نشاط متبادل في ترويج ثقافة العنف والكراهية

بين الجماعات الإرهابية واليمين المتطرف

غلاف إدارة التوحش لأبو بكر ناجي («الشرق الأوسط»)  - داعشي بجانب بقايا طائرة سورية زعم التنظيم أنه أسقطها في الرقة عام 2014 (أ.ف.ب)
غلاف إدارة التوحش لأبو بكر ناجي («الشرق الأوسط») - داعشي بجانب بقايا طائرة سورية زعم التنظيم أنه أسقطها في الرقة عام 2014 (أ.ف.ب)
TT

نشاط متبادل في ترويج ثقافة العنف والكراهية

غلاف إدارة التوحش لأبو بكر ناجي («الشرق الأوسط»)  - داعشي بجانب بقايا طائرة سورية زعم التنظيم أنه أسقطها في الرقة عام 2014 (أ.ف.ب)
غلاف إدارة التوحش لأبو بكر ناجي («الشرق الأوسط») - داعشي بجانب بقايا طائرة سورية زعم التنظيم أنه أسقطها في الرقة عام 2014 (أ.ف.ب)

عاشت بعض الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة وفرنسا وهولندا وألمانيا وغيرها، في الآونة الأخيرة، ارتفاعًا لافتًا للأصوات اليمينية المتطرفة المناهضة للأجانب والمؤمنة بفوقية الرجل الأبيض. كذلك، تتعالى في بعض الدول في آسيا وأفريقيا أصوات الجماعات المتطرفة باسم الدين، بالأخص في مناطق الصراع والاضطراب السياسي. وفي المقابل، لا تزال جماعات متطرفة ترفع شعارات إسلامية كـ«داعش» و«بوكو حرام» تكتسب الكثير من المؤيدين، على الرغم من مشاهد العنف والوحشية والقتل. إن ما يحدث يبدو وكأنه يزكي نظرية الأكاديمي الأميركي صموئيل هنتينغتون التي تحدثت عن «صراع الحضارات» في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة.
يصعب استيعاب مدى قدرة الخطابات والآراء المتطرفة على كسب مؤيدين وغسل أدمغتهم وإقناعهم بشرعية قتل الأبرياء، وإن تضمن ذلك استهداف المقدسات الدينية. ولكن واضح جدًا في المقابل تأثير خطاب الكراهية وقدرته على التغلغل إلى عقول البعض في مهاجمته الآخر بناءً على العرق أو الدين أو الجنس، وسهولة التحريض على العنف وجرائم الكراهية التي تعزّزت في حقبة زاد فيها التقوقع والتعصب، نتيجة الأجواء المحمومة التي لا يصل فيها إلا صوت مقت الآخر، ومحاولة إلغائه أو القضاء عليه. ولقد شهدنا في الآونة الأخيرة تأييدًا شعبيًا لقيادات وسياسيين حوت حملاتهم السياسية خطابات تشوبها العنصرية؛ ما يؤكد وجود نوع من الموافقة الضمنية لفحواها.
* صوت اليمين المتطرف
وحقًا، حيثما نظرنا، نرى أن العالم اليوم يسقط في هاوية الأصولية الإقصائية أو الإلغائية، والرغبة في التقوقع والانعزال. وأن الابتعاد عن الاعتدال ومنطق الحوار أفسح المجال لاختلاف بات تهديدا للأمن، وأعطى للأصوات المتطرفة قدرة على استقطاب المؤيدين من خلال خطابات الكراهية وشيطنة الآخر.
الترويج للتطرف والعنف السياسي يأتي في ثلاثة أشكال:
- الشكل الأول هو الطرق التقليدية التي تستخدم استراتيجياتها منذ أيام التنظيمات السابقة الأقل وهجًا في استخدامها التقنية في عملية الاستقطاب، كتنظيم «القاعدة»، الذي يعتمد أساسًا على خطابات أبرز قادته بأساليب إقناع وقدرة على التأثير، إضافة إلى الكتب والمنشورات التي تختار اقتباسات قرآنية أو تاريخية يجرى انتقاؤها حسب ما يرونه مناسبًا.
- الشكل الثاني هو عبر النزول إلى الساحة واختيار شخصيات جذابة تتغلغل إلى داخل المجتمعات الصغيرة سعيًا وراء الاكتشاف والتجنيد.
- الشكل الثالث، وهو الذي جعل تنظيم داعش يتفوق على التنظيمات الأخرى، هو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بنجاح وبكثافة حسابات ومواد تحريضية يصار إلى عرضها على الملأ، والغوص في العالم الافتراضي بتواصل سريع مع من يسعون إلى استقطابهم.
* التوحش عبر الكتب
لا تعد الحملات الدعائية لنشر البغضاء اكتشافًا جديدًا، ولا تقتصر على الأصولية الدينية، بل ترتبط بشكل عام بالتأصيل الفكري الذي طغى عليه في السابق النازية أو اليمين المتطرف بشكل عام. وكأبرز مثال على قوة تأثير الكتب وخطابات الكراهية كتاب «يوميات تيرنر» التي نشرت عام 1978. وهو عبارة عن رواية من تأليف الأميركي اليميني المتطرف ويليام لوثر بيرس (نشرها تحت اسم مستعار هو آندرو ماكدونالد) جاءت في تلك الحقبة، جزءا من سلسلة روايات ذات طابع عنصري وتحريضي تغوص في عوالم العنصرية والنازية، وتدعو إلى القومية البيضاء والاستعلاء على الأعراق الأخرى. ولقد حظر الكتاب في ألمانيا بسبب اعتماد موضوعه على الفكر النازي، ولمدى تأثيره التخريبي على الرأي العام؛ إذ تسبب في حدوث 200 جريمة قتل تتضمن التفجير الإرهابي الذي ارتكبه الأميركي تيموثي ماكفي 19 أبريل (نيسان) 1995، حين فجر أحد المباني الحكومية الكبرى في مدينة أوكلاهوما سيتي الأميركية. وعدت عملية التفجير تلك أكبر عملية إرهابية محلية في أميركا، وظهر فيها تأثر ماكفي بهذه الرواية التي استلهم عقب قراءتها نقمته وبغضه للحكومة الأميركية؛ الأمر الذي يشي بخطورة ومدى قابلية البعض التأثر بخطابات الكراهية، أو أي موضوعات تنشر في هذا المضمون.
من جهة أخرى، اشتهر عدد من كتب تنظيم «القاعدة» وأحد أشهرها كتاب «إدارة التوحش» لأبي بكر ناجي. وما هذا الكتاب إلا تجميع لمقالاته التي سبق نشرها عبر منتدى «أنا مسلم». وإلى جانب شرح الكتاب أبرز استراتيجيات وأهداف التنظيم، فإنه يتطرق إلى منهجية استقطاب المؤيدين عبر رفع الحالة الإيمانية والمخاطبة المباشرة والعفو والتأليف بالمال، وأهمية «جر الشعوب إلى المعركة بحيث يحدث بين الناس، كل الناس، استقطاب، فيذهب فريق منهم إلى جانب أهل الحق، وفريق إلى جانب أهل الباطل، ويتبقى فريق ثالث محايد ينتظر نتيجة المعركة لينتصر المنتصر. علينا جذب تعاطف هذا الفريق وجعله يتمنى انتصار أهل الإيمان، وبخاصة أنه قد يكون لهذا الفريق دور حاسم في المراحل الأخيرة من المرحلة الحالية».
على النسق ذاته، تظهر رسالة «أبو مصعب الزرقاوي» إلى أسامة بن لادن في 14 فبراير (شباط) 2004، التي يسعى فيها إلى التحذير من الشيعة بوصفهم خطرا يحدق بالمسلمين وعدوا يبطن الخبث؛ إذ يقول الإرهابي المتطرف الراحل «إن الناظر المتئد والمبصر المتفحص ليدرك أن التشيع هو الخطر الداهم، والتحدي الحقيقي، (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (سورة المنافقون:4)، إن رسالة التاريخ تصدقها شهادة الواقع لتشي بأوضح بيان، أن التشيع دين لا يلتقي مع الإسلام، إلا كما يلتقي اليهود مع النصارى تحت لافتة أهل الكتاب.
* الخطاب التحريضي
ولعل الدعايات الأقدم والأكثر شيوعا وقدرة على التأثير، هي خطب الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر المبغضة لليهود والشهيرة بحدتها. من خلال مثل هذه الخطب يجري إلغاء الآخر وشيطنته واستعمال لغة صدامية عنيفة ضده.
وبعد عقود من موت هتلر، ظهر أسلوب «أبو بكر البغدادي» زعيم تنظيم داعش الإرهابي الذي يسعى للحصول على مؤيدين من خلال خطبه. ومنها خطابه الأخير الذي نشر في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، وفيه حث المقاتلين مناشدًا «حولوا ليل الكافرين نهارًا وخرّبوا ديارهم دمارًا واجعلوا دماءهم أنهارًا».
ويظهر هنا الحرص على اختيار كلمات منتقاة بلغة رفيعة تحمل تهديدًا لمن يحمل سلطة بإمكانه ممارستها. ثم قال: «فيا أهل نينوى عامة والمجاهدون خاصة، إياكم والضعف عن جهاد عدوكم ودفعه؛ فإن هذا ينقض عرى الإسلام ويطفئ نور الحق. يا معشر المجاهدين والأنصار امضوا على بصيرتكم واستمروا على عزيمتكم». عبارات كتلك يستحيل أن يتقبلها شخص يؤمن بأهمية التحاور مع الآخر. إنها تفتن أشخاص لديهم قابلية للتطرف وتوجههم نحو استعمال العنف من أجل تحقيق أهداف قد تكون خيالية بعيدة عن الواقع. وبالتالي، مثل هذه الخطب تسعى إلى إلغاء الآخر واستخدام لغة صدامية بلهجة دينية يتم عبرها الترهيب والإقناع بعدم مناقشة أي شخص تفاصيل هذا الخطاب.
وعلى مسافة قريبة نجد خطبًا أخرى تهدف إلى إثارة البغض ضد طائفة معينة كتصريح المتحدث الرسمي لـ«داعش» «أبو محمد العدناني» في محاولته إضرام الطائفية في العراق ضد الشيعة تحديدًا «لقد آن لكم يا أهل السنة العراق أن تعرفوا الحقيقة، وأنه لا تعايش مع الروافض ولا سلام، وأن تدركوا أن الرافضة المشركين شر من وطأ الثرى شر من اليهود والصليبيين». وفي مثل هذه الخطب يستخدم القيادي المتطرف خطابا وعظيا دينيا يفرض تفاصيله، ليجري ترهيب الآخرين وإقناعهم أن من الخطأ أن يناقش أي شخص تفاصيل مثل هذا الخطاب، ومن ثم ما عليه إلا تنفيذ أوامر زعيم «داعش»، وتقديم الولاء والطاعة والإذعان له. هنا نحن أمام توجه متطرف يقوم على إلغاء الآخر والإيمان بأن الإسلام القويم لا تجسده إلا جماعته وسط ثقافة تكفير وتخوين الآخر.
ولا يقتصر هذا النهج الإلغائي على الجماعات المتطرفة التي تزعم التكلم باسم الإسلام في الشرق الأوسط، بل هناك أمثلة كثيرة في الغرب مثل الإرهابي العنصري النرويجي أندرس بريفيك الذي ارتكب جرائم إرهابية في النرويج عام 2011. وهذا الرجل نشر كتاباته المعادية للإسلام عبر «فيسبوك» و«تويتر» وموقع إلكتروني خاص به، وعرف بموقفه المتشدد من الأجانب والهجرة. وثمة دراسة أعدها الأكاديمي دايفيد ياناغيزاوا دروت، في جامعة هارفارد وجامعة زيورخ، أوضح كيف ساهمت خطابات الكراهية لمحطة إذاعة وتلفزيون لبر دي ميل كولين في راوندا بجرائم الإبادة الجماعية العنيفة في أكثر من ألف قرية. ولقد ازداد العنف المدني نتيجة تغطية الراديو بمعدل 65 في المائة، والعنف المنظم بنسبة 77 في المائة لمتابعة الإذاعة المذكورة.
* الاستقطاب إلكترونيًا
من ناحية أخرى، سيطر الاهتمام في الآونة الأخيرة على الدور المحوري لوسائل التواصل الاجتماعي في كسب المؤيدين، وتأجيج الرأي العام التي تفوق في استراتيجياتها تنظيم داعش. ولكن بزغت أيضًا جماعات جديدة من اليمين المتطرف في الغرب. وتذكر دراسة أعدها الباحث الأميركي جي أم برغر، من جامعة واشنطن، أنه على الرغم من تفوق «داعش» في سطوته على وسائل التواصل الاجتماعي واعتباره أحد أبرز التنظيمات الإرهابية من حيث القدرة على التجنيد واستغلال هذه الوسائل، فإن ثمة متطرفين آخرين نجحوا في التغلغل في العالم الافتراضي. أبرز هؤلاء حركة القوميين (العنصريين) البيض في الولايات المتحدة، الذين ارتفع حضورهم في موقع «تويتر» بما يزيد على 600 في المائة منذ عام 2012. ويظهر تأثر هؤلاء بمبادئ عرقية متطرفة، وأهمها النازية؛ إذ تظهر الدراسة أن من أكثر الأفلام الوثائقية تداولا في أوساط القوميين البيض في «تويتر» فيلم عن هتلر.
وتوضح دراسة برغر، من جهة أخرى، بالتفصيل طرق استقطاب الجماعات للمؤيدين عبر العالم الإلكتروني، كما يلي:
الأولى - مرحلة الاستكشاف التي يتم عبرها استكشاف المؤيدين أو المتعاطفين ممن يمكن اكتسابهم.
الثانية - تكوين مجتمع مصغّر أو مجموعة إلكترونية يقوم فيها أعضاء «داعش» بمد المؤيدين لتنظيمهم بالمعلومات بصفة مستمرة.
الثالثة - مرحلة العزل، وفيها ينصح المجند الجديد بأن ينعزل عن الآخرين؛ وذلك بهدف التأثير على آرائه والسيطرة عليه دون مؤثرات خارجية.
الرابعة - الانتقال إلى الرسائل الخاصة ليتم وقتئذ توصية مناصري «داعش» بالتواصل بصفة خاصة عبر قنوات مشفرة.
الخامسة - التعريف بالمهام المتوقعة من قبل المؤيدين والحث على اتخاذ خطوات عملية بصفتها جزءا من التنظيم، كالسفر للانضمام إلى التنظيم أو القيام بعمليات إرهابية في بلادهم. عبر القنوات المذكورة يكثف البث المرئي والمنشورات المؤثرة. وعلى سبيل المثال نشر تنظيم داعش بثا مرئيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت مسمى «على خطى والدي» يظهر فيه تدريب طفلين فرنسيين عبر دروس واستعمال للسلاح. ويتحدث فيها طفل في الثانية عشرة من عمره بلغة فرنسية بلهجة تهديد «أقول لفرنسا سوف نقتلكم كما قتلتم إخواننا في أراضي الدولة الإسلامية اليوم في الشام وغدا في باريس».
مثل هذه المنهجية تمزج ما بين التأثير على الآخرين من جهة، ومن جهة أخرى طرق التأثير على الأطفال وتجاوز مرحلة الإقناع إلى التلقين وزرع الكراهية والرغبة في قتل الآخر ليصبحوا أكثر شراسة ورغبة في أعمال العنف من خلال التخرج من برامج تحت مسمى «أشبال الخلافة». وهذه استراتيجية متبعة لجميع المنضمين إلى تنظيم داعش رجالا ونساء. وقد تنتقل عملية الإقناع إن أتيحت الفرصة إلى الساحة من خلال اختيار شخصيات تحمل جاذبية معينة أو قدرة على الإقناع بأهمية القتال، كما حدث مع الداعية البوسني الأصل «أبو تيجما» الذي كان يتخذ من المساجد في بلدان نمساوية مختلفة فرصة لاستقطاب الشباب. ولقد اعتقل في النمسا إثر تجنيده عشرات الشباب ممن تتراوح أعمارهم ما بين 14 وثلاثين سنة، وإقناعهم بضرورة نشر الإسلام من خلال «الجهاد»، والانضمام إلى صفوف التنظيم الداعشي في سوريا.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».