انتهاء التحقيقات مع «سفاح رينا» الداعشي وإحالته إلى المحكمة

القبض على آلاف المطلوبين في حملة أمنية موسعة في أنحاء تركيا

عملية أمنية واسعة النطاق في 81 محافظة تم خلالها القبض على أكثر من 3600 من العناصر الإرهابية والمطلوبين فيما أطلق عليها «عملية السلام والطمأنينة» («الشرق الأوسط»)
عملية أمنية واسعة النطاق في 81 محافظة تم خلالها القبض على أكثر من 3600 من العناصر الإرهابية والمطلوبين فيما أطلق عليها «عملية السلام والطمأنينة» («الشرق الأوسط»)
TT

انتهاء التحقيقات مع «سفاح رينا» الداعشي وإحالته إلى المحكمة

عملية أمنية واسعة النطاق في 81 محافظة تم خلالها القبض على أكثر من 3600 من العناصر الإرهابية والمطلوبين فيما أطلق عليها «عملية السلام والطمأنينة» («الشرق الأوسط»)
عملية أمنية واسعة النطاق في 81 محافظة تم خلالها القبض على أكثر من 3600 من العناصر الإرهابية والمطلوبين فيما أطلق عليها «عملية السلام والطمأنينة» («الشرق الأوسط»)

انتهت سلطات الأمن التركية من التحقيق مع الداعشي الأوزبكي عبد القادر ماشاريبوف المكنى «أبو محمد الخراساني» منفذ الهجوم الإرهابي على نادي «رينا» في منطقة أورتاكوي في إسطنبول ليلة رأس السنة الذي خلف 39 قتيلا و65 مصابا، غالبيتهم من العرب والأجانب.
وأحيل ماشاريبوف أمس السبت، إلى المحكمة بعد انتهاء التحقيقات معه في شعبة مكافحة الإرهاب في مديرية أمن إسطنبول التي بدأت منذ القبض عليه ليل 16 يناير (كانون الثاني) الماضي.
وأخضع ماشاريبوف للفحص الطبي قبل نقله إلى القصر العدلي في تشاغليان في إسطنبول.
وسبق أن أمرت محكمة الصلح والجزاء في إسطنبول بتوقيف 30 شخصا بينهم زوجة ماشاريبوف، لاتهامهم بالانضمام إلى تنظيم إرهابي، ومحاولة تغيير النظام الدستوري للبلاد وصلتهم بالهجوم الإرهابي على النادي.
كما ألقي القبض على 9 آخرين قبل يومين لصلتهم المحتملة بمنفذ الهجوم عبد القادر ماشاريبوف. كما وسعت قوات الأمن التركية من حملاتها في أنحاء تركيا عقب الهجوم الذي تبناه تنظيم داعش الإرهابي.
وأوقفت قوات الأمن التركية نحو 900 من المشتبه بانتمائهم إلى «داعش» الأسبوع الماضي في حملة متزامنة في 29 محافظة مختلفة في تركيا. كما ألقت القبض على 4 عناصر خطيرة من «داعش» في غازي عنتاب جنوب تركيا كانوا يخططون لعمليات إرهابية، وضبطت في هذه العملية كميات كبيرة من المتفجرات والأحزمة الناسفة والأسلحة.
وفي سياق متصل، نفذت قوات الأمن وخفر السواحل في تركيا أمس، حملة موسعة في جميع المحافظات التركية، وعددها 81 محافظة، تم خلالها القبض على أكثر من 3 آلاف و600 من العناصر الإرهابية والمطلوبين أمنيا فيما أطلق عليها «عملية السلام والطمأنينة».
وتم خلال العملية التي شارك فيها 81 ألفا من قوات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والمخدرات ضبط سيارات وأسلحة وقطع أثرية مهربة، ومن بين من ألقي القبض عليهم ألفان و300 من المطلوبين أمنيا في قضايا إرهابية وجنائية.
وتعد هذه هي الحملة الأمنية الثانية على مستوى تركيا في أقل من شهر التي أطلقت للحد من العمليات الإرهابية التي تصاعدت في الفترة الأخيرة، وبعد الهجوم الذي استهدف نادي رينا في إسطنبول، وكشف عن وجود شبكة من الخلايا التابعة لتنظيم داعش الإرهابي تضم عناصر تركية وأجنبية، وكذلك في الفترة التي تستعد فيها تركيا لإطلاق حملات الدعاية للاستفتاء على تعديل الدستور الذي أعلن رسميا أمس أنه سيجرى في 16 أبريل (نيسان) المقبل لنقل البلاد من النظام البرلماني إلى الرئاسي.
في سياق مواز، امتنعت الحكومة التركية عن تجديد الإقامة الدبلوماسية لسفير دولة أبخازيا إينار جيتسبا لأسباب غير معلومة، ما يعني طرده بحسب وسائل إعلام محلية.
ونقلت وسائل الإعلام عن جيتسبا في تعليقه على القرار: «أرى حالة من الانفعال الشديد بين مهاجري دولة أبخازيا وشمال القوقاز الموجودين في تركيا، نتيجة إلغاء إقامتي في تركيا. وأودُّ أن أخبركم أن المسؤولين في اتحادنا الفيدرالي وأصدقاءنا يقومون باتخاذ الخطوات اللازمة لحل الأزمة».
وعلَّق اتحاد جمعيات القوقاز على الواقعة قائلاً: «في يوم 31 يناير (كانون الثاني) 2017، تلقَّى سفير دولة أبخازيا لدى تركيا إينار جيتسبا بلاغًا بإلغاء تصريح إقامته الدبلوماسية. من غير المعقول إدراك أو فهم كيفية إلغاء إقامة جيتسبا المجددة قبل ثلاثة أشهر، من دون سبب، رغم أنه يقوم بمهامه الوظيفية في تركيا منذ يوليو (تموز) 2014».
وأضاف: «وهذا القرار الصادر من الحكومة التركية، قد يتسبب في أزمة في العلاقات بين دولتي تركيا وأبخازيا، فضلاً عن تأثيره على مصالح المواطنين الذين يريدون استمرار علاقاتهم الإنسانية مع أقاربهم هناك. وقد تم توضيح رأينا وتوجهنا لوزارة الخارجية التركية والجهات المعنية». وتشير بعض الادعاءات إلى أن هذه الخطوة تأتي ضمن إجراءات الحكومة التركية للتضييق على اللاجئين الأجانب لديها من حاملي جنسيات الشيشان وأوزبكستان وجمهوريات آسيا الوسطى وتركستان الشرقية، في أعقاب هجوم نفذه الإرهابي ماشاريبوف، وهو من أصل أوزبكي على ملهى رينا في إسطنبول.
في سياق مواز، أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية رفع التحذير من السفر إلى تركيا اعتبارًا من أمس السبت.
وأوصت الوزارة مواطنيها خلال وجودهم في تركيا بالتواصل مع بعثاتها الدبلوماسية، وتوخّي الحيطة والحذر والابتعاد عن الأماكن المزدحمة والتجمعات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟