الدولة والخيال السياسي للإسلاميين

كتاب يعالج إشكالية ركود أطروحة الحركات الاسلامية حولها

الدولة والخيال السياسي للإسلاميين
TT

الدولة والخيال السياسي للإسلاميين

الدولة والخيال السياسي للإسلاميين

يعالج كتاب «الخيال السياسي للإسلاميين ما قبل الدولة وما بعدها»، للأكاديمية المصرية الدكتورة هبة رؤوف عزت، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إشكالية ركود أطروحة الحركات الإسلامية التصورية الخاصة بالدولة «عبر قرن كامل». وبالتالي تنطلق الباحثة من مسلّمة تؤكد أن الساحة العربية الإسلامية «أحوج ما تكون الآن إلى مناقشة تصوراتها للدولة الإسلامية ومراجعتها أكثر من أي وقت مضى، فقد غلبت العموميات البلاغية والتصورات التاريخية على رؤيتها حينًا، وطغت الاعتبارات العملية (البراغماتية) على حركتها حينًا آخر، فتراجعت أولوية مهمتها الرسالية والدعوية، كما صارت قطاعات منها ترفع شعارات (الجهاد)، فتنوعت خبرتها وممارساتها بتنوع الأقطار والساحات وتقديم نماذج مختلفة في تصورها للدولة المنشودة» (ص11 - 12).
حول سقوط حلم استعادة الخلافة
على الرغم من الارتباط القوي لقوى الإسلام السياسية بالصراع حول السلطة، ومركزية الدولة. فإن ما تطرحه هذه القوى من طروحات حول المشاركة السياسية، والعلمانية والديمقراطية والحداثة؛ وارتباط كل هذا بالدولة الحديثة، يمثل الوجه الأكبر لأزمة الخيال السياسي للتيارات الإسلامية. من جهة أولى توليد المفاهيم السياسية وصناعتها؛ ومن جهة ثانية إدراك أنساقها وسياق أعمالها في محضن قيمي وحضاري يتميز بفرادة مرجعيته الدينية، وخبرته المجتمعية في إدارة المجتمع والسلطة.
من هنا نفهم تحول «المشروع الفكري» الذي حمل حلم استعادة «الخلافة الإسلامية»، إلى جزء من بنية الأزمة المعاصرة للمجتمع والدولة العربية الإسلامية. إذ إن الارتباط العقدي بهذا النموذج التاريخي، انتهى إلى تشطير التنظيمات الدينية إلى سلمية، تدعو «لأسلمة» الدولة والمجتمع، وتعتبر ذلك مشروعها التجديدي النهضوي. في حين حملت التنظيمات الإرهابية السلاح، وكفّرت المجتمع باسم استعادة نموذج دولة الخلافة؛ وهكذا سقط الإسلاميون في التبسيط والتعميم، وطالت الأزمة الفكرية التي نجمت عن «التسييس الواقعي للقضايا الفكرية»، معنى ودور الشريعة والأمة.
ويبدو أن هذا الوضع دفع بالباحثة المصرية الدكتورة هبة رؤوف عزت في كتابها السابق الذكر للرجوع إلى التاريخ تارة، وللبحث السياسي النظري والاجتماعي تارة أخرى... لتفسر وتذكر بالجهود الإصلاحية التي سبقت الإسلاميين لطرح موضوع الدولة الإسلامية وسقوط الخلافة؛ وأن هذه الجهود الإصلاحية العربية الحديثة قد تعرضت لإجهاض من طرف الاستعمار. واليوم تنشغل التنظيمات السياسية الإسلامية، «بشواغل السياسة أو أعباء الدعوة»، حتى صار الاجتهاد الفكري العلمي هو الفريضة الغائبة، سواء تعلق الأمر بمجال السلطة أو مجال التجديد والاجتهاد في الشؤون العامة. وهنا تقول: «فتراجع الاهتمام بالتجديد وملفاته والفهم ومعاييره، والتماهي الذي ذكرناه مع مفهوم الدولة الحداثية مع خيال الدولة الإسلامية هو محض تابع لهذا الخلل، وأن استعادة قيمة التفكير هي الفريضة التي غابت في ظل إعلاء منطق التنظيمات والاستسلام لظن أن ما نقف عليه وأمامه وتحته فقط يحتاج إلى (أسلمة) فحسب» (ص 128).

مفهوم الدولة
إننا في الواقع أمام تحولات جذرية، تتطلب فتح الحوار وتعميق البحث في مفهوم الدولة الإسلامية، ونحتاج لمراجعة بحثية للدولة الحديثة في صورتها القومية؛ ذلك أن النظرية السياسية، لا تخرج عن سياق الخبرة التاريخية والقيمية ومرجعية الفلسفة المنتجة لها، كما أن موضوع التنظير السياسي يجعل من الدولة متغيرًا من حيث المثال، ومن حيث النموذج التنظيمي. في الوقت الذي نجد تركز أدبيات الإسلاميين في أغلبها، على مقارنة الشورى بالديمقراطية، وتطرح الحاكمية، في محاولة لصد العلمانية وفلسفتها التنظيمية للشأن العام. وهذا المنهج الفكري جعل «خطاب الإسلاميين ليبراليًا رأسماليًا في جوهره، ومتسربلاً بالديباجة الدينية، يسعى إلى الأسلمة بتنقية الهياكل من ظواهرها الرأسمالية من دون نقض لها» (ص18).
تدعيمًا لهذا الطرح تزعم، الأكاديمية والباحثة المصرية أن الإنتاجات الفكرية للإسلاميين، وإن حاولت مقاربة موضوع الدولة والسلطة سياسيًا، وقانونيًا؛ فإنها في جوهرها لا تقدم تصورًا في نظرية الدولة. ولا يعتبر ذلك مراجعة لتعريف السياسة، في زمن يشهد تحولات نوعية للظواهر السياسية. فالخيال السياسي للتنظيمات الإسلامية ظل حبيس النموذج الغربي للدولة القطرية «الهوبزية»؛ ويبدو أن هناك بعض العوامل المعرفية والعملية التي تسهم في تكريس هذا الإشكال. ومن أهمها غلبة الخطاب السياسي التشاوري على «التصور الاجتهادي»، وتعميم النظرة للغرب وإهمال الجنوب والشرق، كذا غلبة المركزية العربية، وعدم الاستفادة من التجارب الإسلامية العجمية، إضافة لعدم الاطلاع المباشر على الفكر الغربي ومدارسه النقدية المعاصرة.
وكل هذا أنتج عجزًا واضحًا في إبداع، وصياغة «نظرية مختلفة للعمران والدولة، وهي المهمة الأخطر والأولى التي عجز الخيال السياسي الإسلامي عن إدراك خطورتها وأولويتها». وما يزيد من متاعب هذا الخيال سطوة «أسطورة» الدولة العلمانية المعاصرة؛ وتحديها للأفق الفكري والحركي للإسلاميين، لأنها تسحب السلطة من المجتمع وتمركزها بيدها، مما يصعب من إعادة تأسيس الرابطة السياسية الإسلامية على أسس غير أسس الدولة الحديثة «الهوبزية» التعقيدية.

بين الأمة والدولة
وفي هذا السياق يمكن فهم اضطراب العلاقة بين الأمة والدولة، في خيال الإسلاميين، وكذلك تفسير موقفهم من العلمانية باعتبارها إنكارًا للوحي وإحلالاً للعقل محله، وتخليًا عقديًا عن الحاكمية. وتسجل الباحثة هبة أن هذا المأزق المنهجي لم يأخذ بعين الاعتبار حقيقة معرفية تؤكد أن العلمانية هي مفهوم في حقل السياسة، لا العقيدة. ولكن ذلك لا ينفي - حسب الباحثة - ما لعبته العلمنة من دور خطير في إضعاف الإسلام والمجتمعات الإسلامية، حيث عمل مسلسل فصل الدين عن الدولة على تفكيك مكامن القوة في المجتمع وإلحاقها بالدولة التي سيطرت بشكل استبدادي على الدين والفرد والمجتمع العربي.
وبما أننا في هذا المأزق التاريخي؛ تقترح الدكتورة هبة رؤوف عزت إعادة تشكيل الخيال الإسلامي لاستشراف المستقبل. ووضعت لذلك مفاهيم خاصة، تدور مدار السياق الحضاري العربي وخبرته وقيمه السياسية والدينية، مستهدفة تغيير المقدمات والوصول لنتائج جديدة. ولهذا، تبنت أربعة مفاهيم أساسية تتوخى استعادة مفهوم الأمة لما تمثله من تفوق وتجميع يتجاوز قدرة الدولة القطرية. فالفطرة تجعل الرابطة العقدية عالمية؛ ومفهوم العالمين، يُخرج مصطلح الأمة من ضيق أفق انتماء الدولة المعتمد على المواطن، والمواطنة؛ كما تقترح الباحثة المجتمع المدني العالمي، لتجاوز «القومية المنهاجية»، والتحاور مع العولمة، في أفق يستحضر الجنوب وقيمه الحضارية. وأخيرًا نجد مفهوم المجال العام، بشقيه الداخلي والدولي، والذي يهدف إلى بناء حلف فضول مجتمعي وحلف فضول دولي، لتحدي الدولة القومية وهيمنتها الدولية.
ولكن، رغم ما قدمته الباحثة والأكاديمية المصرية من أفكار نيرة في كتابها هذا الذي صدر عن «الشبكة العربية للأبحاث والنشر»، سنة (2015م)، فإنها سقطت في فخ التعميم طيلة صفحات البحث (144)؛ إذ تحدثت عن الإسلاميين دون مراعاة للفروق الفكرية والثقافية، وطبيعة الدولة والمجتمع الذي تعيش فيه التيارات الإسلامية المختلفة. من جانب آخر بقيت الباحثة محصورة في الأدبيات الفكرية للإسلاميين المصريين، واعتبرتهم «ممثلين شرعيين» لما أطلقت عليه «الخيال السياسي للإسلاميين»؛ وهو جلب اختزال مخل بالقدرة التفسيرية للكتاب ككل؛ وعكس مركزية مصرية، يعتمد على مسلّمة وهمية تقول إن الإسلاميين الحركيين العرب جميعًا «إخوان مسلمون». وما زاد الأمر تعقيدًا أن المؤلفة الباحثة لم تحدد ما تقصده بالإسلاميين، إذ استعملته في سياقات لا تفيد بوحدة المعنى والقصد.

إسلاميو مصر.. والآخرون
أيضًا كان هناك سقوط في فخ الاختزال عند مناقشة الخيال والاجتهادات السياسية الإسلامية المعاصرة، فلقد اختزلت الباحثة المؤلفة اجتهادات الإسلاميين الفكريين، في شخصيات وتيارات مصرية فقط. واستندت إلى أفكار المؤرخ الكبير طارق البشري وآراء جمال سلطان ممثلاً للسلفية المستنيرة، والسعيد حبيب عن جماعة «الجهاد»، والباحث صلاح هاشم عن الجماعة الإسلامية، والمهندس أبو العلا ماضي عن حزب الوسط، بينما اختارت عصام العريان ممثلاً لحركة «الإخوان المسلمين». كما تابعت أفكار عبد السلام بسيوني وصافيناز كاظم وكتابات توفيق الشاوي وعلاء النادي وحامد عبد الماجد ومحمد عمارة وسامح فوزي وهاني لبيب الباحث القبطي المعروف.
ولكن، في الحقيقة، هناك تجارب في شمال أفريقيا، وجنوبها، وفي آسيا لا صلة لها بالإخوان المصريين. ولها مفكروها ومنظروها المحليون، ولقد نجحت في تجاوز التجربة المصرية للإسلاميين الحزبيين والمستقلين، سواء من الناحية الفكرية والسياسية أو من ناحية تقديم نموذج مستوعب للدولة القطرية، ومتعامل مع الحداثة بتثاقف معرفي وفقهي، يدور في مقاصد الشريعة الإسلامية، وفي نفس الوقت يأخذ بالمشترك الإنساني المتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
وعليه يحق لنا العودة من جديد للتساؤل عن كيفية البحث في الخيال السياسي للإسلاميين.
هل يمكن الحديث عن خيال واحد، أم خيالات وثقافات سياسية للتنظيمات السياسية الإسلامية؟
هل تعدد التنظيمات لا يستوجب تعدد السياق، وبالتالي الخصوصية الفكرية للخيال والتنظيم الموصوف بالإسلامي؟
وهل فعلا يمكن تجاوز الدولة القومية باجتهاد ونظرية سياسية تزعم أنها إسلامية؟
وهل «دولة الخلافة» يمثل نموذجًا دولتيًا إسلاميًا، أم أنه نظام تاريخي متجاوز؟



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».