طريق مقطوع

طريق مقطوع
TT

طريق مقطوع

طريق مقطوع

* لا تزال هوليوود تتداول مسألة القرار الذي أصدره البيت الأبيض بمنع رعايا 6 دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة واحتمال ضم دول إسلامية أخرى، مثل باكستان ومصر، إلى هذا القرار بالإضافة إلى دول أخرى لم تتعاون سابقًا مع قوانين الهجرة الأميركية.

* صحيح أن القرار المذكور ساري المفعول لتسعين يومًا فقط، لكنه قابل للتمديد بتوقيع رئاسي آخر. إلى ذلك هذه مدّة كافية لكي تشعر فيها هوليوود بأنها مطالَبَة بإجراء تغييرات فيما يتعلق بمشاريع لديها تتطلب ظهور ممثلين غير أميركيين.

* في العادة، هناك مئات الممثلين من حول العالم، وبينهم عشرات العرب، الذين يدخلون الولايات المتحدة بتأشيرات زيارة ويتوجهون بعد ذلك إلى مكاتب وكلاء تشغيل ممثلين وبعضهم يفوز بأدوار ولو صغيرة إلا أنها تحقق له الوقوف عند أولى درجات السلم. في هذه الحال، تقوم شركات الإنتاج بترتيب تأشيراتهم لتناسب أعمالهم فيصيبون بذلك نجاحًا مزدوجًا، في الوقت الذي يتمتع به الفيلم بوجوه تنتمي إلى أعراقها المتنوعة.

* كل هوليوود تم بناؤها على أيدي مهاجرين، ليس فقط يهود أوروبا الذين اشتغلوا في الإنتاج ورئاسة الاستوديوهات وفي الإخراج، بل نصيب كبير من الآسيويين واللاتينيين وأنحاء أخرى من أوروبا. هناك عرب (من القارتين الآسيوية والأفريقية) وأتراك وروس وهنغاريون وبولنديون وألمان وفرنسيون ويونانيون وإيطاليون وهنود وصينيون دلفوا إلى هوليوود عبر التاريخ واشتغلوا في ركابها مخرجين وممثلين وكتابًا وموسيقيين ومديري تصوير. وفي أعتى ظروف الحرب العالمية الثانية، وحتى بعد قيام اليابان بضرب بيرل هاربور، لم يصدر قرار يمنع دخول الألمان أو اليابانيين.

* الآن، وتبعًا لهذا القرار، يتدارس المعنيون في شركات الإنتاج ما يستطيعون فعله على أكثر من مستوى، من بينها مثلاً ما مصير من لديها من عقود مبرمة مع مواهب عربية تعمل الآن على مشروع معين ومطلوبة، بعد حين، لمشروع آخر وذلك بناء على تأشيرة مؤقتة أو حتى على «غرين كارد». ذلك لأن من يغادر الولايات المتحدة من أبناء هذه الدول لن يستطع الدخول إليها مجددًا، مما يعطل العمل أو يجبر شركات الإنتاج على البحث مجددًا عن بدلاء.

* والمسألة، كما تشير «نيويورك تايمز» في تحقيق لها قبل نحو أسبوع، لا تتوقف على الإنتاجات التلفزيونية والسينمائية، بل تنسحب على نسيج الحياة الثقافية والفنية بكاملها. المعارض والمسارح والحفلات الموسيقية. كل هذه «تتغربل» الآن تبعًا لقرار واحد.

* أميركا مثّلت لمعظم الناس حول العالم قمّة الهرم في كل شيء. وهوليوود قمّة السينما قاطبة. مئات المواهب من كل أنحاء العالم تتطلع إليها إما حلمًا أو خلاصًا، لكنها اليوم أمام طريق مسحوب من مستقبلها. عند مطلعه هناك إشارة تقول: «طريق مقطوع، الرجاء العودة من حيث أتيتم».



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.