«النواة الصلبة» في بون تتلمس موقف واشنطن من سوريا

يريد المجتمعون معرفة الموقف الأميركي من الأسد ودوره في العملية الانتقالية

المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا التقى أمس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للتحضير للمفاوضات السورية في «جنيف 4» (أ.ب)
المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا التقى أمس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للتحضير للمفاوضات السورية في «جنيف 4» (أ.ب)
TT

«النواة الصلبة» في بون تتلمس موقف واشنطن من سوريا

المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا التقى أمس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للتحضير للمفاوضات السورية في «جنيف 4» (أ.ب)
المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا التقى أمس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للتحضير للمفاوضات السورية في «جنيف 4» (أ.ب)

منذ وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، تسعى باريس ومعها كثير من العواصم الأوروبية للتعرف على مواقف واشنطن من البؤر الساخنة في الشرق الأوسط، خصوصا الحرب في سوريا والملف الفلسطيني - الإسرائيلي.
وبالنسبة للملف الأخير، فإن الزيارة التي يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن حاليا كشفت حجم التغيرات في الموقف الأميركي، وهو بالطبع ما يقلق العواصم المذكورة. لكن ما بقي مجهولا هو سياسة واشنطن «الجديدة» إزاء سوريا والحرب الدائرة فيها منذ أكثر من ست سنوات ورؤيتها مستقبل هذا البلد، وكيفية الخروج من حالة الحرب إلى حالة السلم، وغيرها من الأسئلة التي بقيت أجوبتها إما غائبة وإما مغلفة بكثير من الغموض.
تقول مصادر دبلوماسية فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إن ما تناهى إلى وزارات الخارجية الأوروبية من مواقف وخطط الإدارة الأميركية عن الحرب السورية هو «ما يقوله المستشارون»، بينما لم يصدر لا عن البيت الأبيض ولا عن وزارة الخارجية الأميركية، أي تصريح رسمي يحدد «الخط البياني» للموقف الأميركي الراهن من سوريا. من هنا، الأهمية المركزية للقاء الذي سيجمع صباح اليوم على هامش اجتماعات وزراء خارجية مجموعة العشرين في بون، عاصمة ألمانيا الغربية سابقا، وزراء ما يسمى «النواة الصلبة العشرية» للدول الداعمة للمعارضة السورية. ووفق ما قالته هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط»، فإن وزراء خارجية البلدان التسعة «ألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، وتركيا» يرغبون بالاستماع إلى ما سيقوله زميلهم الجديد ريكس تيلرسون.
ووفق ما أفادت به المصادر المشار إليها، فإن المجتمعين يريدون التعرف إلى «الأولويات الأميركية» اليوم في سوريا، وإلى كيفية التوصل إلى تحقيقها. ولو وضعت جانبا تصريحات المرشح ترمب، فإن ما يعرف من أهداف واشنطن في سوريا اليوم أمران: الأول القضاء على «داعش»، والثاني مواجهة النفوذ الإيراني في هذا البلد، ما يندرج في سياق سياسة الاحتواء الأميركية الشاملة إزاء طهران. وعمليا يريد المجتمعون من تيلرسون، بحسب باريس، أن يشرح خطة التحرك الأميركية «إذا كانت موجودة» بشأن التعاون مع موسكو في محاربة الإرهاب، أو العمل على الحل السياسي والموقف من الرئيس السوري ودوره في العملية الانتقالية، وما يليها، وتصور واشنطن لما تريد أن تقيمه من «مناطق آمنة»، وما يرتبط بها من أسئلة: «أين، ومن سيتولى الدفاع عنها وموقف النظام منها...». تضاف إلى ذلك كله المسائل العسكرية المحض مثل دحر «داعش» على الأراضي السورية، وتحرير المناطق التي ما زالت تحت سيطرتها خصوصا الرقة ودور الأكراد في الحرب والتسوية ومواقف أنقرة.
بيد أن للاجتماع أهدافا أخرى قريبة لا بل آنية، وأولها توفير الدعم لوفد المعارضة السورية الذي سيشارك ابتداء من يوم الأربعاء المقبل في محادثات جنيف برعاية الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا. وقالت المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط»، إن الجميع يدرك أن التطورات الميدانية «أضعفت» المعارضة المسلحة، ولذا فإن المطلوب هو «توفير الدعم والمساندة لها حتى تستطيع مواجهة الضغوط التي تمارسها موسكو وطهران من خلال التركيز على أجندة المحادثات وعلى مرجعيتها، والمطالبة بأن يكون هدفها هو عملية الانتقال السياسية». ويريد المجتمعون أن يؤكدوا الصفة التمثيلية لوفد المعارضة الذي وصفته المصادر الفرنسية بأنه «جيد». أما بالنسبة لما تشدد عليه المعارضة فإنها ترفض أي دور للرئيس الأسد «في المرحلة الانتقالية» كما «في مستقبل سوريا»، فإن هذه المصادر ترى أنه تعبير عن «السقف الأعلى» لموقف تفاوضي، خصوصا أن النظام لم يقل شيئا عن المرحلة الانتقالية التي رفض وفده برئاسة السفير بشار الجعفري الخوض فيها في الجولات الثلاث من المحادثات في المدينة السويسرية. لكن المصادر الفرنسية تعتبر أنه «من المقبول ضمنا» أن الأسد سيبقى في الصورة لمرحلة ما قد تطول أو تقصر، ولا ترى كيف أنه سيقبل الخروج من الصورة اليوم، حيث يرى أن وضعه العسكري والسياسي قد تحسن، وهو ما رفضه بالأمس.
من جانب آخر، فإن أحد أهداف اجتماع اليوم هو تنسيق المواقف، والتأكد من أن الجميع «لهم الفهم نفسه للمرحلة الراهنة، وأنهم يدفعون في الاتجاه نفسه»، الأمر الذي ستكون من نتائجه مباشرة «شد أزر» المعارضة السورية وتقوية موقفها على طاولة المفاوضات.
وتراهن المصادر الفرنسية على «دور فاعل ومعتدل» يمكن أن يقوم به الطرف الروسي لجهة دفع النظام إلى قبول الخوض في المسائل «الجوهرية»، أي تلك التي رفض الخوض بها سابقا، وهي بذلك تعتبر أن مصير المحادثات مربوط إلى حد بعيد بما تريده موسكو. وتقوم هذه النظرة المتفائلة على شعور قوامه أن موسكو تريد وضع حد للحرب، ولذا فإنها «تستعجل تحويل الإنجازات العسكرية (في حلب وغيرها) إلى حل سياسي يتوافق مع مصالحها الاستراتيجية في سوريا ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط». وتضيف المصادر الفرنسية أن حلب سقطت لكن الحرب لم تنته، ويمكن أن تتحول إلى حروب بأشكال مختلفة. من هنا، فإن الحل الوحيد الممكن، بنظر باريس، الذي من شأنه أن يوحد الجهود لمحاربة الإرهاب والمساعدة لاحقا على إعادة إعمار سوريا يتمثل في الحل السياسي المقبول من الأطراف كافة. وفي أي حال، تبدو باريس مقتنعة ومعها عواصم أوروبية وخليجية كثيرة، أن موسكو تعي أن مواجهة النفوذ الإيراني والتخلص من الميليشيات المدعومة إيرانيا وكذلك من الميليشيات الأخرى لا يمكن أن يتحققا من غير الحل السياسي المنشود والمقبول. لكن كل هذه الاعتبارات تنتظر جلاء الموقف الأميركي الذي يبقى بالغ التأثير رغم تراجع دور واشنطن في الأشهر الأخيرة، بسبب خيارات الرئيس السابق أوباما والحملة الرئاسية.
وأمس، نشرت مجموعة من الوسائل الإعلامية الفرنسية حديثا مطولا للرئيس السوري، شدد خلاله على أن غرضه هو «استعادة كل شبر من الأراضي السورية». كذلك كرر الأسد رؤيته للمعارضة، إذ يرى في كل المعارضين «إرهابيين». وبنظره، فإن كل من حمل السلاح أصبح إرهابيا أكان «داعشيا» أو من «النصرة» أو من أي طرف معارض آخر. وعند سؤاله مجددا: «بالنسبة إليك، ليس هناك فرق إطلاقا بين (داعش) والمجموعات الأخرى»؟ جاء رده قاطعا: إطلاقا. ولا يخفى أن هذه «الرؤية» لا تبشر بنتيجة إيجابية من محادثات جنيف المقبلة، إذ كيف سيتفاوض النظام مع «إرهابيين»؟ وكيف سيقبل أن يتشارك السلطة معهم في إطار الحل السياسي الموعود؟



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.