حسابا ترمب على «تويتر»... بين الرئيس الرصين والمغرد الغاضب

الرئيس الأميركي: لا أستخدم موقع التواصل الاجتماعي إلا مضطرًا

حساب دونالد ترمب الخاص الموثق  -  حساب رئيس الولايات المتحدة الرسمي
حساب دونالد ترمب الخاص الموثق - حساب رئيس الولايات المتحدة الرسمي
TT

حسابا ترمب على «تويتر»... بين الرئيس الرصين والمغرد الغاضب

حساب دونالد ترمب الخاص الموثق  -  حساب رئيس الولايات المتحدة الرسمي
حساب دونالد ترمب الخاص الموثق - حساب رئيس الولايات المتحدة الرسمي

خلال الأسبوع الذي تلا تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسميًا كان له 48 تغريدة عبر حسابه الشخصي، وهو عدد يكاد يكون متساويًا مع تغريداته في الأسبوع الذي سبق التنصيب (54 تغريدة)، إلا أن تسلمه حساب رئيس الولايات المتحدة الرسمي الذي كان يستخدمه سلفه باراك أوباما كشف نوعًا من التباين بين شخصية ترمب على حسابه الأصلي، والرئيس ترمب، رئيس الولايات المتحدة.
ويبدو أن الاختلاف بين نمط تغريدات حسابه الشخصي والحساب الرسمي هو أن تغريدات الأخير تتسم بالإيجابية والرسمية أكثر من السلبية، وبالطابع العام أكثر من الخاص، وبالدفاع أكثر من الهجوم، وحتى ما حمل منها في طياته هجومًا أو استهدافًا لأشخاص، فلم يعد ترمب الرئيس يستهدف أشخاصًا بعينهم بل سياسات أو مؤسسات أو دولا أو معاهدات سابقة في ذلك الحساب، على خلاف تغريداته الغاضبة على حسابه الخاص التي ما زالت تهاجم الإعلام وشخصيات ودولا معينة.
وفي الوقت الذي ورث فيه ترمب عن سلفه أوباما نحو ثلاثة عشر مليون متابع للحساب الرسمي التابع للبيت الأبيض فإن لديه في حسابه الشخصي المتمسك به ما يقارب ضعف هذا العدد، علاوة على أرشيف من 35 ألف تغريدة بالمقارنة مع 60 تغريدة فقط عبر حساب البيت الأبيض بعد أن تم تصفير العداد بمجرد أن غادر الرئيس السابق. ومعظم التغريدات الستين في الحساب الرسمي تكرار لتغريدات الأسبوع الأخير في الحساب الشخصي، وهذا ما يفسر عدم تخلي ترمب عن حسابه الشخصي على «تويتر» للحساب الرسمي الذي يديره البيت الأبيض.
ولكن من الملاحظ أن الأسلوب الذي درج عليه الحساب الرسمي بدأ يصيب الحساب الشخصي بالعدوى؛ فقد لوحظ أن ترمب بدأ يفرط في استخدام الوسائط المتعددة المصاحبة للتغريد من فيديوهات وتسجيلات لأنشطته وزياراته الرسمية، بأسلوب مشابه لما يتبعه البيت الأبيض، وكأنه قد بدأ يشرك مساعدين له في إدارة حسابه الشخصي، إذ إنه من غير المعقول أن يقضي بنفسه وقتًا في تحميل فيديو أو تسجيل لفعالية، بذاتها، في زحمة انشغاله بمهامه كرئيس للولايات المتحدة.
ومن اللافت أن التغريدات الأخيرة تضمنت مواد من هذا القبيل كزيارة ترمب للبنتاغون، ووزارة الأمن الداخلي، ومقر الاستخبارات الأميركية، وغيرها من الزيارات ذات الطابع الرسمي. ففي تغريدته عن زيارة البنتاغون اكتفى ترمب بجملة من ثلاث كلمات عبارة عن تهنئة للوزير ماتيس، ولم يضمنها على غير العادة أي لوم لأحد أو هجوم على أحد، أو انتقاد لأحد. وفي التغريدة التي سبقتها أرفق معها بيان البيت الأبيض عن ذكرى المحرقة (الهولوكوست) في محاولة لاستمالة اليهود على ما يبدو.
وبدأ الرئيس يخاطب شعبه بصورة عامة أو فئات معينة فيه بصورة إيجابية من قبيل الوعود بالوقوف معهم، وبالانحياز لمصالحهم. بل إنه بدأ يشيد بالآخرين ويتحدث بنوع من الرزانة الواضحة. وإذا ما أورد اسما أو ذكر شخصية معينة فغالبًا ما يكون ذلك إيجابيًا، مثل إشادته بعمدة ميامي المناهض له سياسيًا.
أما في الحالات التي تمثل قضية من القضايا المحورية لعهده مثل الخلاف مع المكسيك، فلم يعد همه هو الهجوم على شخص الرئيس المكسيكي أو المهاجرين القادمين من المكسيك بقدر ما أصبح يخوض في صلب القضية وهي إيراد خسائر الولايات المتحدة من المعاهدة الاقتصادية مع جارتها بالأرقام. كما لوحظ في تغريداته الأخيرة أنه بدأ بتقديم ما يشبه المرافعات دفاعًا عن سعيه لإلغاء المعاهدة مع المكسيك وتبريرًا لمواقفه السابقة الأكثر تشددًا. ولم يفته أن يشيد برئيس المكسيك على إلغاء زيارته لواشنطن، وإن كانت إشادة تحمل في طياتها الهجاء إلا أن الرئيس المغرد بدأ يتجنب الشتائم المباشرة أو الألفاظ الجارحة التي اعتاد متابعوه سماعها منه.
وبعد أن كانت تغريداته تهاجم بعنف شخصيات إعلامية معينة أو مقدمي برامج تلفزيونية بالاسم، فقد تحول إلى مهاجمة وانتقاد الإعلام بصورة عامة والاعتراف بأنه في حالة حرب مع الإعلام التقليدي. وفي الوقت الذي لم يكن يخلو فيه أسبوع واحد من هجوم شرس على محطة «سي إن إن» التي يعتبرها مناوئة له، فقد أصبح الآن يلوم ما يسميه الإعلام الليبرالي بصورة عامة. وإذا ما أراد ترامب التعريض بشبكة «سي إن إن» فإنه يعمد إلى الإشادة بمحطة «فوكس نيوز» المنافسة، أو الإعلان عن مقابلات مرتقبة له مع محطات أخرى.
والأكثر لفتًا للانتباه أن المغرد الرئيس يقول: «أنا لا أحب (تويتر) ولست مغرمًا بالتغريد، ولكنني مضطر لذلك من أجل إيصال صوتي». ويضيف في مقابلة تلفزيونية أجرتها معه محطة «فوكس نيوز»: «في ظل وجود إعلام تقليدي معاد لي ويستهدفني بشراسة كان لا بد لي من اللجوء لوسيلة غير تقليدية من أجل الدفاع عن شخصي وعن سياساتي، ومن أجل تفنيد الكم الهائل من الأخبار المفبركة ضدي».
ويستمر ترمب في تبرير إفراطه في التغريد، بالقول: «لو كانت الصحافة التقليدية تتسم بالأمانة والصدق، وهو ما تفتقده فعلا، لما لجأت إلى (تويتر) على الإطلاق».
هذا التبرير هو ما يطرحه ترمب، إذ إنه يعتقد أن الإعلام يناصبه العداء، ولكن ربما هناك سبب آخر أكثر إقناعًا، فأي متابع دائم لتغريدات ترمب سواء تلك التي جاءت بعد حفل التنصيب أو قبله، وسواء تلك التي كانت قبل فوزه في الانتخابات أو بعد إعلان فوزه، فإن معظمها قد تحول إلى عناوين رئيسية في الصحف والقنوات، وهذا الأمر في حد ذاته يعتبر مبررًا كافيًا لترمب بأن يواظب على التغريد، ولكنه في الوقت ذاته يتناقض مع الزعم بأن الصحف والقنوات تناصبه العداء، وأبشع أنواع العداء هو التجاهل وليس إبراز التغريدات في صدر الصفحات الأولى والعناوين الرئيسية للنشرات الإخبارية.
ويبقى القول إن أخطر الفروق بين تغريدات ترمب قبل الرئاسة من حسابه الشخصي وتغريداته أثناء الرئاسة من حسابه الرسمي هي أن الأولى لم تكن تتحول إلى قرارات رئاسية تنفيذية في حين أن التغريدات الحالية بعضها تحول بالفعل إلى قرارات تنفيذية تمس حياة الملايين، وهنا تكمن الخطورة.



فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
TT

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض. وترافق ذلك مع حالة من الإنكار لما كانت استطلاعات الرأي تُشير إليه عن هموم الناخب الأميركي، والأخطاء التي أدّت إلى قلّة التنبُّه لـ«الأماكن المخفية»، التي كان ينبغي الالتفات إليها.

لا ثقة بالإعلام الإخباري

وبمعزل عن الدوافع التي دعت جيف بيزوس، مالك صحيفة «واشنطن بوست»، إلى القول بأن «الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام الإخبارية» لتبرير الامتناع عن تأييد أي من المرشحيْن، تظل «الحقيقة المؤلمة» أن وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها، كانت سبباً رئيسياً، ستدفع الثمن باهظاً، جراء الدور الذي لعبته في تمويه الحقائق عن الهموم التي تقضّ مضاجع الأميركيين.

صباح يوم الأربعاء، ومع إعلان الفوز الكاسح لترمب، بدا الارتباك واضحاً على تلك المؤسسات المكتوبة منها أو المرئية. ومع بدء تقاذف المسؤوليات عن أسباب خسارة الديمقراطيين، كانت وسائل الإعلام هي الضحية.

وفي بلد يتمتع بصحافة فعّالة، كان لافتاً أن تظل الأوهام قائمة حتى يوم الانتخابات، حين أصرت عناوينها الرئيسية على أن الأميركيين يعيشون في واحد من «أقوى الاقتصادات» على الإطلاق، ومعدلات الجريمة في انخفاض، وعلى أن حكام «الولايات الحمراء» يُضخّمون مشكلة المهاجرين، وأن كبرى القضايا هي المناخ والعنصرية والإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً.

في هذا الوقت، وفي حين كان الجمهوريون يُسجلون زيادة غير مسبوقة في أعداد الناخبين، والتصويت المبكر، ويستفيدون من التحوّلات الديموغرافية التي تشير إلى انزياح مزيد من الناخبين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين نحو تأييد ترمب والجمهوريين، أصرّت العناوين الرئيسية على أن كامالا هاريس ستفوز بموجة من النساء في الضواحي.

جيف بيزوس مالك «واشنطن بوست» (رويترز)

عجز عن فهم أسباب التصويت لترمب

من جهة ثانية، صحيفة «وول ستريت جورنال»، مع أنها محسوبة على الجمهوريين المعتدلين، وأسهمت استطلاعاتها هي الأخرى في خلق صورة خدعت كثيرين، تساءلت عمّا إذا كان الديمقراطيون الذين يشعرون بالصدمة من خسارتهم، سيُعيدون تقييم خطابهم وبرنامجهم السياسي، وكذلك الإعلام المنحاز لهم، لمعرفة لماذا صوّت الأميركيون لترمب، ولماذا غاب ذلك عنهم؟

في أي حال، رغم رهان تلك المؤسسات على أن عودة ترمب ستتيح لها تدفقاً جديداً للاشتراكات، كما جرى عام 2016، يرى البعض أن عودته الجديدة ستكون أكثر هدوءاً مما كانت عليه في إدارته الأولى، لأن بعض القراء سئِموا أو استنفدوا من التغطية الإخبارية السائدة.

وحتى مع متابعة المشاهدين لنتائج الانتخابات، يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر، ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق. وبغضّ النظر عن زيادة عدد المشاهدين في الأمد القريب، يرى هؤلاء أن على المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام الإخبارية وضع مهامهم طويلة الأجل قبل مخاوفهم التجارية قصيرة الأجل، أو المخاطرة «بتنفير» جماهيرهم لسنوات مقبلة.

وهنا يرى فرانك سيزنو، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» ورئيس مكتب واشنطن السابق لشبكة «سي إن إن» أنه «من المرجح أن يكون عهد ترمب الثاني مختلفاً تماماً عمّا رأيناه من قبل. وسيحمل هذا عواقب وخيمة، وقيمة إخبارية، وينشّط وسائل الإعلام اليمينية، ويثير ذعر اليسار». ويضيف سيزنو «من الأهمية بمكان أن تفكر هذه القنوات في تقييماتها، وأن تفكر أيضاً بعمق في الخدمة العامة التي من المفترض أن تلعبها، حتى في سوق تنافسية للغاية يقودها القطاع الخاص».

صعود الإعلام الرقمي

في هذه الأثناء، يرى آخرون أن المستفيدين المحتملين الآخرين من دورة الأخبار عالية الكثافة بعد فوز ترمب، هم صانعو الـ«بودكاست» والإعلام الرقمي وغيرهم من المبدعين عبر الإنترنت، الذين اجتذبهم ترمب وكامالا هاريس خلال الفترة التي سبقت الانتخابات. وهو ما عُدَّ إشارة إلى أن القوة الزائدة للأصوات المؤثرة خارج وسائل الإعلام الرئيسية ستتواصل في أعقاب الانتخابات.

وفي هذا الإطار، قال كريس بالف، الذي يرأس شركة إعلامية تنتج بودكاست، لصحيفة «نيويورك تايمز» معلّقاً: «لقد بنى هؤلاء المبدعون جمهوراً كبيراً ومخلصاً حقّاً. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي يتّجه إليه استهلاك وسائل الإعلام، ومن ثم، فإن هذا هو المكان الذي يحتاج المرشحون السياسيون إلى الذهاب إليه للوصول إلى هذا الجمهور».

والواقع، لم يخسر الديمقراطيون بصورة سيئة فحسب، بل أيضاً تحطّمت البنية الإعلامية التقليدية المتعاطفة مع آرائهم والمعادية لترمب، وهذا ما أدى إلى تنشيط وسائل الإعلام غير التقليدية، وبدأت في دفع الرجال من البيئتين الهسبانيكية (الأميركية اللاتينية) والفريقية (السوداء) بعيداً عنهم، خصوصاً، العمال منهم.

يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق

تهميش الإعلام التقليدي

لقد كانت الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 50 مليون شخص، قد أصغوا إلى «بودكاست» جو روغان مع ترمب، حين قدم تقييماً أكثر دقة لمواقفه ولمخاوف البلاد من المقالات والتحليلات التي حفلت بها وسائل الإعلام التقليدية، عن «سلطويته» و«فاشيته» لتدمير المناخ وحقوق الإجهاض والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام، خصوصاً الليبرالية منها، تلزم الصمت في تقييم ما جرى، رغم أن توجّه الناخبين نحو الوسائل الجديدة عُدّ تهميشاً لها من قِبَل الناخبين، لمصلحة مذيعين ومؤثّرين يثقون بهم. وبالمناسبة، فإن روغان، الذي يُعد من أكبر المؤثّرين، ويتابعه ملايين الأميركيين، وصفته «سي إن إن» عام 2020 بأنه «يميل إلى الليبرالية»، وكان من أشد المؤيدين للسيناتور اليساري بيرني ساندرز، وقد خسره الديمقراطيون في الانتخابات الأخيرة عند إعلانه دعمه لترمب. وبدا أن خطاب ساندرز الذي انتقد فيه حزبه جراء ابتعاده عن الطبقة العاملة التي تخلّت عنه، أقرب إلى ترمب منه إلى نُخب حزبه، كما بدا الأخير بدوره أقرب إلى ساندرز من أغنياء حزبه الجمهوري.