الكُركم آخر صيحة في الغرب

وصفة للشفاء من الأمراض وثورة حول العالم

مشروب الكركم مع الحليب - طريقة تحضير مشروب الحليب الذهبي
مشروب الكركم مع الحليب - طريقة تحضير مشروب الحليب الذهبي
TT

الكُركم آخر صيحة في الغرب

مشروب الكركم مع الحليب - طريقة تحضير مشروب الحليب الذهبي
مشروب الكركم مع الحليب - طريقة تحضير مشروب الحليب الذهبي

تعد الوجبة الهندية العتيقة «هالدي دوه»، أو حليب الكركم ذو الرائحة اللاذعة المضاف إليه بعض الزبد الصافي، وصفة طبيعية للشفاء من الكثير من الأمراض، مثل: احتقان الحلق، والحمى، والكثير من الآلام. أصبح هذا الشراب أصفر اللون آخر صيحة في الغرب وفي الولايات المتحدة، وجنوب أفريقيا وأستراليا، والولايات المتحدة بعد أن وجد إقبالاً كبيرًا من رواد المقاهي في تلك الدول. فالحليب الذهبي، أو لاتيه الكركم، أو منشط الكركم، جميعها أسماء مختلفة للمشروب الخارق لهذا العصر، والذي أطلقت عليه صحيفة «غارديان» البريطانية «مشروب عام 2016».
وفي السياق ذاته، قالت متخصصة التغذية ريكا شارما: «شأن غيرها من المقادير الهندية مثل السمن الحيواني، وزيت جوز الهند التي وجدت إطراء كبيرًا في الغرب، بعد أن اعتبرها الناس الغذاء السوبر الذي أثبت فعالية وفائدة كبيرة للبشرة والهضم، فقد أثبت أيضًا شراب الكركم ذو اللون الأصفر البرتقالي الفاتح فعاليته الطبية في تقوية نظام المناعة. لكن اللافت أن ترى الناس في الولايات المتحدة وأوروبا وقد أصابها هوس منتج منزلي شعبي من إحدى دول جنوب آسيا». ودفع الهوس بالمشروب الهندي موقع «غوغل فود تريند» المختص بالطعام لأن يعتبر مشروب الكركم «مشروب عام 2016» بلا منازع، بعد أن ارتفعت معدلات البحث عنه على الإنترنت بواقع 56 في المائة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وبمعدل 300 في المائة في السنوات الخمس الأخيرة.
* أصل المشروب
يستخدم الكركم، الذي ينتمي لعائلة الزنجبيل، منذ نحو 5000 عام كعشب طبي وأيضًا كمكسب للطعم لإضفاء نكهة لذيذة للطعام. وبالرجوع إلى المدارس الطبية الهندية القديمة مثل «إيرفيدا»، و«يواني» و«سيدها»، فقد لوحظ أنها جميعًا توصي باستخدامه في علاج حالات الالتهاب، والاكتئاب، وأيضًا للمساعدة على النوم الهادئ. وناهيك بكونه صبغة طبيعية للطعام، فقد أشار الكثير من مراجع العصور الوسطى إلى الكركم باعتباره البديل الهندي الأرخص سعرًا لنبات الزعتر. الكركم نبات جنوب آسيوي أصيل، موطنه الأصلي الهند، بيد أنه انتشر لاحقًا ليزرع في الكثير من المناطق الدافئة حول العالم، وإن كانت الهند هي المنتج الأكبر على الإطلاق. يزرع نبات الكركم أيضًا في سريلانكا، وإندونيسيا، والصين، وتايوان، والصين الهندية، والبيرو، وهاييتي، وجاميكا. ومن ضمن كبار المنتجين أيضًا المملكة المتحدة، واليابان، وكندا، وسريلانكا، وسنغافورة والشرق الأوسط.
* الفوائد الصحية للكُركم
يعد نبات الكُركم، المعروف بملك التوابل، أحد أفضل المكملات الغذائية الطبيعية. ولهذا النبات تاريخ طويل مع الطب الطبيعي والاستشفاء. لكن دعونا نعود بالزمن إلى الوراء حيث الهند القديمة عندما استخدم نبات الكركم للمرة الأولى. فمنذ آلاف السنين شهدت الهند مولد أحد أنماط الطب الشامل تحت اسم «أيرفادا» الذي كان من ضمن أهدافه تخليص الجسم من الطعام غير المهضوم من خلال أدوية نباتية، ونظام حمية غذائي (دايت)، مساج، ويوغا تأملية، وتغييرات في نمط الحياة وغيرها من الأساليب العلاجية. بيد أن الملاحظ في مطبخ المدرسة «الأورفيدية» أن الكركم كان قاسمًا مشتركًا في معظم الأطباق، فغالبًا ما يوصف من قبل الممارسين بالعيادة «الأورفيدية» لعلاج من أمراض الدم، والكبد، والمفاصل، وتقوية النظام المناعي والجهاز الهضمي. فالكركم أقوى «بخمس إلى ثماني مرات من فيتامين إي، وأقوى بخمس مرات من فيتامين سي. ويساعد العنصر المضاد للأكسدة الموجود بالكركم في تقوية المناعة، والمحافظة على مستوى الكولسترول، والإبطاء من زحف أعراض الشيخوخة».
من المعتقد أن للكركم قدرة كبيرة على شفاء الكثير من الأمراض، بدءًا من السرطان إلى السعال، ويوصى به للأطفال الذين يعانون من ارتفاع الحرارة. وتتنوع خواص النبات لتشمل مضادات الأكسدة، ومضادات البكتيريا، ومضاد الفطريات، ومضاد الفيروسات إلى مضاد لمسببات السرطان ومضاد الالتهابات. وللكركم قيمة غذائية حيث يعتبر غنيًا بالألياف الغذائية، والبروتين، والكالسيوم، والنحاس، والحديد، والماغنيسيوم، والزنك، وفيتامينات «سي، و«إيه» و«كي».
لا عجب في تنامي شعبية الكُركم في الغرب كـ«لاتيه»، أو كمشروب، ذي فوائد صحية. فبحسب الدكتور سرسواتي سكومار الذي قضى حياته المهنية في دراسة تأثير التوابل، يستخدم الكركم في الهند كمشروب بفوائد طبية على مدار السنوات الطويلة التي استخدم فيها الناس طب أوفردي القديم. ويعتمد الطب «الأوفردي» على اكتشاف منتجات نباتية قد تكون مفيدة كوصفة علاجية، ويعتبر الكركم نباتًا بريًا يوجد في الهند. «فهذا النبات معروف في الهند بدرجة كبيرة، حيث شاع استخدامه كعلاج للأمراض المزمنة، كالتهابات المفاصل، والروماتيزم، والتئام الجروح». ونتيجة لذلك، فالكثير من الأطباق الهندية تبدأ بوضع الكركم في زيت ساخن، وهي الخطوة الأولى لتنشيط تفاعل المواد العلاجية الموجودة بالكركم قبل تناوله.
ويدرس سكومار حاليًا كيف أن تناول الكركم بصورة منتظمة يساعد في علاج الأمراض المزمنة مثل ألزهايمر، وسرطان الثدي، والخرف، «فمضاعفاته الجانبية أقل ما تكون، ولذلك إن واظبت على تناوله فسوف يساعد على تحسين نمط حياتك كلما تقدم بك العمر»، بحسب سكومار. غير أنه أشار إلى أنه يمكنك أيضًا مزج الكركم بالماء، لكن لتحصل على الفائدة الكاملة للنبات، عليك بتسخين الكركم على النار وتركه ليبرد، ويصل إلى درجة حرارة الغرفة، ثم إضافته إلى البن أو الزبادي.
وبخلاف الهند، فقد أظهرت الكثير من الدراسات بالخارج الخصائص الطبية للكركم. ففي عام 2012، أجرت مجلة «نيوتريشن جورنال»، وتعني الصحيفة الغذائية، دراسة على أصحاء من الفئة العمرية 40 إلى 60، واكتشفت أن جرعة منخفضة من الكركم (80 غرامًا يوميًا) «قادرة على إنتاج عدد من المؤثرات الصحية المفيدة لدى الأصحاء متوسطي العمر». وفي عام 2009، اكتشفت مجلة «جورنال أول الترناتف آند كومبليمنتاري مديسن» أن الكركم بمقدوره تخفيف آلام التهابات المفاصل، فيما أكدت أبحاث أخرى نشرت في مجلة «أيفيدنس بيسد كومبليمنمتاري ميديسين» المعنية بالطب التكميلي، الدور المهم للكركم في حماية وعلاج داء البول السكري. في الحقيقة، فقد رأت الدراسات أن الكركم بمقدوره أيضًا منع انتشار سرطان الفم والكبد والقولون عند الحيوانات المصابة بهذا المرض.
وقبل أن يبدأ الغرب في تناول لاتيه (مشروب) الكركم، عرف الهنود الكثير من المشروبات التي تعتمد على هذا النبات بهدف الاستشفاء والتخلص من سموم الجسم. وبعد ظهور لاتيه الكركم الجديد في دول الغرب، فقد ساعد الطهاة على زيادة الإقبال على مشروب الكركم بأن صنعوا عددًا من مشروبات الكركم المتنوعة.
وإليكم بعض مشروبات الكركم الأكثر شعبية التي غطتها صحيفة «الشرق الأوسط».
* مشروب يومي مضاد للأكسدة
معروف عن الكركم فوائده المضادة للأكسدة وقدرته على بعث الهدوء في نفسك إن تناولته بصفة يومية. ولتتناوله كمشروب يومي يمكنك اتباع الوصفة التالية: ثلث ملعقة كبيرة كركم، ملعقة كبيرة من عسل نحل، وملعقة كبيرة من عصير الليمون، ثم تذيب الخليط في ماء فاتر. يمكنك تناول المشروب يوميًا على معدة خالية في الصباح، حيث تساعد هذه الوصفة أيضًا على تقليل الوزن.
* شاي الكركم
ضع أربعة أكواب من الماء في إناء على النار، ثم أضف ملعقة صغيرة من الكركم (طازج أو مسحوق جاف)، ثم اخفض النار ودع الخليط يغلي لنحو 10 دقائق، وصفِ الشراب باستخدام غربال ضيق، ويمكنك إضافة ملعقة صغيرة من الزنجبيل، أو الكمون.



المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».