خطوط تماس بين النظام السوري وقوات «درع الفرات»... وقراءات لـ «الهدنة المفترضة» بينهما

قضم 18 قرية خلال أسبوعين جنوب الباب وغربها

جنود روس يجولون في أحد شوارع الأحياء القديمة في مدينة حلب، التي أخلتها قوات المعارضة أخيرًا (رويترز)
جنود روس يجولون في أحد شوارع الأحياء القديمة في مدينة حلب، التي أخلتها قوات المعارضة أخيرًا (رويترز)
TT

خطوط تماس بين النظام السوري وقوات «درع الفرات»... وقراءات لـ «الهدنة المفترضة» بينهما

جنود روس يجولون في أحد شوارع الأحياء القديمة في مدينة حلب، التي أخلتها قوات المعارضة أخيرًا (رويترز)
جنود روس يجولون في أحد شوارع الأحياء القديمة في مدينة حلب، التي أخلتها قوات المعارضة أخيرًا (رويترز)

لم توقف قوات النظام السوري والميليشيات الحليفة تقدمها العسكري في ريف محافظة حلب الشرقي، منذ 17 يومًا. ولامست في قريتين على الأقل، مناطق سيطرة قوات «درع الفرات» جنوب غربي مدينة الباب التي تسعى قوات الجيش السوري الحر المشاركة بعملية «درع الفرات» المدعومة من تركيا، إلى السيطرة عليها منذ شهرين، غير أنه لم يسجل أي احتكاك بين الجانبين، ما يرسم ملامح «تنسيق» غير مباشر بين الطرفين على قتال تنظيم داعش الإرهابي المتطرف.
المعلومات متضاربة حول «التنسيق» المفترض الذي ترجح المعارضة السورية أن يكون نتيجة اتفاق تركي - روسي، يفرض تحاشي المواجهة، وتتأرجح التقديرات بين نظريتين:
الأولى تعبّر عنها مصادر في المعارضة السورية بقولها لـ«الشرق الأوسط» إن «درع الفرات» لم تصطدم منذ انطلاقتها في أغسطس (آب) الماضي بتاتًا مع قوات النظام، وهو ما عرّضها «لانتقادات على ضوء إحجامها عن فك الحصار عن مدينة حلب مع أنها كانت تبعد 12 كلم فقط عنها»، ما يعني - بحسب المصادر - أن «درع الفرات» لم تتشكل لقتال النظام بل لقتال «داعش» بريف حلب الشرقي وقتال ميليشيات الأكراد التي تتهمها تركيا بأنها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) المصنف على قوائم الإرهاب التركية.
أما النظرية الثانية، فتقول إن تحاشي التصادم بين الطرفين اللذين باتت تجمعهما خطوط تماس واحدة، منذ ثلاثة أيام، يعود إلى «اتفاق أنقرة» لوقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا. وهذا ما أشار إليه المعارض السوري عبد الرحمن الحاج لـ«الشرق الأوسط»، موضحًا أن هذا الاتفاق «يتضمن ضمانات بعدم مهاجمة أي الطرفين (النظام وقوات درع الفرات) لبعضهما بعضا، وحصر الجهود العسكرية ضد (داعش) أو (النصرة) المصنفتين إرهابيتين».
* «تنسيق مفترض»؟
هذا، وتتزايد الشكوك حول «تنسيق مفترض» بين الطرفين، بالنظر إلى أن الخريطة الجغرافية لتقدم قوات النظام، تشير إلى أنها تتجنب التقدم نحو الباب مباشرة، بل تسير بشكل دائري من غرب الباب إلى جنوبها، بالتزامن مع ضربات جوية تستهدف معاقل «داعش» في شرق المدينة وجنوبها الشرقي. ما يعني أن النظام يحاول إطباق الحصار على المدينة، ما يمهد لـ«درع الفرات» التقدم إلى الباب بعد أن يقطع النظام عنها خطوط الإمداد. وتتضاعف هذه المؤشرات إثر تقارير عن أن القوات التركية قدمت غطاء مدفعيًا لقوات النظام بالتزامن مع غطاء جوي روسي لقوات النظام وحلفائه أثناء تقدمها في ريف الباب.
بيد أن الحاج، وهو خبير في حركة الجماعات المتشددة، يستبعد هذه الفرضية؛ إذ يقول: «يدرك (داعش) أنه الجهة الوحيدة المباحة مواجهته لدى الطرفين بفعل اتفاق أنقرة، لذلك يحاول الانسحاب تدريجيًا من جنوب الباب أمام قوات النظام بهدف وضع حدود أمام تقدم القوات التركية، وتمهيد الطريق لصراع محتمل بين القوات التركية وقوات النظام على مدينة الباب إثر تقدم الطرفين إليها». وحسب الحاج فإن استراتيجية التنظيم المتطرف تقضي بـ«تمهيد الظروف لصدام بين الطرفين، أو حرمان تركيا من الوصول إلى مدينة الباب ومنحها بالمقابل للنظام، ثأرًا من الأتراك بعد عملياتهم التي طرد خلالها التنظيم من المتنفس الحدودي له في ريف حلب الشمالي، ومكافأة النظام الذي تربطه به اتفاقات سرية متصلة بالسماح بضخ المياه من مناطق سيطرته إلى حلب الخاضعة لسيطرة النظام، إضافة إلى اتفاقات على النفط وغيره».
* نقطة غير متفق عليها
جدير بالذكر أن قوات «درع الفرات» تقف على أعتاب مدينة الباب منذ شهرين تقريبًا، ولم تستطع السيطرة عليها حتى الآن. ومع أن روسيا نفذت ضربات جوية (محدودة) استهدفت المدينة بغرض تسهيل تقدم «درع الفرات» فيها، فإن مطلعين على الاتفاق التركي - الروسي، يؤكدون لـ«الشرق الأوسط» أن «الاتفاق يقضي بأن العمق المتاح لتركيا في ريف حلب الشرقي هو حدود مدينة الباب، ولم يوضح الاتفاق ما إذا كانت المدينة تدخل ضمن منطقة النفوذ التركي». وتابع مصدر مطلع على الاتفاق أنها «نقطة غير متفق عليها، وهو ما يفسر السباق بين النظام ودرع الفرات المدعومة تركيًا للوصول إلى المدينة»، مشددًا على أن «داعش هي الكعكة المباحة للطرفين والمجال المسموح ضمن الاتفاقات الدولية».
هذا، ومنذ استعادة النظام السيطرة على كامل مدينة حلب، أواخر الشهر الماضي، حوّل جهوده باتجاه ريف محافظة حلب الشرقي، بدلاً من التقدم باتجاه قوات المعارضة والفصائل المتشددة في ريفي حلب الغربي والجنوبي، وهي المعركة المؤجلة لكونها مقيّدة باتفاق أنقرة. وفي هذه الأثناء، تقدمت قوات النظام وحلفائه في 18 قرية على الأقل، تقع في غرب الباب وجنوب غربها وقلصت المسافة التي تفصلها عن المدينة نفسها إلى نحو 3 كيلومترات. وفي المقابل، بدأت بالتوسع جنوب مطار كويرس العسكري، والتمدد شرقه في محاولة لتقليص المسافة التي تفصلها عن دير حافر، أبرز المدن الخاضعة لسيطرة «داعش» في ريف حلب الشرقي. وفي حال تقدمت إلى تلك المنطقة، فإنها ستحصر وجود «داعش» في شرق نهر الفرات، بالنظر إلى أنها ستقترب إذ ذاك من الضفة الغربية لبحيرة الأسد وتقطع اتصاله بريف حلب.
كذلك، ستتمكن قوات النظام، في حال تقدمها إلى دير حافر، من إبعاد التنظيم عن الخط الحيوي الذي يربط مناطق سيطرته بحلب، بريف محافظة حماه، وهو خط الإمداد الوحيد للنظام إلى المدينة، ويعرف بـ«الخط الصحراوي».
* الوضع الميداني
في هذه الأثناء، ميدانيًا، تواصلت الاشتباكات أمس بين عناصر «داعش» من جانب، وقوات النظام والميليشيات الحليفة من جانب آخر، في المحورين الجنوبي والجنوبي الغربي للباب على بعد نحو 7 كلم من المدينة، في محاولة من قوات النظام تحقيق تقدم في المنطقة والسيطرة على مزيد من القرى والمناطق التي يسيطر عليها التنظيم المتطرف وسط قصف لقوات النظام على مناطق سيطرة التنظيم ومواقعه. وأفادت مواقع المعارضة بسيطرة النظام على قريتي القطبية وعران الواقعتين إلى الجنوب من الباب، وذلك بعد انسحاب مسلحي «داعش» منهما. كذلك حققت قوات النظام تقدمًا جنوب مطار كويرس العسكري، يخدم هدف حمايتها خطوط إمدادها إلى بلدة السفيرة (في جنوب شرقي حلب) التي تضم معامل الدفاع وأبرز مراكزه العسكرية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.