مسجد في لندن يكسب دعوى قضائية وتعويضًا بعد اتهامه «بالإرهاب»

«رويترز» تتقدم بالاعتذار وتتعهد بدفع الغرامة المالية

مسجد في لندن يكسب دعوى قضائية وتعويضًا بعد اتهامه «بالإرهاب»
TT

مسجد في لندن يكسب دعوى قضائية وتعويضًا بعد اتهامه «بالإرهاب»

مسجد في لندن يكسب دعوى قضائية وتعويضًا بعد اتهامه «بالإرهاب»

قدمت شركة «رويترز» للمعلومات المالية أمس، باعتذار رسمي لمسجد فينسبري بارك، الواقع شمالي العاصمة البريطانية لندن، مع الإقرار بدفع تعويضات له بعد اتهامات بدعم «الإرهاب». وبحسب وكالة «الأناضول»: «طلبت المحكمة العليا أمس، من (رويترز)، في جلسة قضائية أمس، دفع تعويض بـ10 آلاف جنيه إسترليني بينها التكاليف القانونية، والاعتذار عن إدراجها مسجد (فينسبوري بارك) ضمن الكيانات الإرهابية، في قاعدة بياناتها». وأقرت سارة مُنصوري، في الجلسة ممثلة عن «رويترز»، بإدراجهم الصورة الشخصية للمسجد ضمن فئة «الإرهاب»، واعترفت بأن ذلك «كان خاطئًا». من جانبه، أعرب محمد كوزبار، رئيس هيئة أمناء مسجد فينسبري بارك، عن ارتياحه من قرار المحكمة. وقال كزبر: «أعتقد أن الكثير من المنظمات والهيئات الخيرية كانت تنتظر لترى ما ستفضي إليه قضيتنا حتى يقرروا ما الذي سيفعلونه من بعد، حسب علمي يتوفر لدى عدد منهم الاستعداد للمضي قدما بهذه القضية وتحدي وورلد تشيك من خلال المحاكم؛ لأنهم هم أيضا اتهموا بالإرهاب». وأضاف كزبر: «لقد قبلت (رويترز) في نهاية المطاف بكل ما ادعيناه عليهم وطلبنا منهم أن يغيروا ما هو مذكور عنا في وورلد تشيك، وسوف يراسلون البنوك والدوائر الحكومية التي تستخدم سجلاتهم ليخبروهم بما خلصت إليه قضيتنا، وبأننا لسنا منظمة إرهابية، وبأنهم نادمون على ما صدر منهم بشأننا وسيعملون على توضيح موقفهم تجاه هذه المسألة».
واستدرك بالقول: «لكننا ما زلنا نشعر بالقلق لأنه بات شائعا، للأسف، إنه عندما تتم تغطية شيء يتعلق بالمسلمين، فإن معظم التغطية تكون سلبية، وكانت هذه واحدة من تلك التغطيات». وزاد بالقول: «بالطبع يظل واجبا علينا أن نتحدى ذلك، وألا نترك الأمور تمضي دون اعتراض منا، ولهذا ما كان منا في مسجد فينسبري بارك إلا أن رفعنا القضية أمام المحكمة، وقد كسبناها، ونحن نشجع الآخرين على فعل الشيء ذاته». وكانت شركة «رويترز» للمعلومات أدرجت اسم المسجد ضمن قاعدة بيانات تستخدمها معظم البنوك الكبيرة في العالم لتقييم مستوى الخطورة؛ وهو ما أثر بصورة سلبية وخطيرة على سمعة ومالية المسجد. وجاء في التقرير، أن بنك «إتش إس بي سي» كان قد أغلق حسابات مسجد فينسبري بارك في عام 2014 نتيجة ورود اسم المسجد في قاعدة بيانات تستخدمها البنوك لتقييم مستوى الخطورة التي يشكلها عملاؤها. كما أغلق بنك «إتش إس بي سي»، وكذلك بنوك أخرى في تلك الفترة نفسها حسابات عدد من الأفراد المسلمين والمنظمات والجمعيات الخيرية المسلمة». وحسبما ورد في بيان جرت تلاوته داخل المحكمة العليا أمس، فقد وافقت «رويترز» على حذف الادعاءات المسيئة، وكذلك دفع تعويضات للمسجد، إضافة إلى تكبد تكاليف الإجراءات القضائية.
وجاء في البيان: «من خلال استعداده دفع تعويضات عن الأضرار التي تسبب بها، أقر المدعى عليه بأن التقرير الذي كان قد نشره تضمن مزاعم باطلة أفادت بأن ثمة ما يدفع نحو الشك بأن المدعي كان على صلة بالإرهاب، وأكد المدعى عليه أنه لم يقصد القول بأن المدعي له علاقات حالية أو مشتبه بها بالإرهاب، وبناء عليه؛ فإن كل ما قد يفهم منه ذلك قد حذف من قبل المدعى عليه الذي أعرب بشكل لا لبس فيه عن أسفه».
وجاءت التسوية على إثر تحقيق صحافي لإذاعة «بي بي سي»، الذي نجم عنه اكتشاف أن عددا من المنظمات والأفراد أدرجت أسماؤهم في قاعدة بيانات وورلد تشيك تحت بند عنوانه الإرهاب.
ويبدو أن المعلومات المتوفرة لدى الموقع حول مسجد فينسبري بارك تعود إلى الفترة التي كان أبو حمزة المصري مسيطرا عليه، وأبو حمزة هذا رجل دين مصري ضرير متعاطف مع القاعدة، ما لبث أن أدين بتهم تتعلق بالإرهاب وحكم عليه بالسجن المؤبد في الولايات المتحدة الأميركية في العام الماضي. إلا أن مسجد فينسبري بارك انتقلت إدارته من بعد إلى مجموعة أخرى، وما زال منذ ذلك الحين يقوم بنشاطات معتبرة ومقدرة في خدمة المجتمع.
وتحدث محمد كزبر خارج المحكمة العليا قائلا: «لقد أثر منع الخدمات البنكية عنا سلبيا على قدرتنا على تقديم الخدمات إلى من يرتادون المسجد للعبادة، وكذلك إلى جاليتنا المحلية بشكل عام، ولم نكن قادرين على اختراق جدار السرية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟