«الهيئة العليا» تناقش في الرياض تشكيل وفدها إلى جنيف

تأكيد على أن المشاركة في المفاوضات ستكون وفق القرار 2254

صبيان سوريان في أحدى عربات قطار في مدينة حلب (رويترز)
صبيان سوريان في أحدى عربات قطار في مدينة حلب (رويترز)
TT

«الهيئة العليا» تناقش في الرياض تشكيل وفدها إلى جنيف

صبيان سوريان في أحدى عربات قطار في مدينة حلب (رويترز)
صبيان سوريان في أحدى عربات قطار في مدينة حلب (رويترز)

بدأت «الهيئة السورية العليا للمفاوضات» يوم أمس اجتماعاتها في العاصمة السعودية الرياض، التي من المتوقع أن تستغرق يومين، ليعلن بعدها عن وفد ممثليها إلى مؤتمر جنيف الذي من المتوقع أن يعقد في العشرين من الشهر الحالي.
وفي حين كانت نتائج اجتماع أعضاء «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف حاضرة على طاولة اجتماعات السعودية، يبدو أن التباين في وجهات النظر التي سبق أن ظهر في مواقف المعارضة السياسية والعسكرية لا يزال مستمرًا.
ويوم أمس أعلن «فيلق الشام» أحد فصائل الجيش السوري الحر، وقف نشاطاته المتعلقة بمفاوضات آستانة وجنيف، مشترطًا تثبيت وقف إطلاق النار قبل بدء أي مفاوضات جديدة.
وفي المقابل، وضع زكريا ملاحفجي، رئيس المكتب السياسي في تجمع «فاستقم كما أمرت»، موقف «الفيلق» ضمن خانة ردّة الفعل على هجوم شنه على أحد مراكزه كل من «جند الأقصى» و«هيئة تحرير الشام» في محافظة حماه، مؤكدًا أن ممثليه ما زالوا يشاركون في كل النقاشات التي حصلت وتلك التي بدأت أمس في الرياض. وأكد المكتب الإعلامي لـ«الفيلق»، أنه أوقف مشاركته حتى يتحقق الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، الذي سبق توقيعه بين وفد «قوى الثورة العسكرية» وروسيا، بصفتها ضامنًا عن النظام السوري في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016. كذلك اشترط «الفيلق» وقف الهجمات على حي الوعر بمدينة حمص.
في هذه الأثناء، أشار هشام مروة، عضو «الائتلاف»، إلى أن اجتماعات الرياض بدأت أمس، وقد تستمر يومين أو 3 أيام، مشيرًا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن هناك توافقًا بين مختلف أطراف المعارضة على الخروج بوفد يرضي الجميع»، معتبرًا أنه «من المبكر لأوانه الحديث عن نتائج المباحثات».
وبعدما كانت مصادر في «الائتلاف» قد أبلغت «الشرق الأوسط» بالتوجّه نحو تعيين شخصية غير عسكرية على رأس وفد «الهيئة العليا»، من المتوقع أن تطالب الفصائل المسلحة بزيادة عدد ممثليها إلى 8 أو 9 من أصل 15، وهو الأمر الذي قد ينتج عنه خلافات بين الطرفين، العسكري والسياسي، بحسب ما لفتت مصادر في «الائتلاف» تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، وقالت: «إذا أصرت الفصائل على مطلبها قد ندخل في دوامة جديدة تؤدي إلى تمديد مباحثات الرياض وتنعكس سلبًا على المعارضة التي تتعرض بدورها لضغوط من أطراف عدة».
من جهته، قال نصر الحريري، عضو الهيئة السياسية لـ«الائتلاف»، إن الاجتماع الموسع الذي تعقده المعارضة في الرياض يركز على مناقشة الاستعدادات لمفاوضات جنيف المقررة في 20 الشهر الحالي، وتشكيل وفد موحّد يمثل المعارضة في تلك المفاوضات. وأوضح الحريري لـ«وكالة الأناضول» التركية أن اجتماع الرياض يحضره ممثلون عن الفصائل المسلحة و«الائتلاف»، إضافة لـ«الهيئة العليا للمفاوضات».
وأشار عضو الهيئة السياسية إلى أن المعارضة ستشارك في مفاوضات جنيف وفق القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن في 2015، الذي يتحدث عن تطبيق بيان جنيف1، ويتضمن برنامجًا زمنيًا للمرحلة الانتقالية ابتداءً من الانتقال السياسي فصياغة دستور وصولاً إلى الانتخابات.
وكشف عن وجود محاولات من الدول الداعمة لنظام الأسد (لم يسمّها) لحذف أو استئصال موضوع الانتقال السياسي والاقتصار على الدستور والانتخابات، وهذا «يلغي جوهر القرار الدولي وجوهر العملية السياسية»، وفق قوله.
أيضًا اعتبر الحريري أن الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف «تختلف عن الجولات الماضية لأن روسيا تنخرط لأول مرة بشكل مباشر في العملية السياسية». وأردف موضحًا: «روسيا لا تلعب دور الضامن فقط وإنما المفاوض أيضًا، والفصائل لم تتفاوض مع النظام في آستانة وإنما مع روسيا»، ثم أشار إلى أن من الأمور التي ستجعل الجولة الجديدة مختلفة «انخراط تركيا أيضًا فيها بشكل مباشر، وهي تعتبر من الدول الهامة في دعم الثورة السورية».
في المقابل، أعرب الحريري عن أسفه الشديد لعدم تطبيق الاتفاقات الممهدة للمفاوضات، والمتمثلة بوقف إطلاق النار والتفاهمات التي تمت على بعض الإجراءات الإنسانية، والتي رأى فيها أنها تؤمن بيئة ومناخًا ملائمًا لإطلاق العملية السياسية، وليست شروطًا مسبقة. وقال: «إذا لم تتحقق تلك الاتفاقات والتفاهمات فإننا سنذهب لمفاوضات عبثية»، واستطرد شارحًا أن عملية الحل في سوريا تتألف من عدة نقاط، أولها وأسهلها - وفق رأيه وقف إطلاق النار والقضايا الإنسانية، بينما أصعبها العملية السياسية. وبالتالي «إذا فشلت روسيا وداعمو النظام في تحقيق وضمان الأمور الأسهل فهذا يعطي نظرة عامة لما سينتج عن جنيف بخصوص الانتقال السياسي».
كذلك أشار نصر الحريري إلى أن الجميع ينتظر نتائج الاجتماع الذي عقد أخيرًا على مستوى الخبراء في العاصمة الكازاخية آستانة بين تركيا وروسيا وإيران، والذي هدف لترسيم وتحديد أطر اتفاق وقف إطلاق النار الذي أقر في أنقرة ودخل حيز التنفيذ في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
واعتبر أنه إذا ما تم الاتفاق في آستانة على آليات حقيقية، وفق ما قدمته المعارضة، والشروع بشكل جاد وفعال ببعض الإجراءات الإنسانية، عندها «لن يكون موضوع الذهاب إلى جنيف مقبولاً فحسب، بل سيكون هناك أيضًا أمل لكل السوريين والأطراف الفاعلة في الملف السوري بأننا سنذهب لعملية جدية، قد توصل هذه المرة إلى حل».
وبيّن الحريري وجود محاولات من الدول التي تدعم نظام الأسد، وروسيا على وجه التحديد، لتشتيت المعارضة وإنشاء منصات متعددة للتمثيل والتفاوض وادعاء أن تلك المنصات تمثل الشعب السوري لإيصال رسالة إلى العالم أن المعارضة مشتتة، بينها محاولة إدخال «الاتحاد الديمقراطي الكردي» و«مجموعة حميميم» ضمن الوفد.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.