تغيير السياسة الفيدرالية في فترة ترمب ممكن... لكن ليس في كل الولايات

توقع تباين معدلات الضرائب وجودة الخدمات العامة بين الولايات

إلغاء «أوباما كير» سيعني تقليصا كبيرا في الضرائب المفروضة على أصحاب الدخل الكبير في معظم الولايات الأميركية (أ. ف. ب)
إلغاء «أوباما كير» سيعني تقليصا كبيرا في الضرائب المفروضة على أصحاب الدخل الكبير في معظم الولايات الأميركية (أ. ف. ب)
TT

تغيير السياسة الفيدرالية في فترة ترمب ممكن... لكن ليس في كل الولايات

إلغاء «أوباما كير» سيعني تقليصا كبيرا في الضرائب المفروضة على أصحاب الدخل الكبير في معظم الولايات الأميركية (أ. ف. ب)
إلغاء «أوباما كير» سيعني تقليصا كبيرا في الضرائب المفروضة على أصحاب الدخل الكبير في معظم الولايات الأميركية (أ. ف. ب)

كثيرا ما شهدنا انقسامات حول طبيعة الدور المنوطة به الحكومة في الولايات المتحدة. ففي الإطار العام، ووفق دستورنا، فلكل ولاية صلاحية تبني السياسات التي تناسب معتقداتها وقيمها.
ولذلك، فعقب الانتخابات الرئاسية التي شهدت انقسامات غير معهودة شرعت كل ولاية على حدة في إجراء تغييرات محددة في السياسات الفيدرالية، وهي قيد التنفيذ حاليا، من الأمثلة على ذلك رد فعل جيري براون، حاكم ولاية كاليفورنيا، لشكوك الرئيس ترمب إزاء تهديدات التغيرات المناخية.
ولأنه من الضروري التركيز على الإجراءات الفعالة في مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، فقد رأى أغلب العلماء «اتفاق باريس» الذي وقعت عليه 195 دولة كخطوة إيجابية. لكن الكثيرين من أنصار ترمب حثوه على تجاهل تلك الخطة، وكرد فعل، قام جيري براون، عضو الحزب الديمقراطي، بمضاعفة جهود كاليفورنيا في مناقشة الاتفاقيات الهادفة إلى التقليل من انبعاثات الكربون التي وقعتها مع باقي الولايات والدول.
وبحسب براون، فسوف تخدم هذه الاستراتيجية هدفين: الأول، توضيح أن هذه الاتفاقيات لن تتسبب في تدمير فرص العمل، بل ستكون سببا في زيادتها، والثاني أنها ستثبت فعاليتها بأن تتقلص الانبعاثات بدرجة كبيرة رغم استمرار الصراع على توسيع نطاق عمل تلك الاتفاقيات.
فأصحاب الأصوات الزرقاء، وتعني أصوات الحزب الديمقراطي، على الأرجح سيتجهون أكثر من غيرهم إلى معارضة أجندة ترمب. ومن المرجح أيضا أن تجد هذه الولايات نفسها في موقف مالي خادع نتيجة لاتباعها سياسات ترمب. ولو افترضنا أن الولايات الزرقاء (التي صوتت للحزب الديمقراطي) أرسلت مالا أكثر بكثير مما تتسلمه من واشنطن، في حين أن العكس صحيح للولايات الحمراء (التي منحت أصواتها للحزب الجمهوري)، فستميل الكفة لصالح الجمهوريين.
كذلك تتمتع الولايات الزرقاء بمعدل دخل فرد سنوي أعلى بكثير من الولايات الحمراء، ويسكنها عدد ضخم ومتنوع من أغنى شرائح المجتمع. والنتيجة هي أنه لو أن إدارة ترمب خفضت الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة كما هو متوقع، فسيتراجع عبء الضرائب الفيدرالية على الولايات الزرقاء بدرجة كبيرة. وستتمتع هذه الولايات بمرونة مالية جديدة حال اختارت معادلة بعض أوجه أجندة ترمب. ومن المرجح أن تفضل الولايات الزرقاء، على سبيل المثال، شبكة أمان اجتماعي أكثر سخاء. فلفترة من الزمن كانت تلك الشبكة سببا في أن يشهد الناس إحدى أفضل فترات القرن في الكثير من الولايات، حيث شملت شبكة الأمان خدمات تنظيم الأسرة، ومنها تشخيص عدوى الأمراض التي تنقل عن طريق الجنس، وأساليب منع الحمل، والكشف عن مرض السرطان. فكل دولار كان يجري إنفاقه على هذه الخدمات، كان يوفر للمجتمع الكثير من الدولارات كانت ستنفق على العلاج الاجتماعي مستقبلا، ناهيك عن التعاسة المترتبة على ذلك.
لكن نسبة ضئيلة من الخدمات التي تقدمها هذه المنظومة تضمنت عمليات الإجهاض، حيث تعهد الجمهوريون بالكونغرس بسحب الدعم الفيدرالي من تنظيم الأسرة بالكامل. وأخذت تكساس تلك الخطوة على مستوى الولاية مؤخرا وسط تقارير تشير إلى ارتفاع معدل الوفيات أثناء الحمل. وللناس ذوي التفكير العقلاني رؤى متباينة بشأن كيفية المحافظة على قدسية الحياة، فالولايات التي تأمل المحافظة على مواصلة تعزيز برامج تنظيم الأسرة تستطيع أن تفعل ذلك بفرض ضرائب مرتفعة على كل من ساهم ترمب في تخفيض ما يسددونه من ضرائب.
ربما تنبع أوضح مشكلات شبكة الأمان الاجتماعي من تعهد الحزب الجمهوري سحب قانون «الرعاية الصحية لغير القادرين». أما بخصوص جهود الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، فإن جهود تعميم الرعاية الصحية تسير بصورة أفضل عن طريق الحكومة الفيدرالية مقارنة بالجهود التي تبذلها الولايات منفردة. لكن ما يقلق هو أن ضمان التغطية على مستوى الولايات قد يجذب مستفيدين جددا من الولايات المجاورة التي لا توفر مثل هذه الضمانات لسكانها، مما يجعل البرنامج باهظ الكلفة.
غير أن مبادرة الرعاية الصحية التي طبقها ميت رومني أثناء فترة حكمة لولاية ماساتشوستس التي استندت إلى مقترحات تقدمت بها «مؤسسة التراث» المحافظة لم تبالِ بهذا القلق، وسيعني إلغاء قانون «أوباما كير» للرعاية الصحية تقليصا كبيرا في الضرائب المفروضة على أصحاب الدخل الكبير في جميع الولايات، مما يخلق مساحات خالية لكل ولاية على حدة لكي تطبق نسختها الخاصة من مشروع «رومني كير» للرعاية الصحية.
لا تتمتع الولايات بحرية مطلقة في فرض ضرائب مرتفعة على أصحاب الدخل المرتفع لأنه في حال أقدمت ولاية على رفع الضرائب، سيهرب أصحاب الدخل المرتفع للولايات المجاورة. وهناك أمثلة حقيقية على أفراد انتقلوا إلى ولايات أخرى حيث الضرائب الأقل.
لكن الخبرة التي عشناها في كاليفورنيا تعتبر مطمئنة. فنتيجة لمواجهة عجز الميزانية وتقليص الخدمات العامة الأساسية، فقد صوت سكان الولاية على «المقترح رقم 30» عام 2012، الذي رفع الضرائب على الدخل الهامشي المرتفع بالولاية ليتخطى 13 في المائة، وهو رقم أكبر من أي ولاية أخرى. وتوقع الخصوم أن دافعي الضرائب الأغنياء بكاليفورنيا سيهربون بشكل جماعي إلى ولايات مثل نيفادا، وأوريغين وغيرها.
لكن معهد «الضرائب والسياسة الاقتصادية بواشنطن» أفاد بأن تلك المخاوف مبالغ فيها، مستشهدين بدراسة صدرت عن جامعة ستاندفورد خلُصت فيها إلى أن احتمالية هجرة أصحاب الدخل البالغ مليون دولار تقريبا سنويا تعد أقل من غيرهم من أصحاب الدخل المتوسط؛ وهي نسبة أقل من 2 في المائة من الشريحة الضئيلة من طبقة المليونيرات الذين اعتبروا الضرائب دافعا للهجرة من ولاية لأخرى.
لكن هل الناخبون بالولايات الزرقاء (أنصار الحزب الديمقراطي) مخطئون بعدم هروبهم من الضرائب المرتفعة؟
ربما يرون أن حياتهم أفضل في ظل وجود مزيج من الاستهلاك الخاص والعام، وفي ظل التمتع بمتنزهات ومدارس جيدة وطرق وأنظمة سكك حديدية لخدمة الجميع، وليس فقط منازل رائعة لأنفسهم ولعائلاتهم. ربما يفهمون أيضا أن قدرتهم على الحصول على ما يريدون – مثل منازل راقية بواجهات بانورامية مثلا – يعتمد كليا على قدرتهم الشرائية التي لا تتأثر كثيرا بما يسددون، هم أو أقرانهم، من ضرائب مرتفعة.
ترى أي الرؤيتين أفضل؟ فالعباقرة الذين صاغوا دستور بلادنا كانوا حريصين على تجنب الإجابة على مثل هذه التساؤلات نظريا. فقد فهموا أن التقدم سيكون بعيد المنال لو أن الولايات ترك لها حرية التجربة باتخاذ مواقف تخالف المتبع لدى الحكومة الفيدرالية. فعندما سيطر الديمقراطيون على البيت الأبيض في إدارة أوباما، على سبيل المثال، فإن الولايات الحمراء (الحزب الجمهوري) مثل كنساس، خفضت الضرائب والخدمات في مواجهة سياسة الموازنة الفيدرالية. وفي المناخ الراهن، يمكننا أن نتوقع خطوات مشابهة من الولايات الزرقاء (الحزب الديمقراطي).
فالتجارب المحلية لا تنفي حقيقة أن الانتخابات المحلية لا بد أن يكون لها تبعاتها، لكن مع الوقت لا بد أن تؤدي التجارب إلى تحقيق التقدم، وقد تكون التجربة مثمرة أيضا على المدى القريب، حتى على المستوى النفسي. فالسلبية لا بد أن يعقبها اليأس.
* خدمة «نيويورك تايمز»



ترمب يحجم عن فرض الرسوم الجمركية

ترمب يلقي خطاب تنصيبه بعد أداء اليمين الدستورية (أ.ف.ب)
ترمب يلقي خطاب تنصيبه بعد أداء اليمين الدستورية (أ.ف.ب)
TT

ترمب يحجم عن فرض الرسوم الجمركية

ترمب يلقي خطاب تنصيبه بعد أداء اليمين الدستورية (أ.ف.ب)
ترمب يلقي خطاب تنصيبه بعد أداء اليمين الدستورية (أ.ف.ب)

يُرجئ دونالد ترمب فرض التعريفات الجمركية خلال يومه الأول ويراهن بشكل كبير على أن إجراءاته التنفيذية يمكن أن تخفض أسعار الطاقة وتروض التضخم. ولكن من غير الواضح ما إذا كانت أوامره ستكون كافية لتحريك الاقتصاد الأميركي كما وعد.

فقد قال ترمب في خطاب تنصيبه إن «أزمة التضخم ناجمة عن الإفراط في الإنفاق الهائل»، كما أشار إلى أن زيادة إنتاج النفط ستؤدي إلى خفض الأسعار.

وتهدف الأوامر التي يصدرها يوم الاثنين، بما في ذلك أمر مرتبط بألاسكا، إلى تخفيف الأعباء التنظيمية على إنتاج النفط والغاز الطبيعي. كما أنه يعتزم إعلان حالة طوارئ وطنية في مجال الطاقة على أمل إطلاق المزيد من إنتاج الكهرباء في إطار المنافسة مع الصين لبناء تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على مراكز البيانات التي تستخدم كميات هائلة من الطاقة.

ويعتزم ترمب التوقيع على مذكرة رئاسية تسعى إلى اتباع نهج حكومي واسع النطاق لخفض التضخم.

كل هذه التفاصيل وفقاً لمسؤول قادم من البيت الأبيض أصر على عدم الكشف عن هويته أثناء توضيحه لخطط ترمب خلال مكالمة مع الصحافيين، وفق ما ذكرت وكالة «أسوشييتد برس».

وقال المسؤول إن الإدارة الجديدة، في أول يوم له في منصبه، ستنهي ما يسميه ترمب بشكل غير صحيح «تفويضاً» للسيارات الكهربائية. على الرغم من عدم وجود تفويض من الرئيس الديمقراطي المنتهية ولايته لفرض شراء السيارات الكهربائية، فإن سياساته سعت إلى تشجيع الأميركيين على شراء السيارات الكهربائية وشركات السيارات على التحول من السيارات التي تعمل بالوقود إلى السيارات الكهربائية.

هدّد ترمب، خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، بفرض رسوم جمركية على الصين والمكسيك وكندا ودول أخرى. ولكن يبدو أنه يتراجع حتى الآن عن فرض ضرائب أعلى على الواردات. وأشار المسؤول إلى تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» يقول إن ترمب سيوقع فقط على مذكرة تطلب من الوكالات الفيدرالية دراسة القضايا التجارية.

ومع ذلك، تعهد ترمب في خطاب تنصيبه بأن التعريفات الجمركية قادمة، وقال إن الدول الأجنبية ستدفع العقوبات التجارية، على الرغم من أن هذه الضرائب يدفعها المستوردون المحليون حالياً وغالباً ما يتم تمريرها إلى المستهلكين.

لقد كان قرار التوقف ودراسة التعريفات الجمركية إشارة إلى الحكومة الكندية بأنه يجب أن تكون مستعدة لجميع الاحتمالات تقريباً بشأن اتجاه التجارة مع الولايات المتحدة.

«ربما يكون قد اتخذ قراراً بتعليق التهديد بالتعريفات الجمركية نوعاً ما على قائمة كاملة من الدول. سننتظر ونرى»، وفق ما قال وزير المالية الكندي دومينيك لوبلانك. أضاف: «لقد كان السيد ترمب في ولايته السابقة غير قابل للتنبؤ، لذا فإن مهمتنا هي التأكد من أننا مستعدون لأي سيناريو».

وبشكل عام، يواجه الرئيس الجمهوري مجموعة من التحديات في تحقيق طموحاته في خفض الأسعار. فقد نجح بايدن في خفض معدل التضخم على مدار عامين، إلا أنه سيغادر منصبه مع استمرار نمو الأسعار الذي فاق نمو الأجور على مدار السنوات الأربع الماضية.

ومن بين الدوافع الكبيرة للتضخم استمرار نقص المساكن، كما أن إنتاج النفط الأميركي وصل بالفعل إلى مستويات قياسية، حيث يواجه المنتجون حالة من عدم اليقين بشأن الطلب العالمي هذا العام.

مجلس الاحتياطي الفيدرالي هو من الناحية الفنية الهيئة الحكومية المكلفة الحفاظ على التضخم عند هدف سنوي يبلغ 2 في المائة تقريباً. وتتمثل أدواته المعتادة في تحديد أسعار الفائدة قصيرة الأجل لإقراض البنوك لبعضها البعض، بالإضافة إلى مشتريات السندات والاتصالات العامة.

وقال ترمب إن إنتاج الموارد الطبيعية هو المفتاح لخفض التكاليف بالنسبة للمستهلكين الأميركيين، سواء في المضخة أو في فواتير الخدمات العامة.

تتخلل أسعار الطاقة كل جزء من الاقتصاد، لذا فإن زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز الطبيعي وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى أمر بالغ الأهمية للأمن القومي. وقد اشتكى ترمب، الذي تعهد باستعادة «هيمنة الولايات المتحدة في مجال الطاقة»، من أن إدارة بايدن حدّت من إنتاج النفط والغاز في ألاسكا.

ومع ذلك، ووفقاً للأوزان الترجيحية لمؤشر أسعار المستهلك، فإن الإنفاق على الطاقة يمثل في المتوسط 6 في المائة فقط من النفقات، أي أقل بكثير من الغذاء (13 في المائة) أو المأوى (37 في المائة).

عاد التضخم، الذي كان خامداً لعقود، إلى الظهور من جديد في أوائل عام 2021 مع تعافي الاقتصاد بقوة غير متوقعة من عمليات الإغلاق بسبب كوفيد-19. طغت الطفرة في طلبات العملاء على سلاسل التوريد في أميركا، ما تسبب في حدوث تأخيرات ونقص وارتفاع الأسعار. وكافحت مصانع رقائق الحاسوب والأثاث وغيرها من المنتجات في جميع أنحاء العالم للانتعاش.

وقد سارع المشرعون الجمهوريون إلى إلقاء اللوم على إدارة بايدن في إغاثة إدارة بايدن من الجائحة البالغة 1.9 تريليون دولار، على الرغم من أن التضخم كان ظاهرة عالمية تشير إلى عوامل تتجاوز السياسة الأميركية. وازداد التضخم سوءاً بعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية.

ورداً على ذلك، رفع «الاحتياطي الفيدرالي» سعر الفائدة القياسي 11 مرة في عامي 2022 و2023. انخفض التضخم من أعلى مستوى له منذ أربعة عقود عند 9.1 في المائة في منتصف عام 2022. لكن التضخم ارتفع منذ سبتمبر (أيلول) إلى معدل سنوي بلغ 2.9 في المائة في ديسمبر (كانون الأول).

من المحتمل أن تحتاج العديد من الخطوات التي يتخذها ترمب إلى موافقة الكونغرس. تنتهي أجزاء من تخفيضاته الضريبية لعام 2017 بعد هذا العام، ويعتزم ترمب تمديدها وتوسيعها بتكلفة قد تتجاوز 4 تريليونات دولار على مدى 10 سنوات. ويرى ترمب أن التخلص من الدعم المالي للطاقة المتجددة في عهد بايدن هو وسيلة محتملة لتمويل تخفيضاته الضريبية.