جدل في باكستان حول اختفاء المدونين واتهامات لأجهزة الأمن

مطالب بتحريرهم من قبضة الاستخبارات وغضب على نشطاء المجتمع المدني

عامر حسين مذيع تلفزيوني يتهم الجميع بأنهم عملاء يعملون لأجهزة الأمن («الشرق الأوسط»)
عامر حسين مذيع تلفزيوني يتهم الجميع بأنهم عملاء يعملون لأجهزة الأمن («الشرق الأوسط»)
TT

جدل في باكستان حول اختفاء المدونين واتهامات لأجهزة الأمن

عامر حسين مذيع تلفزيوني يتهم الجميع بأنهم عملاء يعملون لأجهزة الأمن («الشرق الأوسط»)
عامر حسين مذيع تلفزيوني يتهم الجميع بأنهم عملاء يعملون لأجهزة الأمن («الشرق الأوسط»)

كانت أكثر وسائل الإعلام الباكستانية في حالة جنون محموم خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، حيث كانت تصدر تقارير عن اختفاء 4 مدونين من مناطق مختلفة في باكستان. ووجهت أكثر وسائل الإعلام، ومنظمات المجتمع المدني، اتهامًا لأجهزة استخبارات الدولة بضلوعها في الاختفاء القسري لهؤلاء المدونين.
مع ذلك تميز مذيع تلفزيوني عنهم في أنه اتهم كل وسائل الإعلام، وكذلك المدونين المختفين بأنهم عناصر ملحدة معادية لباكستان. وكذلك اتهم الإعلام بالاشتراك مع «جناح البحث والتحليل»، إحدى هيئات الاستخبارات الهندية، بأنهم جميعًا جزء من مؤامرة لتشويه سمعة أجهزة الاستخبارات الباكستانية.
لذا شهدت الثلاثة أسابيع الماضية احتدامات ومواجهات ساخنة بين مذيعي التلفزيون المتنافسين. من جانب كان هناك معسكر يضم أكثر مذيعي التلفزيون، الذين طالبوا الحكومة بتحرير هؤلاء المدونين من قبضة الاستخبارات الباكستانية، وعلى الجانب الآخر يقف عامر لياقت حسين، مذيع تلفزيوني متمرد، كان يتهم الجميع بأنهم عملاء يعملون لصالح جهاز الاستخبارات الهندي.
ومن المقرر أن يظهر عامر لياقت على محطة «بي أو إل»، التلفزيونية التي تم تدشينها منذ وقت قريب، يوميًا في وقت مميز يتسم بأعلى نسبة مشاهدة، ويواصل صبّ غضبه على نشطاء المجتمع المدني والصحافيين الذين كانوا يطالبون بإطلاق سراح المدونين.
ووصلت الأمور إلى مرحلة حرجة عندما اتهم عامر بعض نشطاء المجتمع المدني بالإلحاد، ومعاداة باكستان. كان من بين هؤلاء النشطاء محامٍ قدّم شكوى للهيئة الباكستانية لتنظيم الإعلام الإلكتروني، وقامت الهيئة بدورها بمنع عامر لياقت من الظهور على شاشة التلفزيون. وأشار المحامي في الشكوى إلى أن لياقت قد وجه اتهامات لا أساس لها من الصحة ضده، ووصفه بالملحد، إلى جانب اتهامه بتنفيذ خطة معادية لباكستان وللإسلام.
مع ذلك لم يتوقف لياقت عند هذا الحد، بل تمادى إلى أبعد من ذلك، وأكد على الاتهامات التي وجهها للمحامي بالإلحاد، وبأنه مدير صفحة «بهنسا» التي تنشر محتوى يحض على التجديف والإلحاد على مواقع التواصل الاجتماعي. كذلك تم إرسال نسخة من الشكوى إلى أبصر علام، رئيس الهيئة الباكستانية لتنظيم الإعلام الإلكتروني.
وصرحت الهيئة بأنها تلقت مئات الشكاوى المتعلقة بخطاب لياقت «الذي يحض على الكراهية». بعد تلك الشكاوى، منعت اللجنة لياقت من تقديم أي برنامج، أو الظهور على شاشة قناة «بي أو إل نيوز» في أي إطار، بما في ذلك أن يكون ضيفًا أو محللاً، أو مراسلاً، أو ممثلاً، أو حتى المشاركة في أي محتوى صوتي، أو مقطع مصور، أو إعلان. في حال عدم التزام المحطة بهذا القرار سوف تقوم الهيئة بسحب ترخيص المحطة، بحسب ما جاء في تصريح الهيئة.
إلى جانب ذلك، صرحت الهيئة بمنع عامر لياقت من الترويج لخطابه، الذي يحض على الكراهية، من خلال أي قناة أخرى، وكذلك من تكفير أي شخص، فطبقًا للدستور الباكستاني، هذا الأمر من اختصاص البرلمان أو المحكمة العليا الموقرة فقط.
وسرعان ما أصبحت هذه المشاهد هي النمط السائد على شاشات التلفزيون الباكستاني، حيث يسيء الإعلاميون والمحطات التلفزيونية استخدام نفوذهم، ويستغلونه في تشويه سمعة بعضهم بعضًا، واستخدام لغة مهينة ضد بعضهم بعضًا. ونرى مذيعًا أو آخر يظهر على الشاشة، ويتهم خصمه أو منافسه بالتعاون مع دولة معادية.
وصرح صحافي بارز لصحيفة «الشرق الأوسط» بأن هذه المعارك العلنية بين الصحافيين والإعلاميين الباكستانيين ليست بالأمر الجديد، حيث أوضح قائلاً: «إنه تقليد قديم جدًا في باكستان، حيث لا يزال هناك أشخاص يتذكرون كيف أدت الخصومات والخلافات الآيديولوجية بين الصحافيين إلى اندلاع معارك على الصفحات الأولى للصحف الباكستانية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي».
مع ذلك زاد تأثير هذه المعارك العلنية، التي لا تزال مستمرة حتى يومنا الحالي بشكل كبير، كما يرى صحافي بارز آخر. وقال هذا الصحافي: «تحدث تلك المعارك الآن على مرأى ومسمع من الجميع على شاشات التلفزيون». وامتد تأثير بعض هذه المعارك بين مؤسسات الإعلام الباكستانية إلى خارج البلاد أيضًا. على سبيل المثال، المعارك العلنية بين كل من محطة «جي إي أو» و«إيه آر واي» التلفزيونيتين، التي اتهمت فيها الأخيرة مالك المحطة الأولى لاحقًا بالتعاون مع «جناح البحث والتحليل»، أحد أجهزة الاستخبارات الهندية.
وأقام مير شكيل الرحمن، صاحب محطة «جي إي أو»، دعوى سبّ وقذف في لندن، حيث تتمتع محطة «إيه آر واي» بحقوق البث. وصدر آخر حكم قضائي ضد محطة «إيه آر واي» بعد فرض غرامة قدرها 185 ألف جنيه إسترليني عليها في وقت سابق من الشهر الحالي لسبّ مير شكيل الرحمن، الرئيس التنفيذي لمحطة «جي إي أو». وبعد احتساب التكاليف القانونية، بلغت قيمة الفاتورة، التي على محطة «إي آر واي» دفعها، 3 ملايين جنيه إسترليني تقريبًا.
وذكر محامو مير شكيل الرحمن البرامج التي تضمنت سبًّا وقذفًا على محطة «إيه آر واي» خلال الفترة بين عامي 2013 و2014. وتضمنت تلك البرامج اتهامات متكررة لشكيل بخيانة باكستان، وتآمره مع أجهزة استخبارات هندية، والاستخبارات المركزية الأميركية في نشر قصص مفبركة لتشويه سمعة القوات المسلحة الباكستانية.
وقالت المحطة إن شكيل الرحمن لا تحق له الإقامة في باكستان، وإنه ينبغي سحب ترخيص البثّ من شركته، بل واتهمته بالإلحاد، وبتدنيس القرآن الكريم.
على الجانب الآخر، تم التأكيد على محطة «إيه آر واي» بألا تكرر أيًا من هذه المزاعم والاتهامات مرة أخرى، وألا تتحدث عن بثّ أي محتوى يزعم أن شكيل الرحمن خائن، أو غير مخلص لبلاده، أو متورط في أعمال خيانة ضد البلاد، أو ملحد، أو يدنس القرآن الكريم. وقال أليستر بيبر، من شركة «كارتر راك» للمحاماة التي تمثل شكيل الرحمن في القضية: «أوضحت هذه الحالة الحاسمة أن المحطات التلفزيونية غير قادرة على نشر اتهامات زائفة والإفلات من العقاب، وأنهم في حال قيامهم بذلك سوف يذيعون موجزًا للحكم الذي صدر ضدهم. إنه يوم سعيد بالنسبة لمن يحاولون حماية سمعتهم من الهجمات التي لا أساس لها».
مع ذلك تتسم قوانين السبّ والقذف الباكستانية بالضعف في جوهرها، وتستغرق المحاكم سنوات طويلة لإصدار حكمها في مثل هذه القضايا، وهو ما يطلق أيدي الصحافيين، ويشجعهم على تشويه سمعة خصومهم، ومنافسيهم.



هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».