شون سبايسر... وجه عسكري لإعلام البيت الأبيض

ناطق رسمي مخلص للحزب الجمهوري

شون سبايسر... وجه عسكري لإعلام البيت الأبيض
TT

شون سبايسر... وجه عسكري لإعلام البيت الأبيض

شون سبايسر... وجه عسكري لإعلام البيت الأبيض

وقع اختيار دونالد ترمب، الرئيس الأميركي الـ45، على شون سبايسر ليكون الناطق الرسمي باسمه. وخلال الأسابيع القليلة التي شغل فيها سبايسر هذا المنصب استطاع، كبعض المعاونين الآخرين لترمب، أن يثير جدلاً كبيرًا بأسلوبه الهجومي المباشر غير المألوف في التعامل مع الإعلام الذي يعتبر في الديمقراطيات الغربية «السلطة الرابعة»، بعد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
شون سبايسر، الناطق الجديد باسم البيت الأبيض، أثرى قبل أن يتجاوز الـ45 سنة من عمره، ولهذا التحول قصة سيأتي تبيانها، لكنها لا تنفي انتماء الرجل عائليًا إلى الطبقة المتوسطة. ومع أن الرجل الأربعيني يتسم في أدائه لمهمته بالرزانة والصرامة، فإن تعبيره عن آراء رئيس مثير للجدل كان كافيًا لجذب اهتمام مقدمي برامج السخرية السياسية في القنوات الأميركية.
ولم يكتف هؤلاء بما قدمته الكوميدية الشهيرة ميليسا ماكارثي، في برنامج «ساترداي نايت شو»، من تحويل لمؤتمرات سبايسر وتصريحاته الصحافية إلى مادة خصبة للتقليد والتهكم، بل أسبغ عليه غيرها لقب «بغداد بوب»، وهو الاسم الذي أطلقه الأميركيون حصريًا على محمد سعيد الصحّاف، وزير إعلام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في أثناء الغزو الأميركي للعراق. وإمعانًا في المقارنة بين أول متحدث رسمي باسم ترمب (عند صعوده للرئاسة) وآخر متحدث رسمي باسم صدام (عند سقوطه من الرئاسة)، طالب المتهكمون من سبايسر ارتداء الزي العسكري أسوة بالصحّاف.

ضابط بحرية سابق
والحقيقة أن سبايسر مؤهل بالفعل لارتداء الزي العسكري، إذ إنه ضابط سابق في البحرية الأميركية، وخريج أكاديميتها، المرموقة أكاديميًا، ولا يزال حتى الآن محسوبًا على كتيبة الاحتياط البحرية في العاصمة واشنطن برتبة رائد. ولكن من سوء حظ سبايسر أن القلة التي عرفت خلفيته العسكرية هي ذاتها النشطة في تقديمه بصورة كاريكاتورية مضحكة، استهدافًا لرئيسه قبل أن يكون الغرض هو استهدافه شخصيًا. ولكن ما لم يقله الساخرون عن سبايسر هو أن هذه الخلفية العسكرية لا تعني مطلقًا أن الرجل دخيل على الإعلام، أو جديد على التعامل مع الصحافيين. فهو لم يعرف في حياته، كما سيتبين لاحقًا، في كل المواقع الرسمية التي شغلها، أي مهنة مطلقًا إلا مرتبطة بصورة أو أخرى بمهمة الناطق الصحافي، بما في ذلك الفترة التي أمضاها في البحرية الأميركية ناطقًا باسم قوات الاحتياط البحرية، بصفته مسؤول العلاقات العامة فيها.
كذلك يشمل سجل سبايسر المهني كونه ناطقًا باسم القوات البحرية الأميركية خلال مناورات مشتركة لها في ألمانيا والسويد، إلى جانب إشرافه على التغطية الإعلامية للعمليات البحرية. كما عمل متحدثًا باسم مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش (الابن)، ثم باسم كتلة النواب الجمهوريين في الكونغرس الأميركي. وكان آخر منصب له قبل الانتقال إلى البيت الأبيض منصب الناطق باسم الحزب الجمهوري الأميركي، حيث بزغ نجمه في تمثيل الحزب أثناء الحملة الانتخابية عام 2016. وكثيرًا ما وجه انتقادات للمرشح ترمب، وهاجم بعض آرائه التي لا يتفق معها الحزب الجمهوري.
ومن ثم، عندما اختاره ترمب ليكون الناطق الصحافي باسمه، فإنه وضعه في فوهة المدفع، فبات سبايسر يدافع أحيانًا عن أفكار هو ذاته غير مقتنع بها، وأصبح أكثر من يتعرض للهجوم والسخرية نيابة عن ترمب. باختصار، صار الآن في موقع يجعله بمثابة رأس الحربة في الدفاع عن ترمب، ومن الطبيعي أن يكون من أكثر المستهدفين باللوم والانتقاد.

الأصل والنشأة
سبايسر هو ثاني اثنين في البيت الأبيض ينتميان إلى أصغر ولاية أميركية، وهي ولاية رود آيلاند الواقعة في الجزء الشمالي من الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية. والثاني هو الجنرال مايكل فلين، مستشار البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي، ولكن لا علاقة للجنرال بإيصال سبايسر إلى موقعه الحالي.
ورغم الثراء الذي يتمتع به سبايسر الآن، فإنه ينتمي أصلاً إلى الطبقة المتوسطة، إذ ولد لأسرة متوسطة الحال، آيرلندية الجذور، كاثوليكية المذهب. وكان والده يعمل وكيلاً لشركات التأمين، وتعمل والدته موظفة في أحد أقسام جامعة براون العريقة الراقية في رود آيلاند.
ولد سبايسر عام 1971، في مدينة بارينغتون، بولاية رود آيلاند، وهي أيضًا مسقط رأس والده مايكل ويليام سبايسر، ومقر الإقامة الدائم لوالدته كاثرين غروسمان. ولقد تلقى شون تعليمه الأولي في مدارس الولاية، قبل أن ينتقل لاحقًا إلى مدرسة بورتسموث آبي الكاثوليكية، حيث أكمل مرحلة الثانوية العامة، من عام 1985 إلى عام 1989. ولم يكن في سنواته الدراسية في مرحلة ما قبل الجامعة ما يثير الانتباه، سوى تطوعه للمشاركة في الترويج لبعض المرشحين ذوي الاتجاه المحافظ في سباقات محلية انتخابية.

نقطة الانطلاق الأولى
كانت نقطة التحول الأولى في حياة سبايسر، في رحلة الاتجاه جنوبًا، هي التحاقه بكلية كونكتيكت - وهي جامعة خاصة راقية في ولاية كونكتيكت - في الفترة من 1989 إلى 1993، وحصل فيها على بكالوريوس في العلوم السياسية (الحكومة والإدارة العامة). وأثناء دراسته، حرص على التطوع في حملات بعض المرشحين على نطاق الولاية، ولكن لم يبدأ نظره يتجه نحو الحكومة الفيدرالية إلا بعد تخرجه من الجامعة، حيث عمل بصورة رسمية لدى عضوين جمهوريين من أعضاء الكونغرس الأميركي عن ولاية نيوجيرزي، هما مايك باباس وفرانك لوبيندو.
ومنذ ذلك الحين، وعلى مدى أكثر من عشرين سنة لاحقة، ظل هناك أمران اثنان يجمعان كل ما قام به سبايسر من نشاطات أو أعمال، وهما الحزب الجمهوري والإعلام. بمعنى آخر، لا يوجد في السيرة الذاتية لهذا الشاب السياسي ما يخلو من الطابع الإعلامي لنشاطه، أو من العلاقة بالحزب الجمهوري، وفي غالب الأحوال يكون الأمران مجتمعين، يتنفسهما سبايسر معًا؛ الحزب الجمهوري في الشهيق والإعلام في الزفير.

الحياة العسكرية
قبل أن يودع سبايسر القرن العشرين، قرر فجأة الاستعداد لاستحقاقات القرن الحادي والعشرين، عن طريق مواصلة الدراسات العليا. ولكن كيف له أن يتحمل تكاليف دراسة الماجستير وهو مثقل بديون البكالوريوس. وفوق هذا وذاك، يبدو أنه أمضى ردحًا من الزمن في البحث عن وظيفة حكومية هنا أو هناك تتناسب مع مؤهله وخبرته القصيرة، فوجد أن أكثر سؤال يتكرر في جميع استمارات الوظائف الحكومية هو: هل سبق لك أن خدمت في القوات المسلحة الأميركية؟ ولا بد أنه تعلم أن هذا السؤال له ما بعده، وأن من له سجل في العسكرية يتمتع بالأولوية في أكثر الحالات، علاوة على أن الالتحاق بالمؤسسة العسكرية سيسهل له مواصلة دراساته العليا على نفقة الجهة العسكرية التي سينتسب إليها.
وعام 1999، انضم سبايسر إلى احتياطي البحرية الأميركية ضابط علاقات عامة في كتيبة احتياط بموجب خبرته كناطق صحافي باسم أكثر من عضو في الكونغرس الأميركي. ولقد كان محقًا عندما اختار هذا التحوّل في حياته، إذ إنه أمضى في البحرية الأميركية نحو 17 سنة، ولم يعقه ذلك عن تحقيق إنجازات أخرى في الحياة المدنية، إلى جانب الخدمة الموسمية في قوات الاحتياط البحرية.
فمن عام 2000 إلى عام 2002، عمل سبايسر مديرًا للاتصالات وناطقًا باسم لجنة الإصلاح الحكومي في مجلس النواب. وبين 2003 و2005، عمل مديرًا للاتصالات وناطقًا باسم لجنة الميزانية في مجلس النواب، وكذلك ناطقًا باسم كتلة الحزب الجمهوري في مجلس النواب الأميركي. وبين 2006 و2009، شغل منصب مساعد الممثل التجاري للولايات المتحدة لشؤون الإعلام والعلاقات العامة في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش.

صنع الثروة
أسس سبايسر عام 2009 (حتى 2011)، مع شريكين آخرين، شركة «المسار» للاستراتيجيات الدولية، وهي شركة العلاقات العامة التي جمع منها ثروة تقدر بتسعة ملايين دولار، من تمثيل الشركة لمصالح حكومات أجنبية وشركات أجنبية بالولايات المتحدة؛ بمعنى آخر: «جماعة ضغط». ومن بين من مثلتهم الشركة حكومة كولومبيا التي كانت تسعى لتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، على نمط الاتفاقية التي ظل يهاجمها ترمب طوال حملته الانتخابية للرئاسة، وهي اتفاقية «نافتا»، بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.

إلى البيت الأبيض
وفي فبراير (شباط) 2011، أصبح سبايسر مديرًا لاتصالات الحزب الجمهوري، ويحسب له في هذه المرحلة نجاحه في توسيع أنشطة الحزب المتعلقة بالإعلام البديل، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وبناء وحدة داخلية خاصة بالحزب للإنتاج التلفزيوني، مؤلفة من فريق مؤهل للرد السريع على الهجمات الإعلامية التي تعرض لها الحزب. ويبدو أنه استفاد في هذا الجانب من خبرات زوجته التي تعرف عليها عام 2004، وهي منتجة تلفزيونية، وإن كانت لاحقًا قد تحولت إلى الأعمال التجارية، وامتلكت شركة لتوزيع المشروبات الروحية، وهي تجارة مربحة في الولايات المتحدة.
ولعل أهم الإنجازات الشخصية التي حققها سبايسر، مستفيدًا من انتسابه لسلاح البحرية، هو أهم ما كان يطمح إليه من مواصلة الدراسات العليا، وإن كان ذلك قد استغرق بعض الوقت. ففي عام 2012، حصل على درجة الماجستير في الدراسات الأمنية والاستراتيجية من كلية الحرب البحرية في نيوبورت، رود آيلاند، مع بقائه ناطقًا باسم الحزب الجمهوري ومديرًا لاتصالات الحزب. وفي فبراير 2015، أضيفت إلى مسؤولياته مهمة إضافية، هي كبير راسمي استراتيجية الحزب الانتخابية.

خلاف مع ترمب
في إحدى المقابلات التلفزيونية، شبه سبايسر عمله مع ترمب بعمل محامٍ يدافع عن متهم لمجرد أن المحاماة حرفته، ملمحًا إلى أنه لا يتفق بالضرورة مع كل آراء الرئيس الجديد، لكنه مضطر للدفاع عنها لأن هذا هو عمله. وما يدل على صدقه حقًا أنه عندما كان ناطقًا باسم الحزب الجمهوري، لم يكن يتردد في انتقاد ترمب المرشح، كلما تفوه الأخير بتصريحات مثيرة للجدل، لا سيما قبل فوزه بترشيح الحزب لمواجهة هيلاري كلينتون. وكان أول انتقاد من سبايسر لترمب هو الذي وجهه إليه في اليوم الأول لإعلانه ترشحه للرئاسة في يونيو (حزيران) 2015، بعدما قال ترمب إن المهاجرين المكسيكيين ينقلون الجرائم والمخدرات إلى الولايات المتحدة. يومها، علّق سبايسر قائلاً إن «مثل هذا التعميم ضد الأميركيين من أصل مكسيكي غير مقبول، ولا يخدم القضية».
وبعد أقل من شهر، وجه سبايسر انتقادًا ثانيًا لترمب، عندما هاجم الأخير السيناتور الجمهوري البارز جون ماكين، قائلاً: «لا مكان في حزبنا، أو بلدنا، للحط من قدر أولئك الذين خدموا بشرف». وكان ترمب قد نفى عن ماكين أن يكون بطلاً لمجرد أنه حارب في فيتنام، بحجة أن الحروب الخارجية «اعتداءات لا تمثل بطولة».
ولكن عندما أصبح سبايسر ناطقًا باسم ترمب في البيت الأبيض، قال ترمب كلامًا مشابهًا، بل أكثر خطورة، في أثناء مقابلة مع بيل أورايلي، مقدم البرامج الشهير بمحطة فوكس نيوز، الذي سأل ترمب عن سر دفاعه عن «قاتل»، هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فرد: «كلنا قتلة... هل تظن أننا أبرياء من دماء الناس في العالم؟ الكل يقتل، ونحن خضنا حروبًا، وقتلنا أعدادًا هائلة من البشر».
وعلى الأثر، تعرض سيد البيت الأبيض الجديد لانتقادات واسعة لتعريضه ببلده بهذه الصورة. ورغم كثرة منتقديه، لم يكن شون سبايسر بينهم هذه المرة، بل تصدى للدفاع عن رئيسه، بلا قناعة على ما يبدو.



ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.