أنقرة ترفض تسليح القوات الكردية في سوريا وتعتبره دعمًا للإرهاب

بدء خطوات تجنيس السوريين والاستعانة بالأكاديميين في الجامعات

قصف مركّز تعرض له مقر الهلال الأحمر السوري خلال ضربات جوية في مدينة إدلب شمال غربي البلاد بعد منتصف ليل أول من أمس، مما أدى إلى إصابة عدد من الموظفين (رويترز)
قصف مركّز تعرض له مقر الهلال الأحمر السوري خلال ضربات جوية في مدينة إدلب شمال غربي البلاد بعد منتصف ليل أول من أمس، مما أدى إلى إصابة عدد من الموظفين (رويترز)
TT

أنقرة ترفض تسليح القوات الكردية في سوريا وتعتبره دعمًا للإرهاب

قصف مركّز تعرض له مقر الهلال الأحمر السوري خلال ضربات جوية في مدينة إدلب شمال غربي البلاد بعد منتصف ليل أول من أمس، مما أدى إلى إصابة عدد من الموظفين (رويترز)
قصف مركّز تعرض له مقر الهلال الأحمر السوري خلال ضربات جوية في مدينة إدلب شمال غربي البلاد بعد منتصف ليل أول من أمس، مما أدى إلى إصابة عدد من الموظفين (رويترز)

أعلنت تركيا رفضها تزويد التحالف الدولي للحرب على «داعش» تحالف قوات سوريا الديمقراطية بالمدرعات، معتبرة أن ذلك يشكل تقوية ودعما للإرهاب، فيما انتهت الحكومة التركية من الإجراءات المتعلقة بمنح الجنسية التركية للسوريين المستوفين للشروط والمعايير التي وضعتها وزارة الداخلية التركية التي تركز على منح الجنسية للكفاءات وذوي المستوي العلمي المرتفع.
وجاء رد الفعل التركي الرسمي على تسليح الأكراد في بيان صدر عن مجلس الأمن القومي، الذي اختتم في ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء - الأربعاء اجتماعا برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان استغرق نحو 8 ساعات، وركز في جانب كبير منه على التطورات السورية، سواء ما يتعلق باجتماعات «آستانة» أو محادثات جنيف المرتقبة أو عملية درع الفرات ومعركة الباب، معقل «داعش» في ريف حلب، حيث أكد البيان أن التعامل مع ما سماه «منظمات إرهابية» (في إشارة إلى القوات الكردية في سوريا) كنظراء ودعمها بالأسلحة بطرق مختلفة يشكل أرضية لتقوية الإرهاب وانتشاره.
وشدد البيان على ضرورة حماية وتعزيز وقف إطلاق النار في سوريا في ضوء ما اتفق عليه في محادثات «آستانة»، لافتا إلى أن تركيا ستستمر في مواصلة جهودها لبدء مرحلة الانتقال السياسي في سوريا، مع التأكيد على التزامها بمسؤولياتها الإنسانية.
ويعد هذا أول رد فعل رسمي تركي على تزويد التحالف الدولي قوات سوريا الديمقراطية بالمدرعات بعد أن أعلن المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية طلال سلو في وقت سابق، الثلاثاء، أن قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة زودت حلفاءها السوريين بمركبات مدرعة للمرة الأولى.
وكانت وكالة أنباء الأناضول التركية قد نقلت عن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الثلاثاء، قوله تعليقا على تزويد قوات سوريا الديمقراطية بهذه المدرعات إنها لم تذهب إلى المكون الكردي في قوات سوريا الديمقراطية، وإنما ذهبت إلى المجموعات العربية، وإنه ليس هناك تغيير من جانب واشنطن للسياسة التي اتبعتها في ظل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وإن المساعدات العسكرية والتدريب تتوجه جميعها إلى المجموعات العربية في تحالف قوات سوريا الديمقراطية.
في سياق آخر، قالت وسائل إعلام تركية استنادا إلى مصادر حكومية إن العملية المتعلقة بتجنيس السوريين تُدار بالتنسيق بين إدارة الهجرة والإدارة العامة لشؤون السكان والجنسية، وإن وزارة الداخلية تواصل استعداداتها في هذا الصدد، حيث قامت أولا بتقييم اللاجئين الذين أنشأوا مؤسسات صناعية ويعملون في المجالات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والثقافية والفنية في تركيا.
وأضافت المصادر أن اللجان التي تشكّلت بتعليمات من المحافظات التركية وجهاز المخابرات قامت بتحديد الأشخاص الذين لا يشكلون تهديدا للأمن القومي ويستوفون الشروط، وأبلغت الجهات المختصة بهم، مؤكدة أنه تم بدء فحص حالات المرشحين لنيل الجنسية التركية.
ولفتت المصادر إلى أن مجلس الوزراء التركي سينظر ملفات المرشحين السوريين الذين روجعت أسماؤهم وفق معايير الأمن القومي خلال شهر فبراير (شباط) الحالي.
في السياق نفسه، رفض نائب رئيس الوزراء التركي ويسي كايناك ما يتردد من جانب بعض معارضي الحكومة بأن تصاعد تجنيس السوريين في الوقت الراهن، جاء في محاولة لضمان الموافقة على التعديلات الدستورية في الاستفتاء الشعبي المزمع إجراؤه في أبريل (نيسان) المقبل والاستفادة من أصوات السوريين الذين سيمنحون الجنسية في التصويت لصالح التعديلات التي ستنقل البلاد من النظام البرلماني إلى الرئاسي، مشددا عل أن هذا الأمر لا علاقة له بالاستفتاء وأنه مطروح منذ قترة طويلة والأعمال الخاصة مستمرة.
في الوقت نفسه، بدأت بعض الجامعات التركية توظيف الأكاديميين السوريين ضمن كوادرها التدريسية بموافقة مجلس التعليم العالي التركي لسد العجز في بعض التخصصات التي تحتاج لكوادر أجنبية. وأعلنت جامعة «حران» في محافظة شانلي أورفا جنوب البلاد أنها قبلت 7 أكاديميين سوريين للعمل بها بموافقة من مجلس التعليم العالي. وكان 30 أكاديميا سوريا تقدموا لامتحان أجرته الجامعة واستطاع 7 منهم اجتيازه والانضمام إلى هيئة التدريس بالجامعة في مجالات الفيزياء والرياضيات والكيمياء.
وقال الدكتور رمضان طاش ألطان خلال مراسم إعلان نتيجة امتحان الأكاديميين السوريين: «قمنا بضم 7 أساتذة لكوادرنا، لقد استقبلت جامعتنا في هذا العام 400 طالب سوري، وهؤلاء يتلقون تعليمهم في عامهم الأول باللغة العربية وفي عامهم الثاني باللغتين العربية والتركية وفي العامين الرابع والخامس باللغة التركية، ونريد الاستفادة من الشباب السوري المتميزين وضمهم إلى كوادرنا، ونريد العمل بشكل أوسع مع الأساتذة السوريين». ولفت إلى أن الأكاديميين السوريين يهاجرون إلى البلدان الأخرى بسبب العراقيل البيروقراطية في تركيا.
وعانى كثير من الجامعات التركية خلال العام الدراسي الحالي نقصا في الكوادر التدريسية بعد إغلاق كثير من الجامعات وفصل أو وقف مئات الأكاديميين الأتراك عن العمل، في إطار تحقيقات محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو (تموز) الماضي.
وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أعلن أن تركيا ستمنح الجنسية للكفاءات من السوريين، لافتا إلى أن كثيرا من العقول تهاجر إلى أوروبا، وأن تركيا ستعمل على الاستفادة منهم بدلا عن هجرتهم.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.