منذ وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، تسعى باريس ومعها كثير من العواصم الأوروبية للتعرف على مواقف واشنطن من البؤر الساخنة في الشرق الأوسط، خصوصا الحرب في سوريا والملف الفلسطيني - الإسرائيلي.
وبالنسبة للملف الأخير، فإن الزيارة التي يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن حاليا كشفت حجم التغيرات في الموقف الأميركي، وهو بالطبع ما يقلق العواصم المذكورة. لكن ما بقي مجهولا هو سياسة واشنطن «الجديدة» إزاء سوريا والحرب الدائرة فيها منذ أكثر من ست سنوات ورؤيتها مستقبل هذا البلد، وكيفية الخروج من حالة الحرب إلى حالة السلم، وغيرها من الأسئلة التي بقيت أجوبتها إما غائبة وإما مغلفة بكثير من الغموض.
تقول مصادر دبلوماسية فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إن ما تناهى إلى وزارات الخارجية الأوروبية من مواقف وخطط الإدارة الأميركية عن الحرب السورية هو «ما يقوله المستشارون»، بينما لم يصدر لا عن البيت الأبيض ولا عن وزارة الخارجية الأميركية، أي تصريح رسمي يحدد «الخط البياني» للموقف الأميركي الراهن من سوريا. من هنا، الأهمية المركزية للقاء الذي سيجمع صباح اليوم على هامش اجتماعات وزراء خارجية مجموعة العشرين في بون، عاصمة ألمانيا الغربية سابقا، وزراء ما يسمى «النواة الصلبة العشرية» للدول الداعمة للمعارضة السورية. ووفق ما قالته هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط»، فإن وزراء خارجية البلدان التسعة «ألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، وتركيا» يرغبون بالاستماع إلى ما سيقوله زميلهم الجديد ريكس تيلرسون.
ووفق ما أفادت به المصادر المشار إليها، فإن المجتمعين يريدون التعرف إلى «الأولويات الأميركية» اليوم في سوريا، وإلى كيفية التوصل إلى تحقيقها. ولو وضعت جانبا تصريحات المرشح ترمب، فإن ما يعرف من أهداف واشنطن في سوريا اليوم أمران: الأول القضاء على «داعش»، والثاني مواجهة النفوذ الإيراني في هذا البلد، ما يندرج في سياق سياسة الاحتواء الأميركية الشاملة إزاء طهران. وعمليا يريد المجتمعون من تيلرسون، بحسب باريس، أن يشرح خطة التحرك الأميركية «إذا كانت موجودة» بشأن التعاون مع موسكو في محاربة الإرهاب، أو العمل على الحل السياسي والموقف من الرئيس السوري ودوره في العملية الانتقالية، وما يليها، وتصور واشنطن لما تريد أن تقيمه من «مناطق آمنة»، وما يرتبط بها من أسئلة: «أين، ومن سيتولى الدفاع عنها وموقف النظام منها...». تضاف إلى ذلك كله المسائل العسكرية المحض مثل دحر «داعش» على الأراضي السورية، وتحرير المناطق التي ما زالت تحت سيطرتها خصوصا الرقة ودور الأكراد في الحرب والتسوية ومواقف أنقرة.
بيد أن للاجتماع أهدافا أخرى قريبة لا بل آنية، وأولها توفير الدعم لوفد المعارضة السورية الذي سيشارك ابتداء من يوم الأربعاء المقبل في محادثات جنيف برعاية الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا. وقالت المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط»، إن الجميع يدرك أن التطورات الميدانية «أضعفت» المعارضة المسلحة، ولذا فإن المطلوب هو «توفير الدعم والمساندة لها حتى تستطيع مواجهة الضغوط التي تمارسها موسكو وطهران من خلال التركيز على أجندة المحادثات وعلى مرجعيتها، والمطالبة بأن يكون هدفها هو عملية الانتقال السياسية». ويريد المجتمعون أن يؤكدوا الصفة التمثيلية لوفد المعارضة الذي وصفته المصادر الفرنسية بأنه «جيد». أما بالنسبة لما تشدد عليه المعارضة فإنها ترفض أي دور للرئيس الأسد «في المرحلة الانتقالية» كما «في مستقبل سوريا»، فإن هذه المصادر ترى أنه تعبير عن «السقف الأعلى» لموقف تفاوضي، خصوصا أن النظام لم يقل شيئا عن المرحلة الانتقالية التي رفض وفده برئاسة السفير بشار الجعفري الخوض فيها في الجولات الثلاث من المحادثات في المدينة السويسرية. لكن المصادر الفرنسية تعتبر أنه «من المقبول ضمنا» أن الأسد سيبقى في الصورة لمرحلة ما قد تطول أو تقصر، ولا ترى كيف أنه سيقبل الخروج من الصورة اليوم، حيث يرى أن وضعه العسكري والسياسي قد تحسن، وهو ما رفضه بالأمس.
من جانب آخر، فإن أحد أهداف اجتماع اليوم هو تنسيق المواقف، والتأكد من أن الجميع «لهم الفهم نفسه للمرحلة الراهنة، وأنهم يدفعون في الاتجاه نفسه»، الأمر الذي ستكون من نتائجه مباشرة «شد أزر» المعارضة السورية وتقوية موقفها على طاولة المفاوضات.
وتراهن المصادر الفرنسية على «دور فاعل ومعتدل» يمكن أن يقوم به الطرف الروسي لجهة دفع النظام إلى قبول الخوض في المسائل «الجوهرية»، أي تلك التي رفض الخوض بها سابقا، وهي بذلك تعتبر أن مصير المحادثات مربوط إلى حد بعيد بما تريده موسكو. وتقوم هذه النظرة المتفائلة على شعور قوامه أن موسكو تريد وضع حد للحرب، ولذا فإنها «تستعجل تحويل الإنجازات العسكرية (في حلب وغيرها) إلى حل سياسي يتوافق مع مصالحها الاستراتيجية في سوريا ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط». وتضيف المصادر الفرنسية أن حلب سقطت لكن الحرب لم تنته، ويمكن أن تتحول إلى حروب بأشكال مختلفة. من هنا، فإن الحل الوحيد الممكن، بنظر باريس، الذي من شأنه أن يوحد الجهود لمحاربة الإرهاب والمساعدة لاحقا على إعادة إعمار سوريا يتمثل في الحل السياسي المقبول من الأطراف كافة. وفي أي حال، تبدو باريس مقتنعة ومعها عواصم أوروبية وخليجية كثيرة، أن موسكو تعي أن مواجهة النفوذ الإيراني والتخلص من الميليشيات المدعومة إيرانيا وكذلك من الميليشيات الأخرى لا يمكن أن يتحققا من غير الحل السياسي المنشود والمقبول. لكن كل هذه الاعتبارات تنتظر جلاء الموقف الأميركي الذي يبقى بالغ التأثير رغم تراجع دور واشنطن في الأشهر الأخيرة، بسبب خيارات الرئيس السابق أوباما والحملة الرئاسية.
وأمس، نشرت مجموعة من الوسائل الإعلامية الفرنسية حديثا مطولا للرئيس السوري، شدد خلاله على أن غرضه هو «استعادة كل شبر من الأراضي السورية». كذلك كرر الأسد رؤيته للمعارضة، إذ يرى في كل المعارضين «إرهابيين». وبنظره، فإن كل من حمل السلاح أصبح إرهابيا أكان «داعشيا» أو من «النصرة» أو من أي طرف معارض آخر. وعند سؤاله مجددا: «بالنسبة إليك، ليس هناك فرق إطلاقا بين (داعش) والمجموعات الأخرى»؟ جاء رده قاطعا: إطلاقا. ولا يخفى أن هذه «الرؤية» لا تبشر بنتيجة إيجابية من محادثات جنيف المقبلة، إذ كيف سيتفاوض النظام مع «إرهابيين»؟ وكيف سيقبل أن يتشارك السلطة معهم في إطار الحل السياسي الموعود؟
«النواة الصلبة» في بون تتلمس موقف واشنطن من سوريا
يريد المجتمعون معرفة الموقف الأميركي من الأسد ودوره في العملية الانتقالية
«النواة الصلبة» في بون تتلمس موقف واشنطن من سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة