يتذكر مدافع سوانزي سيتي ألفي ماوسون الأيام التي كان يعود فيها إلى المنزل بعد انتهاء التدريبات ليعمل بعد الظهيرة في كشك والده لبيع الفاكهة والخضراوات في «سوق إيلينغ» لبضع ساعات يوميا، يراقب خلالها التفاح والكمثرى بدلا من مراقبة مهاجمي الدوري الإنجليزي الممتاز.
ويتذكر ماوسون ما حدث عندما تعرف إليه شخص وهو يبيع الفاكهة، قائلا: «كنا في شهر ديسمبر (كانون الأول) وكان والدي يبيع أشجار عيد الميلاد في ذلك الوقت من العام. وكنت ألعب في فريق ويكومب واندرارز (يلعب هذا الموسم في دوري الدرجة الثانية) على سبيل الإعارة من فريق برينتفورد (يلعب هذا الموسم في الشامبيون شيب). رآني واحد من اختصاصي العلاج الطبيعي في برينتفورد وحدق في وجهي قائلا (ما الذي تفعله هنا؟) لكني لا أخجل من أي شيء أفعله، وقد اعتدت على مساعدة والدي عندما كنت ألعب في فريق بارنسلي (ينافس في دوري الدرجة الثانية). ولا أزال أقوم بالشيء نفسه الآن، رغم أنني أعرف أن الجمهور قد يكتشف أنني ذاك اللاعب الذي يلعب في سوانزي سيتي».
ويضحك ماوسون على ذلك بمنتهى التواضع وإنكار الذات؛ فبعد وصوله إلى القمة بسرعة كبيرة وانتقاله من دوري الدرجة السادسة (كونفرنس ساوث) للدوري الإنجليزي الممتاز في غضون ثلاث سنوات فقط، بما في ذلك اللعب في جميع المراحل بينهما، ما زال ماوسون يشك فيما إذا كان منافسوه في الدوري الإنجليزي الممتاز سيتعرفون إليه أم لا، ناهيك عن جمهور كرة القدم في كل مكان.
ولا يزال كثيرون غير قادرين على استيعاب صعود ماوسون الصاروخي، بما في ذلك وكالات التوظيف التي لا تزال ترسل تنبيهات مهمة عن فرص عمل لماوسون على هاتفه المحمول بعد فترة طويلة من احترافه كرة القدم. وحتى والداه، غاري وبولا، لم يستوعبا حتى الآن أن نجلهما الذي كان يشاهدانه وهو يلعب أمام بضع مئات من الناس منذ وقت ليس ببعيد بات يلعب أمام أفضل اللاعبين في العالم في الدوري الإنجليزي الممتاز.
يقول ماوسون مبتسما «قال والدي يوم الأحد الماضي: هل حقا كان أغويرو يلعب أمامك، ألفي؟. إنه ضرب من الجنون وشيئا لا يصدق، لكن يجب أن آخذ ذلك في الحسبان، وألا أترك لهؤلاء اللاعبين أي مساحة داخل الملعب؛ لأنهم سيعاقبونني على الفور، لأن هؤلاء اللاعبين لا يهتمون بي ولا يعرفون من أنا».
نشأ ماوسون في هيلينغدون في غرب العاصمة البريطانية لندن، وكان عاشقا لنادي تشيلسي. بدأ اللاعب الشاب حياته الكروية في نادي برينتفورد وانضم إلى سوانزي قادما من بارنسلي الصيف الماضي مقابل خمسة ملايين جنيه إسترليني. ويتميز ماوسون، الذي يلعب في مركز قلب الدفاع، بتفوقه في ألعاب الهواء وسجل منها أهدافا الشهر الماضي في الدوري الإنجليزي الممتاز ساعدت فريقه على الفوز على كريستال بالاس وساوثاهامبتون، كما انضم إلى لمنتخب الإنجليزي تحت 21 عاما، وشارك في أول مباراة دولية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتألق بشكل واضح منذ تولي بول كليمنت منصب المدير الفني لسوانزي سيتي الشهر الماضي.
وفضلا عن كونه لاعب كرة قدم واعدا، يتميز ماوسون بأنه رجل لطيف للغاية، وخير مثال على ذلك قصة الصداقة الجميلة التي تجمعه بصبي يعاني مرضا خطيرا في بارنسلي خلال الوقت الذي قضاه هناك. كان ألفى ليدجواي، وهو في الرابعة من عمره، يعاني مرضا يجعل الجزء السفلي من دماغه يتجه نحو عموده الفقري. يقول ماوسون: «كان هذا الصبي بمثابة تميمة الحظ بالنسبة لي في أحد الأيام. قلت له (مرحبا صديقي، ما اسمك؟) وقال: (اسمي ألفي ليدجواي). ورددت قائلا (هذا شيء جيد، فهذا هو اسمي أيضا). وقال: (هل اسمك ألفي ليدجواي؟) وقلت له: (لا، أنا ألفي ماوسون)».
ويضيف ماوسون «بعد ذلك، كان ليدجواي يجري نحوي بمجرد أن يراني ويقول (مرحبا ألفي ماوسون). ولم يكن يناديني بألفي فقط، حتى لا يخلط الناس بيننا. وفي وقت لاحق، تحدثت إلى والدته وجدته، وأعطيته قميصا مكتوب عليه من الخلف (ألفي الصغير). أما أنا فأصبحت أعرف باسم (ألفي الكبير). وأصبحنا صديقين على (فيسبوك)، وبدأت والدتي تتحدث مع أسرته أيضا، وتوطدت العلاقة بيننا».
ويواصل «كنت ألعب معه كثيرا، فساعة من وقتي تعني يوما كاملا بالنسبة له. إنه أسطورة صغيرة، وقد خضع لعملية جراحية أخرى في الآونة الأخيرة، لكني لم أره هذا الموسم بسبب بعد المسافة بيننا. لكني أود أن أقدم له الدعوة لحضور إحدى المباريات، وربما تكون مباراة أمام إيفرتون؛ لأنه الفريق الذي تشجعه عائلته».
ربما يفسر ذلك السبب الذي جعل ماوسون يرتدي شارة القيادة في بارنسلي وهو في الحادية والعشرين من عمره؛ فهو وإن كان صغيرا في السن فإنه يتمتع بعقلية ناضجة للغاية، وليس من المستغرب أن يُقارن بالمدافع أشلي ويليامز، الذي انتقل من سوانزي إلى إيفرتون الصيف الماضي بعدما بدأ مسيرته بعيدا عن الدوري الإنجليزي الممتاز أيضا، والذي يحمل شارة قيادة المنتخب الويلزي حاليا.
ابتسم ماوسون عندما سمع عن هذه المقارنة، وقال: «عندما وقّعت لسوانزي سيتي، سألني وكيل أعمالي عن الرقم الذي أود أن أرتديه مع الفريق، وقلت له إن رقمي المفضل هو 26؛ لأنه عيد ميلاد والدي، وهو أيضا الرقم الذي يرتديه جون تيري. لكن كايل نوتون كان يرتدي هذا الرقم، وكانت والدتي قد أخبرتني بذلك بالفعل؛ فهي المشجع رقم واحد بالنسبة لي وتعرف كل شيء قبلي. لذا؛ نظرت إلى الأرقام الأخرى، وكان هناك رقم واحد فقط سوف أرتديه وهو رقم 6، الذي كان يرتديه أشلي ويليامز قبل رحيله عن الفريق».
وأضاف: «كان الناس يقولون إنني جئت لأصبح أشلي ويليامز الجديد، لكنني لست مثله، فقد جئت إلى هنا كي أكون نفسي. أشلي يقدم أداء رائعا وجاء إلى سوانزي وهو في سن أكبر مني، وتطور مستواه مع النادي بمرور الوقت، لكن الأمر مختلف بالنسبة لي؛ لأنني جئت لكي أقاتل من أجل مكان في الدوري الإنجليزي الممتاز».
لم يكن ماوسون يفكر قبل ثلاث سنوات في اللعب يوما ما في الدوري الإنجليزي الممتاز. وكان برينتفورد قد منحه فرصة ثانية بعدما تخلى عنه نادي ريدينغ وهو في الخامسة عشرة من عمره، ولم يكن هناك إشارات قوية تدل على أنه سيصبح لاعبا كبيرا في وقت قريب. يقول ماوسون «لم أكن أشارك في أي مباريات مع فريق الرديف؛ لذلك دخلت على مواقع التوظيف على الإنترنت وتقدمت لعدد من الوظائف. نشأت وأنا أعمل مع والدي في كشك بيع الخضراوات والفاكهة؛ لذا تعلمت مهارات كثيرة من التعامل مع الناس في سن صغيرة، وكنت أريد أن أصنع شيئا عمليا بيدي. أتذكر أنني لعبت على سبيل الإعارة مع نادي مايدينهيد وكنت أفكر فيما إذا كان يمكنني اللعب بشكل نهائي لنادي في دوري الدرجة السادسة والحصول على وظيفة هناك».
وكان انتقال ماوسون للعب لمدة موسم على سبيل الإعارة مع نادي يكومب واندررز هو نقطة التحول في حياة اللاعب؛ إذ شارك مع الفريق الذي يلعب في دوري الدرجة الثانية وقدم أداء جيدا، جعل نادي برينتفورد يقدم له عقدا جديدا، لكنه قرر اللعب لنادي بارنسلي، قبل أن ينتقل في أغسطس (آب) الماضي إلى سوانزي سيتي.
لم يشعر ماوسون بالرهبة من اللعب في الدوري الإنجليزي الممتاز، وكان متحمسا للغاية، لكنه كان مذهولا من ملاعب تدريب سوانزي سيتي والأجواء الرائعة في النادي. وكان لديه شقة في لانغلاند تطل على الملعب، لكن الأمور لم تكن على ما يرام في البداية. يقول ماوسون «لم أدخل قائمة الفريق خلال الأسابيع الأولى، ولم أكن أعرف ما يتعين عليّ القيام به. لم أمر بهذا الموقف خلال السنوات القليلة الماضية، فقد وجدت نفسي في عطلة، وعند الساعة الثالثة مساء كنت أتناول الغداء في المنزل وكانت العطلة طويلة للغاية».
كان يتعين على ماوسون أن يتحلى بالصبر. وعندما جاء الأميركي بوب برادلي مديرا فنيا لسوانزي سيتي بدلا من الإيطالي فرانشيسكو غودولين في أكتوبر (تشرين الأول) حصل ماوسون على الفرصة، وحصل على جائزة أفضل لاعب في أول مباراة يشارك فيها أمام واتفورد، لكن سرعان ما اكتشف ماوسون أن الدوري الإنجليزي الممتاز لا يرحم؛ إذ أقال النادي برادلي بعد سلسلة من النتائج السلبية وتلقي شباك الفريق عددا من «الأهداف الغبية».
وتولى كليمنت قيادة الفريق ونجح في إعادة الثقة للاعبين. يقول ماوسون «سرعان ما عادت الأمور إلى المسار الصحيح مع المدير الفني الجديد، وبدا كل شيء على ما يرام. أصبحت التدريبات أكثر شراسة، وركز المدير الفني على الأساسيات التي كنا في حاجة إليها. جعلنا نشاهد مقاطع فيديو لنادي بايرن ميونيخ الألماني ونادي أتلتيكو مدريد الإسباني، وكيف يلعب الناديان بكل قوة وشراسة. لو ضغط الفريق المنافس على أحد اللاعبين وقطع الكرة فسيجد لاعبا ثانيا خلفه يقدم له المساعدة ثم لاعبا ثالثا، وهكذا. عندما نرى أندية تلعب بهذه الطريقة، فلن يكون لدينا أي مبرر لعدم القيام بالشيء نفسه».
وزادت الفاعلية الهجومية لسوانزي سيتي بفضل تألق ماوسون في الألعاب الهوائية، فقد سجل اللاعب الشاب 19 هدفا خلال مسيرته الكروية، وكانت أهدافه مع سوانزي الشهر الماضي مؤثرة للغاية. يقول ماوسون ضاحكا «يقول الجميع إن لدي رأسا كبيرة، لكنني أعشق تسجيل الأهداف. إذا لم يكن لديك الثقة التي تجعلك تتقدم وتحرز أهدافا، فلماذا تتقدم أثناء الركلات الركنية أو الضربات الثابتة؟».
ويستفيد ماوسون بقوة من الضربات الثابتة التي ينفذها اللاعب الآيسلندي غيلفي سيغوردسون بصورة رائعة. يقول ماوسون مبتسما «يقوم سيغوردسون بأشياء لا تتوقعها. وحتى عندما كنا لا نعلب بالشكل الذي نحن عليه الآن، كان سيغوردسون يساعدنا بتمريرة حاسمة أو بإحراز هدف. إنه عامل مشترك في كل شيء، وهذا ليس من قبيل الصدفة».
ورغم إدراك ماوسون جيدا أهمية مباراة فريقه التي أقيمت على ملعبه يوم الأحد الماضي أمام ليستر سيتي وفاز فيها سوانزي بهدفين دون رد افتتحهما ماوسون، الذي، ورغم أن تركيزه انصب بالكامل على تلك المباراة، فإننا رأيناه يبتسم عندما رأى المدير الفني لليستر سيتي كلاوديو رانييري. يقول ماوسون «عندي كرة عليها إمضاء رانييري ولاعبي تشيلسي، اشتراها والدي من أحد المزادات. لا زلت أحتفظ بها في منزل والدتي، لكن الكرة بها ثقب الآن لأن كلبي مضغها».
جدير بالذكر، أن رانييري أشاد بأداء ماوسون في المواجهة أمام سوانزي وقال إن «الهدف الذي أحرزه كان له مفعول السحر في أداء كل لاعبي سوانزي وتحقيق الفوز». ولكنه قال أيضا عن الهزيمة «كنت أريد أن نبدأ موسما جديدا اليوم، لكن حدثت الأمور نفسها. هذا لا يصدق». وأضاف «يجب أن نتحدث إلى بعضنا بعضا لإيجاد الحلول. من غير الممكن الاستمرار بهذه الطريقة.. المنافس كان أكثر إصرارا منا، وهذه هي الحقيقة». وفاز سوانزي ثلاث مرات في آخر أربع مباريات تحت قيادة مدربه الجديد بول كليمنت الذي سبق له العمل مساعد مدرب في باريس سان جيرمان وريال مدريد وبايرن ميونيخ. وقال كليمنت «لقد عملنا بجدية في المران حتى نؤدي الأمور الأساسية بشكل صحيح. لا توجد أي أمور معقدة».
ألفي ماوسون... من لاعب كرة ظهرًا إلى بائع فاكهة مساءً
مدافع سوانزي يقضي بضع ساعات يوميًا يراقب خلالها التفاح والكمثرى بدلاً من مراقبة مهاجمي الدوري الإنجليزي
ألفي ماوسون... من لاعب كرة ظهرًا إلى بائع فاكهة مساءً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة