جدل العلاقة بين الحالة الفكرية و«الصحوة» الأصولية

قراءة من تجارب الماضي والحاضر

عنصر من التنظيم الإرهابي يقف على أنقاض منزل دمرته غارات طائرات التحالف في الرقة الشهر الماضي (أ.ف.ب)
عنصر من التنظيم الإرهابي يقف على أنقاض منزل دمرته غارات طائرات التحالف في الرقة الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

جدل العلاقة بين الحالة الفكرية و«الصحوة» الأصولية

عنصر من التنظيم الإرهابي يقف على أنقاض منزل دمرته غارات طائرات التحالف في الرقة الشهر الماضي (أ.ف.ب)
عنصر من التنظيم الإرهابي يقف على أنقاض منزل دمرته غارات طائرات التحالف في الرقة الشهر الماضي (أ.ف.ب)

يظل ضروريًا في اللحظة الإقليمية والعالمية الراهنة، التي لا تبرز إلا التطرف وسخونة وحسم التشدد شرقا وغربا، دور المثقف الإنساني والمعرفي كمصدر للمعنى والقيم. يظل ضروريا ينبغي العودة إليه، دورا ورسالة بشكل كبير، ليس فقط لتنوير العالم ولا لتغييره بل للمحافظة على بقاء قيمه الإنسانية ومواجهة الأصوليات الصاعدة الجديدة بعد فشل الآيديولوجيات. رغم كثرة المؤسسات والمنابر الصانعة للوعي والمعلومة، تعاني الحالة الفكرية العربية، بتشكلاتها المختلفة، الأكاديمية والإبداعية والنظرية، حالة من السيولة والتشظي لا يخفيها ضعف الاتصال والتفاعل والتأثير العام، أو ينبه إليها غياب استراتيجيات السياسات الثقافية الناظمة والمنظمة لها.
كان ولا يزال إلحاح البعض، من آن لآخر، على ضرورة إنتاج مشروع فكري عربي وإسلامي، لمواجهة أفكار التطرف وحركاته، ضروريا وشرعيا إلى حد كبير، من أجل ضبط السيولة ومواجهة التحديات ونظم لحن للخروج من الأزمات العالقة والمستمرة.
وتزداد شرعية هذا الطرح في واقعنا الراهن، خاصة أمام تحدي «الصحوة» الأصولية، عند استكشاف العلاقة بين الحالة الثقافية ودور المثقف من جهة، وانتشار أفكار التطرف من جهة أخرى.
وهنا يمكن تحديد أربع قواعد تضبط هذه العلاقة بين حالة الوعي العام أو وجود مشروع فكري من عدمه، وبين صعود أو تراجع أفكار التطرف، هي كما يلي:
أولا: متى تتراجع الأصوليات؟
ثبت تراجع الحركات الأصولية والمتطرفة في فترات صعود مشاريع قوية بديلة، سواء في ذلك مشروع النهضة والإصلاح في نهايات القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، فقد تراجعت القوى التقليدية والماضوية بدرجة كبيرة أمام جهود مدرسة الإصلاحية الإسلامية التي مثلها السيد جمال الدين الأفغاني (توفي سنة 1897 ميلادية) والإمام محمد عبده (توفي سنة 1905 ميلادية) وعبد الرحمن الكواكبي (توفي سنة 1902) وغيرهم وهي مدرسة واسعة، كما ضمت في صفوفها اتجاهات متعددة ومختلفة، ضمت «عقلانيين» و«حريين» أمثال أديب إسحاق، و«داروينيين» كالدكتور شبلي الشميّل، كما ضمت أمثال الليبرالي لطفي السيد وولي الدين يكن وعلي الغاياتي ومصطفى وعلي عبد الرازق وقاسم أمين... كما ضمت رفيق العظم وأحمد حافظ عوض، ولم يكن السيد محمد رشيد رضا وريثها الوحيد أو الأبرز خاصة في مرحلة تحوله - بعد سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924 - داعية وممهدا لتنظيمات استعادة هذه الخلافة، رغم أنه كان ينتقدها قبل ذلك، ويسفه أستاذه الإمام محمد عبده رحمهما الله.
ولقد تعرض محمد عبده لمحاولات اغتيال وتصفية أحيانا، وهوجم أستاذه جمال الدين الأفغاني الذي ألف أحد التقليديين من الأزهر رسالة ضده بعنوان «تحذير الأمم من كلب العجم» وحمل عليه الحملات كلها معاصره ومجايله المقرب من العثمانيين أبو الهدى الصيادي حينها، كذلك تعرض الكواكبي وعلي عبد الرازق وغيرهما لمثل ذلك، ولكن على الرغم من ذلك برزت أفكار هؤلاء بل ما دعوا له من أفكار حداثية، كحقوق المرأة والدستورية والمواطنة، والاستقلال عن الترك، ومؤسسات تحديثية كالبرلمان والجامعة والصحافة وتنشيط الترجمة وإعادة اكتشاف التراث وإحياء تاريخيته. (كان محمد عبده أول من أوصى ودعا لنشر مقدمة ابن خلدون الشهيرة في الأزهر، كما دعا وشجع على إحياء كثير من كتب التراث المهملة خلف المتون، وأشرف بنفسه على إصدار بعضها). بل وتمكنوا من أمثال الشيخ عليش وبعده محمد شاكر وغيرهما من التقليديين عن سدة المشهد بشكل واضح حينها.
وهكذا، لم تكن فقط لحظة الأنوار الغربية التي استطاعت أن تخرج أوروبا من العصور الوسطى للتاريخ الحديث وعصور الحداثة. بل على طريقتها وطريقها، استلهمت وأسست جهود الاستنارة العربية - كما كانت تسمى قبل ستينات القرن الماضي - في مصر وسائر الحواضر العربية، آثارا مهمة في مختلف المجالات، وهدمت كثيرًا من العوائق الثقافية والتقليدية في الوعي والفكر الاجتماعي والثقافي.
ثانيا: أهمية السياسات الثقافية البديلة.
تراجعت الأصولية، أفكارا ومشروعا وتنظيمات، حين وجد مشروع بديل، يمتلك سياسات ثقافية تمكن لمقولاته. وهو ما حدث في لحظات معينة كالبورقيبية في تونس، وعلى نقيضها حدث كذلك مع أطروحات الناصرية في مصر، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه، في الخمسينات أو الستينات من القرن الماضي.
وليس مهما أن نذكّر بانحسار جماعة الإخوان المسلمين في مصر في عهد عبد الناصر الذي لم يتردد في إصدار قرار بإعدام سيد قطب سنة 1966 ميلادية رغم رجاءات كثير من الدول والنخب في المنطقة. ولم يتأثر نظامه بهذا القرار ولا شرعيته داخليا رغم ذلك، وهو ما قد يصح تفسيره بوجود مشروع شامل. وهذا المشروع وإن اختلفنا معه علينا أن نقر بأنه أجاد توظيف وسائطه الفكرية والإعلامية والفنية - من أم كلثوم إلى عبد الحليم حافظ إلى صلاح جاهين وغيرهم كثيرون - ووضع سياسة ثقافية سطرها وزيره المثقف الراحل الدكتور ثروت عكاشة في كتاب أصدره في ستينات القرن الماضي بعنوان «السياسة الثقافية في مصر» وظف فيه فنونا كالمسرح والسينما. وكذلك أنشأ هيئات كالثقافة الجماهيرية وقصور الثقافة ونشط فيه مجال النشر الرسمي المعبر، وأنشأ إعلاما مرئيا ومسموعا استطاع أن يكون خادما جيدا لهذا المشروع كذلك.
إن هذا الاهتمام والوعي بأهمية السياسات الثقافية وأهمية الطرح النخبوي للجماهير توعية وحشدا ضد المقولات الانغلاقية، أو بديلا عنها، يملآن الأبنية المعنوية لها، ولا يجعلها مباحة ومستباحة لمقولات التطرف وتصوراته.
ثالثا: تمدد الأصوليات وسط السيولة والأزمات
إن الأصولية والتطرف، العنيف بالخصوص، المؤمن والمعتقد في تصورات الصراع والنفي والصدام بالمختلف، مشروع يتمدد في حالات السيولة والفراغ بغياب مشاريع موازية عقلانية وإصلاحية تقيد من انطلاقته وتكشف زيف ولا تاريخية مقولاته... مشاريع تطلقها النخب وتتمدد وسط القواعد والجماهير كذلك، وتتفاعل معها. ثم إن أزمات المشاريع البديلة تجعل الأصوليات تطرح نفسها حلا شعاراتيا وكليا بديلا لها ينغرس عاطفيا في رحم «الهوية» الدينية والثقافية وينطلق خيالا أسطوريا طموحا نحو أستاذية العالم والهيمنة عليه، ضدا على قوانين التاريخ زمانا ومكانا.
قاعدة أخرى، تؤكدها لنا السنوات القليلة الماضية، هي أن الأصوليات تنتج أصوليات مضادة، فينتج الإرهاب «الإسلاموفوبيا»، وينتج الآخر المتشدد يمينا متشددا. ووفق هذه القاعدة أنتجت النصرة الإيرانية، في لونها وسلوكها الطائفي المناصر لنظام بشار الأسد في سوريا، وميليشياتها الراديكالية التابعة والموالية لها وللولي الفقيه الحاكم في إيران، جماعات ونصرات مضادة كجبهة النصرة التي انقسمت فيما بعد للنصرة و«داعش» و«خلافته» المزعومة... وهكذا جرت عسكرة ثورة كانت أكثر ثورات العرب رشدا ولا عنفية حين انطلقت من براءة أطفال درعا في مارس (آذار) 2011 ولم تتهور للمطالبة بإسقاط النظام قولا واحدا، بل دعت لحواره وإصلاحه الذي يظل يتعالى على الاستجابة له مركزا على القمع والانتهاك اغتصابا لبراءتها.
ثم إن الأصوليات - بطابعها الاحتجاجي أيضا - تصعد وتنمو مع الأزمات والإكراهات الاقتصادية والاجتماعية وتعثر التنمية وتوظف هذه المسائل في معارضها للأنظمة، وطرحا لنفسها بديلا ونقيضا يكفر بالأنظمة ويحاربها.
رابعا: قدرة التنظيمات على توظيف التواصليات:
تبدو المواقع التواصلية تكريسا لفردية مفرطة في الفضاء العام، وتنتج قراءات ومعرفة عشوائية غير منظمة في الغالب، إلا لمن ضبطها لأغراض ومتابعات معينة، إخبارية أو متخصصة دون سواها، لكنها في العموم كذلك، وكانت هذه الفردية أحد حوامل الشعبوية والفكر اليميني المتشدد الصاعد في الغرب، كما أنها خانت سريعا الوعد بها والذي حملته وبشرت به في الانتفاضات العربية سنة 2011، حين كان لـ«تويتر» و«فيسبوك» بالخصوص دور مهم في فعالياتها ودعواتها المدنية، لكن سريعا ما قفزت عليهما التنظيمات الأصولية ورموزها وصارت هي المسيطرة على هذا العالم ما بعد الحديث دون القوى الحديثة غير المنظمة.
بينما تمتلك الأصوليات وجماعات التطرف العنيف شعارات مشحونة وصلبة وجذابة دائما، كما تملك إصرار عناصرها وتنظيماتها على نشر أفكارها وتبرير ممارساتها الخارجة والبشعة، في ظل الهجمات المضادة لها. وكان أيمن الظواهري يفاخر في كتابه «التبرئة» بأن «القاعدة» نجحت قبل عام 2011 في السيطرة على الإنترنت، عكس ما توقع من الأخيرة، وكانت «القاعدة» تمتلك حتى عام 2005 ما يقرب من خمسة آلاف موقع ومدونة.
من هنا، ظل تأثير استخدام التنظيمات الأصولية والآيديولوجية للمواقع التواصلية أكبر بكثير عن تأثير معارضيهم وخصومهم من التيارات المعتدلة والمدنية بشكل واضح؛ إذ استخدمتها «القاعدة» واستخدمها «داعش» - وأخواتهما من جماعات التطرف - منبرا دائما لنشر أفكارها وتأكيد حضورها، ومساحات دائمة للتوسع والتجنيد والتمدد والاتصال بشكل واضح، وجاءت الصحوة ضد نشاط هذه التنظيمات متأخرة قليلا خلال العام الماضي.
وحسبنا أن نذكر أن معدل عمر المقاتلين الأجانب في «داعش» - الذين تم تجنيدهم عبر المواقع التواصلية، عامي 2014 و2015 كان في المتوسط 24 سنة فقط، وجندوا عبر مواقع كـ«فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» وغيرها. وكانت حسابات التنظيم خلال فترة صحوته بعد سيطرته على الموصل ثم إعلان «خلافته» المزعومة عام 2014 تصدر بخمس لغات، في وقت واحد، ويجري تداولها عبر آلاف الحسابات الحقيقية والوهمية.
هذا بينما تبدو خطوط المواجهة والمكافحة للفكر المتطرف في الفضاء الإلكتروني أو غيره مشتتة، تبحث عن نظم مستمر مفقود بين كثير من مؤسساتها، ولا تتراكم خبراتها، بشكل واضح، وتبحث عن استراتيجيات ومواثيق فاعلة لتجديد الخطاب أو الوعي الديني، أو تحديد الفكر العربي والإسلامي بعموم، وتبدو صورة الجزر المنعزلة الكثيرة والمنفصلة حتى في أوساط النخبة المفكرة هي المسيطرة على المشهد بشكل كبير.
ومن الدقة استحضار أن المواقع التواصلية ليست تواصلية أو اتصالية تماما، بل هي تكرر أو تؤكد وسائط الواقع القائمة، وأحيانا تضعفها بل تبقى غايتها الأخيرة هي ترجمتها في العالم الحقيقي ليس أكثر، وكثير منها لا يغادر عالمه الافتراضي وجمهوره الذي لا يتفاعل معها دائما، وإن تفاعل يتفاعل معها بشكل مؤقت غير منظوم وغير مؤمن ملتزم بأطروحاتها.
ختاما، من الضروري مراجعة حالة الوعي العام، وعمليات صناعة الأفكار وتاريخها وإعادة الاعتبار بالخصوص للسياسات الثقافية الضرورية في مواجهة الصحوات الأصولية، وهو ما يستدعي بشكل أساسي إعادة الاعتبار للمثقف نفسه كمركز ومصدر للأفكار والتصورات بموازاة الداعية التنظيمي المحرض، وإن بدت عودة جديدة لقضية قديمة هي العلاقة بين التجديد والتقليد، أو معركة «العمائم والطرابيش» أواخر العقد الثاني من القرن العشرين في مصر.
إن تثمين دور المثقف من جديد ضرورة، لأن ثمة عبئا ومسؤولية كبيرة وثقيلة تقع على كاهله، في هذا السياق من التشظي المعلوماتي والتشتت المعرفي، الذي تستفيد منه تنظيمات وأفكار الأصولية الصلبة، بينما تتكرس سيولة القيم والتوجهات احتجاجا واستقطابا ينكر قيمة المعرفة فضلا عن التغيير أو التطوير، ولكن يظل العبء الأكبر على المؤسسات الواعية في تدوير هذه النخب والاستثمار فيها والتشبيك الناظم فيما بينها، وتجسير الفجوات بين النخب الحقيقية والجماهير.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».