة البرمائية لتأمين السيطرة على مضيق الدردنيل ثم مضيق البوسفور، وهو ما جعلهم يتعجلون العملية بغير دراسة كافية، لا سيما تشرشل الذي رفض كل الخيارات العسكرية الأخرى.
وكما توقع «أتاتورك» تم الإنزال في خمس مناطق محددة، إضافة إلى إنزال آخر لقوات «الأنزاك» شمالاً، وبدأت هذه المعركة العسكرية يوم 25 أبريل (نيسان) 1915. كان فون ساندرز مقتنعًا بأن الحرب على الشواطئ ستفقده القدرة على إحكام دفاعاته، فقرر الإبقاء على دفاعات بسيطة متقدمة في الشواطئ لإبطاء حركة العدو بينما نشر قوته الأساسية في المرتفعات الملاصقة للشواطئ، إلا أن الفرنسيين قاموا بحركة خداع من خلال مناورة جعلت القائد الألماني يتحرك صوب الشمال الشرقي اعتقادًا منه أن الحلفاء سينزلون بقوة في شمال شرقي شبه الجزيرة وهو ما أخرجه من بؤرة مسرح العمليات الحقيقي وترك القادة الميدانيين أسيادًا للموقف.
واقع الأمر أن الحلفاء ارتكبوا كثيرا من الأخطاء؛ فهم لم يتوقعوا المقاومة التركية الشرسة التي واجهتهم على الإطلاق. ثم إن الإنزال حصل في مناطق صعبة للغاية لم تسمح لهم بسرعة التحرك، إضافة إلى وجود حالة من الفوضى ضربت القوات الحليفة بعد الإنزال عندما تعطلت حركتها إثر المقاومة التركية الباسلة، وهو ما جعلها تفقد وقتًا ثمينًا قبل محاولة الاستيلاء على المرتفعات. هذا كان كافيًا لمنح الأتراك الفرصة لإحكام الدفاعات بعدما عرفوا أماكن الاختراقات المتوقعة، وهكذا تمتعوا بميزة الدفاع من الجبال المرتفعة أمام قوة هجومية بطيئة الحركة أسفلها.
أما على الجبهة، حيث كان «أتاتورك»، فالأمر لم يكن بالصورة نفسها، وبخاصة أنه توقع مكان نزول الحلفاء وهو ما جعله يراهن على خطوتهم التالية. ومن ثم، مع توقعه مكان حدوث المعركة بشكل صحيح، حرك القائد التركي قواته بكل سرعة لملاقاة «الأنزاك»، إلا أنه عندما وصل إلى مواقعه الدفاعية أدرك أنه تأخر بعض الشيء عندما رأى قواته الأمامية منهكة وعاجزة عن الاستمرار. وفي حالة انسحاب، تحرك هو بمفرده بعيدًا عن مركز الفرقة لملاقاة فلول الدفاعات المتقدمة المنسحبة بكل سرعة تحت ذريعة نفاد الذخيرة. هنا كان «أتاتورك» في مرمى نيران العدو لكنه لم يأبه، بل هدّد كل من ينسحب وطلب من جنوده أن يضعوا الحراب على البنادق ويقاتلوا من دون ذخيرة لوقف تقدم «الأنزاك». وعلى الأثر، أخذ يحرك دفاعاته لصد الهجوم، وكانت خطوة «أتاتورك» موفقة للغاية علمًا بأنه دفع باحتياطياته كلها دون استئذان فون ساندرز، ولو لم يفعل هذا لكانت الجبهة التركية قد اُختُرقت من الشمال الغربي ولكان الحلفاء قد زحفوا على الدفاعات التركية في المناطق الخمس الأخرى، ولكن فطنة «أتاتورك» وشجاعته حالتا دون ذلك.
وفعلاً استطاع القائد التركي وقف تقدم «الأنزاك» بفضل هجوم مضاد أعادهم مرة أخرى إلى الشواطئ، حيث كانوا قد أنزلوا، ولكن بثمن باهظ من الضحايا. ومع ذلك أدت هذه الخطوة إلى وقف تقدم العدو وحماية الجبهة التركية من هزيمة محققة، وما لبث الفريقان أن دخلا في حرب خنادق على النحو السائد في الجبهة الفرنسية بين ألمانيا وفرنسا. ولكن الحلفاء قرروا الدفع بدعم عسكري جديد قوامه عشرون ألفًا وبدأت الجولة الثانية في أغسطس (آب) من العام نفسه. ومجددًا تعمد «أتاتورك» مواجهة الهجوم الغربي بمقاومة شديدة أنهكته وجعلته يتأخر في إعادة التمركز مرة أخرى وهو ما استغله القائد التركي الشجاع وقاد هجومًا انتحاريًا ضد هذه القوات ودحرها في منطقة شانوك بايير. وكان لهذا الإنجاز أثره الكبير في إقناع الحلفاء - ولا سيما بريطانيا - بأن حملتهم في غاليبولي فشلت بعدما فقدوا نحو 46 ألف قتيل.
وكان المنتصر الأكبر في هذه المعركة مصطفى كمال «أتاتورك»، الذي لم يكن من المستغرب أن ينال إعجاب الأعداء قبل الحلفاء. ومنذ هذه اللحظة بدأت «صناعة نجوميته»، في حين أصر تشرشل على تحميل القائد البريطاني الجنرال إيان هاملتون المسؤولية في فشل الحملة بدلاً من سوء تخطيطه، وقال عنه معاتبًا إنه «جاء وشاهد وانسحب»، في تهكم صريح وتحوير لكلمات يوليوس قيصر عندما قال: «جئت وشاهدت وغزوت»، ولكن الساسة كثيرًا ما يعلقون فشل فكرهم على آخرين وهذه سمة ليست نادرة.
لقد كانت معركة غاليبولي علامة فارقة في حياة «أتاتورك»، غير أنه لم يتذكرها على أنها معركة عسكرية فحسب، بل أدرك بمرور الوقت أهميتها بالنسبة لتركيا كلها ولسياسته الخارجية الهادفة للسلام والاستقرار وليس الحرب والفوقية وافتعال الخلافات. وهكذا، قال في خطبته الشهيرة في رثاء جنود أعدائه السابقين كلمات... منها: «أيها الأبطال الذين أريقت دماؤهم وفقدوا أرواحهم ارقدوا في سلام... اليوم لا اختلاف بين من نسميهم (جوني) أو (محمد) حيث يرقدون جنبًا إلى جنب هنا في وطننا... أيتها الأمهات الثكالى اللائي أرسلن أبناءهن إلى الحرب... امسحن دموعكن فأولادكن في أحضاننا وهم في سلام... إنهم بعدما فقدوا أرواحهم في هذه الأرض أصبحوا الآن أولادنا نحن أيضًا».
هكذا تكون العبقرية السياسية الممزوجة بالانتصار العسكري.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».