المقاومة تصد هجومًا للميليشيات على لودر... و«القاعدة» يحاصر المدينة

تنسيق ملحوظ بين الانقلابيين والتنظيم الإرهابي

مقاتلان مؤيدان لقوات الرئيس اليمني على مدخل أبين قبيل معارك مع تنظيم {القاعدة} (أ.ف.ب)
مقاتلان مؤيدان لقوات الرئيس اليمني على مدخل أبين قبيل معارك مع تنظيم {القاعدة} (أ.ف.ب)
TT

المقاومة تصد هجومًا للميليشيات على لودر... و«القاعدة» يحاصر المدينة

مقاتلان مؤيدان لقوات الرئيس اليمني على مدخل أبين قبيل معارك مع تنظيم {القاعدة} (أ.ف.ب)
مقاتلان مؤيدان لقوات الرئيس اليمني على مدخل أبين قبيل معارك مع تنظيم {القاعدة} (أ.ف.ب)

عادت مدينة لودر إلى واجهة الأحداث في جنوب اليمن، بعد يومين فقط من طرد سكانها ومقاومتها الشعبية لعناصر تنظيم القاعدة إلى خارج البلد. فقد هاجمت ميليشيات الحوثي وصالح، أمس، مواقع المقاومة وقوات الجيش، وحاولت التقدم صوب المدينة من الجهة الشمالية، وتحديدا من جهة جبل ثرة الذي تتمركز فيه الميليشيات. وبحسب شهود عيان ومصادر محلية لـ«الشرق الأوسط»، فقد صدت المقاومة محاولة التقدم التي بدأت بالتسلل من قمة الجبل نحو أسفله، ثم محاولة التقدم إلى أطراف المدينة، غير أن المدفعية، بحسب المصادر، قد أجبرت الميليشيات على التراجع إلى مواقعها، بعد أن خسرت الميليشيات عددا من أفرادها وعتادها في القصف المدفعي.
وتزامن هجوم الميليشيات على لودر من الجهة الشمالية، مع محاولة لعناصر «القاعدة» لإلهاء المقاومة في الجهة الجنوبية، عبر اشتباكات محدودة، إضافة إلى وضع مسلحي التنظيم نقاط تفتيش ومتاريس، منعت بواسطتها مرور العشرات من مقاتلي المقاومة، الذين كانوا يرغبون في الالتحاق بجبهة ثرة، لصد محاولات الميليشيات التقدم.
وكانت عناصر المقاومة المحلية والمواطنون، قد تمكنوا، قبل أيام، من طرد مسلحي «القاعدة» من المدينة بأسلحتهم الشخصية. ويعتبر مراقبون أن وجود الميليشيات في محافظة البيضاء المجاورة، يمثل خطرا مستمرا على مدينة لودر، البوابة الشمالية لأبين.
ويسود اعتقاد، على نطاق واسع، في جنوب اليمن، بأن التطورات المتعلقة بالعمليات الإرهابية في محافظة أبين، ترتبط بشكل جذري وكبير بميليشيات الحوثي المرابطة في محافظة البيضاء المجاورة، خاصة بعد اتفاق «القاعدة» والميليشيات على إسقاط مدينة لودر.
ويقول مراقبون، إن محاولة «القاعدة» السيطرة مجددا على لودر، تأتي في إطار مساعيه للسيطرة على جميع مدن محافظة أبين، والتي طرد منها مطلع العام الماضي، في عملية عسكرية لقوات الجيش الوطني، بدعم من قبل قوات التحالف. واعتبر العميد متقاعد، مساعد الحريري أن اندلاع المعارك (أمس) في عقبة ثرة بين المقاومة، من جهة، وميليشيات الانقلابيين، من جهة أخرى، يأتي «في وقت متزامن ومتناسق بين (القاعدة) والانقلابيين، في محاولة من (القاعدة) لإعادة السيطرة على بعض مدن المحافظة، والتي لم يقبلها السكان. وتمت مواجهة (القاعدة) من قبل أبناء مديرية لودر قبل أيام». ويضيف أن تحرك الميليشيات نحو لودر «يجري بتنسيق كامل بين (القاعدة) والميليشيات».
ويقول العميد الحريري لـ«الشرق الأوسط»، إن «من المعروف أن قيادات (القاعدة) في اليمن هم قاسم الريمي، الذي يحمل رتبة عميد في الحرس الجمهوري التابع لنجل الرئيس المخلوع صالح، وكذا الآنسي وخالد النظاري، جميعهم من القيادات في الحرس الجمهوري سابقا، والذي يدين بالولاء للمخلوع صالح ويأتمر بأمره، وهم أنفسهم قيادات ما يسمى (القاعدة) في اليمن، ونعلم جيدا أن بعض هؤلاء كانوا من (الجهاديين) الذي سافروا إلى أفغانستان، والبعض الآخر كان في الداخل، وتم تدريبهم على تنفيذ الأدوار واللعب في تنفيذ سياسة الرئيس السابق، التي تهدف إلى ابتزاز الدول التي في مجال محاربة الإرهاب، وكان يستخدمهم فزاعة وقتما يريد جلب المكاسب والدعم من أميركا وأوروبا، وكذا الدول الإقليمية بحجة مكافحة الإرهاب».
ويشير الخبير العسكري المتقاعد، إلى أن وجه «القاعدة» وبقية التنظيمات التي تدعي أنها إسلامية «بات مكشوفا من خلال التنسيق الجاري بينها وبين الميليشيات، وأيضا من خلال عدم تصديها للميليشيات، رغم الخلافات المذهبية والعقائدية الجوهرية المعروفة بين الطرفين».
وترددت، أمس، أنباء عن تنفيذ التنظيم المتشدد عددا من عمليات الإعدام في بعض المناطق، على غرار العمليات التي قام بها «القاعدة» عام 2011، في وقت ذكرت مصادر محلية أن المنطقة العسكرية الرابعة (مقرها عدن) سترسل تعزيزات عسكرية إلى محافظة أبين، لتعزيز المقاومة وقوات الجيش الوطني التي تخوض مواجهة مزدوجة.
ويعود وجود «القاعدة» في محافظة أبين اليمنية (شرق عدن)، إلى مطلع عقد تسعينات القرن الماضي، عندما تحولت جبال المراقشة، في هذه المحافظة، إلى مركز رئيسي لتجمع العناصر العائدة من أفغانستان حينها. وقد بدأ التنظيم أولى العمليات باستهداف جنود أميركيين في أثناء عودتهم من الصومال في أحد فنادق مدينة عدن الشهيرة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم