ثمة لحظة لا تزال محفورة حتى الآن في ذهن النجم الإنجليزي فرانك لامبارد وجميع عشاق ومحبي نادي تشيلسي، ولا سيما أولئك الذين كانوا في ملعب المباراة، وهي اللحظة التي تسلم فيها لامبارد الكرة ثم راوغ أحد لاعبي نادي بولتون واندررز قبل أن يطلق قذيفة في المرمى ويحرز هدفًا من أغلى الأهداف في تاريخه وتاريخ النادي بأكمله، وكان ذلك بالتحديد في 30 أبريل (نيسان) 2005.
دخل تشيلسي تلك المباراة، وهو في حاجة إلى الفوز والحصول على النقاط الثلاث من أجل الحصول على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز للمرة الأولى في تاريخ النادي منذ عام 1955، وزادت أهمية تلك المباراة لأنها كانت في الذكرى المئوية لتأسيس النادي الإنجليزي العريق. ولم يخيب لامبارد آمال وطموحات عشاق تشيلسي وأحرز هدفًا أشعل المدرجات، ليحتفل لاعبو تشيلسي الأساسيون والبدلاء بطريقة مجنونة ويقفزوا جميعًا فوق لامبارد. لم يتوقف أسطورة تشيلسي عند هذا الحد، لكنه أحرز الهدف الثاني الذي أنهى المباراة تمامًا وضمن فوز فريقه بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز.
وواصل لامبارد تألقه وقاد تشيلسي للحصول على كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة في شهر فبراير (شباط) من العام نفسه، قبل أن يقود النادي إلى منصات التتويج في 11 بطولة دافع خلالها عن قميص «البلوز» منذ قدومه من نادي وستهام يونايتد عام 2001. لكن اللحظة الأبرز في مسيرته بعالم الساحرة المستديرة كانت الحصول على لقب دوري أبطال أوروبا عام 2012 بعد الفوز على نادي بايرن ميونيخ الألماني بركلات الترجيح. وكان لامبارد هو من يحمل شارة قيادة تشيلسي في تلك المباراة، نتيجة غياب جون تيري عن اللقاء بسبب الإيقاف. والآن، وضع لامبارد حدًا لمسيرته الكروية، وهو في الثامنة والثلاثين من عمره، بعد 21 عامًا من التألق في عالم كرة القدم، حصل خلالها على لقب الدوري الإنجليزي 3 مرات، وكأس الاتحاد الإنجليزي 4 مرات، وكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة مرتين، ودوري أبطال أوروبا مرة واحدة، والدوري الأوروبي مرة واحدة. وبعبارة أخرى، لقد حصل لامبارد على كل شيء مع تشيلسي.
وعلى المستوى الدولي، قدم لامبارد أداءً رائعًا في كأس الأمم الأوروبية 2004 وسجل 3 أهداف أسهمت في وصول المنتخب الإنجليزي إلى دور الثمانية، لكن مشاركته اللاحقة في بطولات كأس العالم أعوام 2006 و2010 و2014 كانت مخيبة للآمال. فقد أضاع لامبارد ركلة جزاء في مباراة دور الثمانية أمام البرتغال في كأس العالم 2006، وبعد ذلك بـ4 سنوات أحرز هدفًا رائعًا في شباك المنتخب الألماني في دور الـ16 لكأس العالم 2010 وتجاوزت الكرة خط المرمى، لكن حكم اللقاء لم يحتسبها هدفًا. ولو احتسب هذا الهدف كانت النتيجة ستصبح التعادل بهدفين لكل فريق، لكن المباراة انتهت بخسارة منتخب إنجلترا أمام الماكينات الألمانية بـ4 أهداف مقابل هدف وحيد.
شارك لامبارد في 106 مباريات مع المنتخب الإنجليزي سجل خلالها 29 هدفًا، لكن مسيرته مع منتخب بلاده لم ترتقِ للمستوى الذي يتناسب مع لاعب بهذا الحجم، خصوصًا أنه كان يلعب في وسط الملعب مع لاعب آخر من العيار الثقيل، وهو ستيفن جيرارد. ومع ذلك، يعد لامبارد أحد أعظم اللاعبين في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز، وهي المكانة التي وصل إليها بفضل التزامه الشديد وقوته الذهنية ورغبته الدائمة في إثبات قدراته وإمكانياته.
يقول توني كار، المدير السابق لأكاديمية وستهام للناشئين الذي أشرف على لامبارد عندما كان صغيرًا: «عندما كان لامبارد صغيرًا، أتذكر أن كثيرين كانوا يقولون (ما كل هذه الضجة المثارة حوله؟ إنه لاعب جيد، لكنه ليس بالصورة التي يتحدثون بها عنه). لم يلعب لامبارد مطلقًا في مسابقات تلاميذ المدارس بإنجلترا، وأتذكر أن المدير الفني لنادي وستهام هاري ريدناب قد سألني ذات مرة عن سبب عدم لعب لامبارد مع منتخب إنجلترا للشباب عندما كان لاعبًا صغيرًا بالنادي». ويضيف كار: «اتصل هاري بالمدير الفني للمنتخب الإنجليزي آنذاك ديف بيرنسيد، الذي قال: (نعرفه، لكن لدينا من هم أفضل منه). وفي الحقيقة، كان ذلك بمثابة حافز كبير للامبارد، الذي تفانى في عمله وحاول بكل قوة أن يطور من أدائه. إنه لاعب محترف بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولا يمكنني سوى التعبير عن إعجابي الشديد به».
وانهالت عبارات الثناء والمديح على لامبارد عقب إعلانه اعتزال كرة القدم، لكن الإشادة الأبرز جاءت من زميله لفترة طويلة في تشيلسي جون تيري، الذي وصفه بأنه رجل نبيل وقائد. وأشار تيري أيضًا إلى العمل الدؤوب الذي كان يقوم به لامبارد، قائلاً: «لقد كنت بمثابة المدرب والملهم لي ولكل لاعب في النادي. كنت تبقى في النادي بعد انتهاء التدريبات لكي تقوم بتدريبات إضافية لتطوير مهارتك في إنهاء الهجمات، ولم تكن ترضى بإحراز 20 هدفًا في الموسم، ولكنك كنت تسعى لإحراز 25 و30 هدفًا. أنا أفتقد رؤيتك في النادي وأنت تركض بعد انتهاء التدريبات، في مثل رائع يحتذي به كل اللاعبين الصغار في النادي».
وأضاف زميله السابق في تشيلسي وصديقه تيري، أن لامبارد «هو أعظم لاعب في تاريخ نادينا العظيم»، مضيفًا: «لن أنسى أبدًا كل الذكريات الجميلة معًا عبر الفوز بلقب تلو الآخر». وتوجه تيري عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي إلى لامبارد بالقول: «لقد فزت بكل شيء ويجب أن تكون فخورًا للغاية. كان شرفًا ومدعاة سرور أن ألعب وأتشارك كل هذه اللحظات معك». أما مدافع ليفربول السابق جايمي كاراغر فقال عنه: «بعد كل هذه المبارزات مع تشيلسي واعتزال فرانك لامبارد، بات يمكنني أن أقر بمدى الاحترام الذي أكنه له، و(أقول) إنه كان لاعبًا عظيمًا».
في الحقيقة، يعد لامبارد مرادفًا للقوة والاستمرارية، إذ شارك في 609 مباريات في الدوري الإنجليزي الممتاز، ولم يتفوق عليه من حيث عدد المشاركة في المباريات سوى لاعبين فقط؛ هما ريان غيغز وغاريث باري. لكن لامبارد يحتفظ برقم قياسي آخر وهو المشاركة في 164 مباراة متتالية في الدوري الإنجليزي الممتاز. كان لامبارد بارعًا وذكيًا للغاية في قراءة المباريات، وكيف لا يمكنه القيام بذلك وهو أحد الحاصلين على أعلى الدرجات في جمعية منسا الدولية في بريطانيا التي تضم الأفراد ذوي نسبة الذكاء المرتفعة. وعلاوة على ذلك، لا تكفي الكلمات للإشادة بقدرات لامبارد الخارقة في التمريرات القصيرة والطولية على حد سواء. صحيح أن لامبارد قد اعتزل كرة القدم، لكنه ترك لنا عددًا كبيرًا من الأهداف والمهارات والسرعة والقوة البدنية التي تجعلنا نتذكره دائمًا كأحد أفضل اللاعبين في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز. يقول لامبارد إن هدفيه في مرمى بولتون واندررز، وهدفه في مرمى أستون فيلا عام 2013 الذي جعله الهداف التاريخي لتشيلسي على مر العصور متفوقًا على بوبي تامبلينغ، هي أفضل أهدافه على الإطلاق.
وبعد إحراز 211 هدفًا في 649 مباراة بقميص تشيلسي، رحل لامبارد عن «ستامفورد بريدج» لينهي مسيرته الكروية في مانشستر سيتي ونيويورك سيتي. أحرز لامبارد 177 هدفًا في الدوري الإنجليزي الممتاز، ولا يتفوق عليه سوى آلان شيرار وواين روني وأندي كول، وجميعهم مهاجمون بالتأكيد، لكن لامبارد أحرز هذا العدد الكبير من الأهداف وهو يلعب في وسط الملعب.
لقد وصف تيري وتامبلينغ لامبارد بأنه أفضل لاعب في تاريخ تشيلسي، بفضل الإنجازات والألقاب التي حققها والتي تجعلنا جميعًا نتوقف أمامها كثيرًا. وبغض النظر عن المجال الذي سيسلكه لامبارد بعد الاعتزال، وإن كان التدريب هو الأقرب، فإن الشيء المؤكد هو أن أسطورة تشيلسي وكرة القدم الإنجليزية سوف يبذل أقصى ما في وسعه لتحقيق النجاح نفسه الذي حققه داخل المستطيل الأخضر.
من جهته، قال لامبارد: «بالطبع، الجزء الأكبر من قلبي ينتمي إلى تشيلسي، وهو نادٍ قدم إلي كثيرًا من الذكريات العظيمة». وتابع: «لن أنسى أبدًا الفرصة التي منحوني إياها والنجاح الذي تمكنا من تحقيقه معًا. من المستحيل أن أوجه الشكر بشكل فردي إلى كل الناس الذين ساعدوني ودعموني خلال 13 عامًا من اللعب هناك».
لامبارد... أسطورة تشيلسي وكرة القدم الإنجليزية
وضع حدًا لمسيرته الكروية بعد 21 عامًا من التألق في عالم «الساحرة المستديرة»
لامبارد... أسطورة تشيلسي وكرة القدم الإنجليزية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة