السلطة الفلسطينية تصر على حل الدولتين... وتتريّث في تقييم موقف ترمب

اعتبرت إشاراته «غير واضحة»... و«حماس» و«الشعبية» تطالبان بالتخلي عن التفاوض

أميركية تحتج على الاستيطان خلال مثول ديفيد فريدمان أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس أمس للبت في ترشيحه سفيرًا لأميركا لدى إسرائيل (أ.ب)
أميركية تحتج على الاستيطان خلال مثول ديفيد فريدمان أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس أمس للبت في ترشيحه سفيرًا لأميركا لدى إسرائيل (أ.ب)
TT

السلطة الفلسطينية تصر على حل الدولتين... وتتريّث في تقييم موقف ترمب

أميركية تحتج على الاستيطان خلال مثول ديفيد فريدمان أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس أمس للبت في ترشيحه سفيرًا لأميركا لدى إسرائيل (أ.ب)
أميركية تحتج على الاستيطان خلال مثول ديفيد فريدمان أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس أمس للبت في ترشيحه سفيرًا لأميركا لدى إسرائيل (أ.ب)

بدت القيادة الفلسطينية، أمس، ميالة إلى التريّث في تقييم موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب من فكرة حل الدولتين، إذ اعتبرت أن إشاراته «غير واضحة»، فيما دعتها حركة «حماس» و«الجبهة الشعبية» إلى التخلي عن خيار التفاوض، ورفض وساطة واشنطن.
وأكدت الرئاسة الفلسطينية في بيان «تمسكها بخيار الدولتين والقانون الدولي والشرعية الدولية، بما يضمن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطين المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية لتعيش بأمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967».
غير أن الرئاسة فضلت عدم إعلان موقف حاد من ترمب، وقالت إنها مستعدة للتعامل مع إدارته بإيجابية لصنع السلام. لكنها رفضت شروط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو للسلام. ورأت أن تكراره «لغة الإملاءات حول استمرار السيطرة الإسرائيلية على الحدود الشرقية من أراضي دولة فلسطين المحتلة، وكذلك المطالبة بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، يعتبران استمرارًا لمحاولة فرض الوقائع على الأرض وتدمير خيار الدولتين واستبداله بمبدأ الدولة بنظامين (الفصل العنصري)».
وطالبت نتنياهو بالاستجابة لطلب ترمب والمجتمع الدولي «بوقف النشاطات الاستيطانية كافة، بما يشمل القدس الشرقية المحتلة»، مؤكدة استعدادها «لاستئناف عملية سلام ذات مصداقية بعيدًا عن الإملاءات وفرض الحقائق على الأرض، وحل قضايا الوضع النهائي كافة من دون استثناءات، استنادًا إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية».
وأشار بيان الرئاسة الفلسطينية إلى أن «إصرار الحكومة الإسرائيلية على تدمير خيار الدولتين من خلال استمرار الاستيطان وفرض الوقائع على الأرض، سيؤدي إلى مزيد من التطرف وعدم الاستقرار»، مشددة على «وجوب هزيمة التطرف والإرهاب بأشكاله كافة، حتى تتمكن شعوب المنطقة من العيش بأمن وسلام واستقرار».
ويبدو تأكيد السلطة تمسكها بحل الدولتين، على رغم التغير الحاد في الموقف الأميركي، قائمًا على أن الخيارات الأخرى غير ممكنة، إضافة إلى توقعات بتغيير مستقبلي في السياسة الأميركية.
وحذر عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» ناصر القدوة من أن «بديل حل الدولتين هو مواجهة دموية ومؤلمة ستعصف بالمنطقة برمتها». وأضاف أن «رفض حل الدولتين هو رفض لعملية التسوية، وهذا لا يجعل الدولة الفلسطينية تختفي، ولا يقوضها. وفكرة دولة واحدة يتساوى فيها الجميع، هي محض هراء غير ممكن». لكنه لفت إلى أنه «حتى اللحظة لا توجد سياسة واضحة للإدارة الأميركية الجديدة فيما يخض الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي... الإشارات التي تصدر غير واضحة بما يكفي، وتحتمل أكثر من معنى».
وقال القدوة في مؤتمر صحافي في رام الله، أمس، عقب تسلمه منصبه الجديد مفوضًا للإعلام والثقافة في «فتح»: «غير واضح ما إذا كان المقصود أن يقول ترمب للإسرائيليين إنكم إذا لم تقبلوا بحل الدولتين فسيبقى حل الدولة الواحدة، أم أن المقصود هو طرح آخر بهدف التخلي التدريجي عن حل الدولتين. هذا (الطرح الأخير) خطير للغاية، ويمثل تطورًا يعصف بالجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والمنطقة ككل». وأضاف: «إذا كان المقصود بالتوجه نحو الإقليم هو انسجام مع مبادرة السلام العربية وأن يكون هناك دور للإقليم، فهذا جيد. أما إذا كان المقصود تبني وجهة نظر (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو بالعمل من الخارج للداخل، فهذا مرفوض ولن يحدث».
وشدد على أن «موقف القيادة وحركة فتح شديد الوضوح، ويؤكد استمرار الوجود الوطني الفلسطيني ووجود الدولة الفلسطينية، وأن الحقوق الوطنية لا تخضع للأخذ والعطاء، فهي حقوق حتمية ونهائية، وشعب فلسطين لا ينوي الاختفاء والتخلي عن وجوده ودولته».
وكان ترمب قال خلال لقاء مع نتنياهو في واشنطن أول من أمس، إنه لا يعتبر حل الدولتين شرطًا لصنع السلام، «وسواء كان الحل في دولتين أو دولة، المهم أن يتفق الإسرائيليون والفلسطينيون عليه». وفُسِّر ذلك في إسرائيل على أنه نعي لفكرة الدولتين، ورحب به وهلل له وزراء يمينيون، بينهم الوزير أوفير أكونيس الذي غرد: «الليلة تم القضاء على فكرة الدولتين لشعبين»، والوزير نفتالي بينت الذي اعتبر موقف ترمب بداية «عصر جديد علا فيه العلم الإسرائيلي في واشنطن، ونُكس الفلسطيني».
وشجع هذا التغير الأميركي حركة «حماس» على مهاجمة السلطة الفلسطينية، ودعوتها إياها إلى التخلي عن «الحل عن طريق المفاوضات» و«فكرة أن الولايات المتحدة وسيط». وقال الناطق باسم الحركة حازم قاسم إن «الإدارات الأميركية المتعاقبة منحازة إلى الاحتلال الإسرائيلي. بل لم تعمل في يوم من الأيام بجدية لإعطاء شعبنا الفلسطيني حقه». وأضاف أن «الإدارة الأميركية وفرت غطاء للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ومصادرة أرضه»، معتبرًا أن «تراجع واشنطن عن مواقفها الضعيفة ترجمة لتصاعد الانحياز الأميركي إلى الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا مع وصول الرئيس ترمب». ودعا قاسم إلى «التوافق فلسطينيًا على برنامج ميداني نضالي لمواجهة التحديات التي تمر بها القضية الفلسطينية، عبر تخلي الرئيس محمود عباس عن التفرد بالقرار الوطني، وبدء خطوات عملية لتحقيق المصالحة الوطنية».
واتخذت غالبية الفصائل الفلسطينية مواقف مشابهة، بما فيها المنضوية تحت إطار منظمة التحرير. ووصفت «الجبهة الشعبية» مواقف ترمب بأنها «نقلة لا ينقصها الوضوح في مساعي تصفية القضية الفلسطينية». ورأت في تصريحات ترمب «إعادة تأكيد على الانحياز الأميركي السافر والداعم بشكل مطلق لإسرائيل، وتبنيًا لروايتها في كل ما يتعلق بأسس الصراع وحله، وتمكينًا لها لإعادة الإمساك منفردة، وبشروطها، بإدارة أي بحث عن حل للصراع».
ودعت «الشعبية» إلى «إعلان موقف فلسطيني موحد يرفض المواقف الأميركية والإسرائيلية، والانسحاب من اتفاقيات أوسلو وما ترتب عليها من قيود، وسحب الاعتراف بإسرائيل، والكف عن سياسات خلق الأوهام بالرهان على الإدارة الأميركية والمفاوضات، والالتزام بما قرره المجلس المركزي الفلسطيني لتحديد العلاقة مع إسرائيل وعدم العودة إلى المفاوضات».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.