«ورد وياسمين» خطاب مسرحي عربي مختلف في باريس

هي واحدة من المرات النادرة التي تنجح فيها فرقة مسرحية عربية في استقطاب جمهور فرنسي تجاوز الآلاف. وعلى مدى أسبوعين، كان المسرح الحديث والواسع لضاحية «إيفري» يغلق شباك التذاكر، مبكرًا، بعد أن يشغل المتفرجون كامل المقاعد البالغ عددها 440 كرسيًا. وفي عروض عطلة نهاية الأسبوع كانت الأدراج بين صفوف الكراسي تمتلئ بالحضور. ما الذي جذب كل هؤلاء الرجال والنساء، الشباب والشيوخ، إلى عرض فرقة الحكواتي الفلسطينية الذي قدمه الممثلون باللغة العربية، مع ترجمة في خلفية المسرح؟
لابد، في البداية، من الإشارة إلى أن مسرحية «ورد وياسمين» للمخرج عادل حكيم، هي إنتاج مشترك مع مسرح «إيفري». وقد سبق وأن أثارت لدى عرضها في رام الله جدلاً هي جديرة به. ولعل مما يلفت نظر المتفرج العربي وهو يتابعها في باريس، هو غياب الشخصية الفلسطينية غيابًا تامًا عن الربع الساعة الأول من العرض الذي يقارب الثلاث ساعات. فنحن أمام مريم، الشابة اليهودية التي فرت من المحرقة النازية في أوروبا، مع شرح لأهوال تلك المحرقة. ونراها تتعرف في فلسطين على جون، الضابط الإنجليزي في جيش الانتداب، فيتحابان ويرقصان سويًا ويتزوجان في أرض مسالمة قبل أن تبدأ أولى الطلقات. هنا لا يملك المشاهد العربي من التساؤل: هل بات من المقرر علينا أن نبكي على مأساة اليهود، قبل 70 سنة، قبل أن يُسمح لنا بالكلام عن مآسي الفلسطينيين المستمرة منذ ذلك الوقت حتى اليوم؟.
ينجب الزوجان طفلة هي ليا. ويلقى أبوها مصرعه في عملية تفجير فندق «الملك داود» في القدس، 1946، التي نفذتها العصابات الصهيونية. ثم تكبر البنت وتتزوج من الشاب الفلسطيني محسن وينجبان، بدورهما، ابنتين، ورد وياسمين. لكن الجد اليهودي هارون يرفض هذه العلاقة ويحاول خطف ابنته ليا ومعها ورد، لتتربى وتعيش في تل أبيب وتخدم في الجيش وتصبح محققة. في حين تذهب شقيقتها ياسمين إلى غزة وتصبح مناضلة تشارك في الانتفاضة. وهنا ينشأ صراع ثانٍ حين تلتقي الشقيقتان بعد 20 عامًا، واحدة مُحققة والثانية مناضلة في المقاومة، أي في معسكرين متضادين. وبأحداث مثل هذه تقدم المسرحية شرحًا تاريخيًا مبسطًا للصراع العربي الإسرائيلي، وصولاً إلى تبيان الحق الفلسطيني في أرض مقدسة لدى أبناء الأديان السماوية الثلاثة.
كتب الناقد الفلسطيني فايد بدارنة في استعراضه للمسرحية أن المشهد الأول يقدم عرضًا مؤلمًا لأفراد عائلة يهودية تهلك تحت بشاعة النازيين، والبعض الآخر من العائلة ينجح بالهروب حتى يصل إلى فلسطين الرازحة تحت الانتداب البريطاني. وكأن القانون الإنساني صارم ومتماسك لدرجة أنك لا تسمح لدمعة من دمعاتك أن تفلت على ضحايا لأناس تحولوا فيما بعد لألد أعدائك. فالمسرحية تثير، من بين ما تثيره، جدلاً أوليًا وغير أساسي، حول حقيقة وجود هذا الفصل في مأساتنا. والمُسَّلم به أن هذا الفصل لا يمت بصلة لتاريخنا، بمفهوم أن الفلسطيني لم يصنعه، وبالتأكيد ليس للفلسطينيين فيه لا ناقة ولا جمل. لكن هذا لا يلغي حقيقة أن الناقة والجمل سيقا إلينا وألقيا بنفسيهما فصلاً من فصولنا. وإذا استطاعت الرواية الصهيونية أن تجند الكثير من دول العالم حول مقولة «لا بلاد لنا غير هذه البلاد» فقد استبق هذا النص المسرحي أي ادعاء أوروبي وأظهر إدراكه واستيعابه لما تعرض له اليهود، لكي يستدرك فيقول: «لن يكون الفلسطينيون ضحية تدفع ثمن جرائم الأوروبيين بحق اليهود في أوروبا».
بالإضافة إلى الرؤية الإخراجية لعادل حكيم، المسرحي الفرنسي المصري المولد، والصياغة الدرامية لمحمد قاسمي، جاء أداء الممثلين حسام أبو عيشة وشادن سليم وكامل الباشا وفاتن خوري وداود طوطح وياسمين همار معقولاً، دون السقوط في الميلودراما. ومما يذكر أن «ورد وياسمين»، بعد مسرحية «أنتيغونا»، هي ثاني ثمار اتفاقية التعاون الثقافي الموقعة بين القدس ومدتها ثلاث سنوات.