صمت فيلم سكورسيزي من النوع الناطق

هل كانت نسخة شينودا أكثر مصداقية؟

«صمت» كما في نسخة مارتن سكورسيزي ‬ - نسخة ماساهيرو شينودا من «صمت»
«صمت» كما في نسخة مارتن سكورسيزي ‬ - نسخة ماساهيرو شينودا من «صمت»
TT

صمت فيلم سكورسيزي من النوع الناطق

«صمت» كما في نسخة مارتن سكورسيزي ‬ - نسخة ماساهيرو شينودا من «صمت»
«صمت» كما في نسخة مارتن سكورسيزي ‬ - نسخة ماساهيرو شينودا من «صمت»

في الشهر الأخير من العام الماضي، كان الموقف حيال فيلم «صمت» للمخرج مارتن سكورسيزي، وكما كتبناه هنا عنه، ما زال بدوره صامتًا. لم يكن قد باشر العرض وما جيء به من معلومات لم يكن لها علاقة بكيف تكوّن الفيلم أمام أعين المشاهدين، بل كيف توصّـل المخرج، وبعد معاناة أكثر من عشرين سنة بحثًا عن التمويل وسبل الإنتاج، إلى تحقيق حلم تحويل رواية شيساكو إندو إلى فيلم.
أما الآن فإن الفيلم ماثل في ساعتين و40 دقيقة أمام نقاد مجمعين (تقريبًا) على تقديره والاحتفاء به، وجمهور مؤلّـف من المداومين على أفلام سكورسيزي ويدركون الأبعاد الدينية التي عاش عليها وتأثر بها وبثها في أفلام كثيرة له.
هنا لا بد من ملاحظة أن الفيلم مبهر جماليًا. كل ما له علاقة بالبصريات، من تصميم مناظر وتصميم ملابس وتكوين الفترة الزمنية والموقع المكاني وكل ما يأتي في عداد تكوين الصورة رائع. ما هو في داخل هذا التكوين هو الإشكال الكبير لأنه من ناحية هو انعكاس لموضوع كبير لحكاية وقعت ولفترة زمنية تعاملت فيها حضارتان دينيتان مع بعضهما البعض، ومن ناحية أخرى هو إخفاق في نطاق معالجة كل ذلك على نحو يرتفع لمستوى الموضوع الواسع.
ما بين رواية شيساكو إندو، المنشورة سنة 1966. وبين هذا الفيلم المقتبس عنها، هناك فيلم ياباني رائع أخرجه ماساهيرو شينودا سنة 1971 بمعاينته يمكن التوقف عند حقيقة أن كلا الفيلمين، فيلم شينودا وفيلم سكورسيزي، اتفقا في جوانب كثيرة واختلفا في القليل منها.
عنف ياباني
رواية إندو، كما يمكن مطالعتها مترجمة، تدور حول وصول راهبين برتغاليين إلى اليابان في القرن الثامن عشر بحثًا عن راهب كاثوليكي اسمه الأب فيرييرا سبقهما إلى هناك واختفى وأخباره منذ خمس سنوات. الراهبان رودريغيز وغارابي يصلان في وقت متأزم. السلطات اليابانية في ذلك الحين منعت المسيحية في البلاد وعلى الراهبين أن يقوما بذلك البحث من دون إثارة ما يدل على وجودهما. لكن هذا شبه مستحيل وحال وصولهما إلى قرية كان زارها الأب فيرييرا وترك فيها فلاحين فقراء معدمين اتبعوا المسيحية بسببه تعرف السلطات بهما وتستنطق القرويين ثم تلقي القبض على رودريغيز بينما يمضي غارابي مستمرًا في بحثه في مناطق أخرى. ولاحقًا ما يُـلقى القبض على غارابي ويُـعاد إلى حيث ما زال رودريغيز يعاين احتمالات الموت والحياة على أيدي ساجنيه.
وفي الواقع، يعاين رودريغيز أكثر من ذلك. هو شاهد عيان على عنف السلطات اليابانية بحق المدنيين من قطع رؤوس إلى حرق أبدان إلى سلق في الماء الساخن وتعليق المحكوم عليهم من أقدامهم وتركهم ينزفون ببطء إلى إغراق مؤمنين في البحر. وغارابي هو أحد من يتم إغراقهم.
لكن المعاينة التي تساوي كل ذلك أهمية التي ترد في كلا الفيلمين هي تلك التي يعايشها الأب رودريغيز بينه وبين نفسه. إنه يمارس ما هو مؤمن به، لكن السؤال هو إلى أي حد هو مؤمن بما يمارسه؟
هذا السؤال مطروح في الفيلمين جيدًا فالصمت هو ما يثير دهشة الراهب بعدما وجد أن دعواته الحارة تمضي من دون استجابة ما يجعله يرتاب ويعبر عن ارتيابه ثم يرتد إلى رسالته ويذود عنها وكل هذا قبل أن يقنعه اليابانيون اتباع ديانة شينتو عوض المسيحية كونهم بحاجة لدحض صورته أمام تابعيه. اختيار صعب لكن رودريغيز يقبل به لكي ينجو من الموت.
في العملين هناك مواقع عدّة تعكس تلك الظروف القاسية للعيش بالنسبة للجميع من دون تغييب واقع من الفقر المرير بين سكان المنطقة التي تقع الأحداث فيها.
فيما يختلف الفيلمان فيه أن النسخة اليابانية سنة 1971 تعاملت، على نحو موسّـع، مع عنصر وقوع رودريغيز في حب امرأة يابانية، في حين يأتي هذا الأمر عارضًا في فيلم سكورسيزي ما يزيد هنا من ثقل أزمة الإيمان لديه من دون عناصر خارجية أخرى.
مسألة لغوية
يختلفان أيضًا في تصوير شدّة التعذيب. عند سكورسيزي أكثر إفصاحًا عن ضراوته. ليس أن ماساهيرو شينودا يميل إلى تقليل وقع العنف أو نقده لمواطنيه، بل هي طريقة تعامل مع مفهوم العمل وتعزيز الرسائل التي يحملها. لكن «صمت» شينودا له فضيلة لا يمكن للفيلم الحديث أن يجاريه فيها: إنه من صنع ياباني مائة في المائة بينما فيلم سكورسيزي أشبه إلى زيارة لتاريخ ومكان يابانيين. صحيح أنه لديه المبررات الوجدانية للقيام بهذه الزيارة إلا أن علينا، إزاء فيلمه، أن نتابع يابانيين فقراء معدمين يعيشون في قرى معزولة حتى عن حضارة القرن الثامن عشر لكنهم يتكلمون الإنجليزية بالقدر الكافي للتعبير.
لا حل سهلاً لذلك. الطريقة الوحيدة لتفادي الأمر هو جعل اليابانيين يتكلمون لغتهم والبرتغاليين يتكلمان لغتهما وبذلك يضيع التواصل بين الجميع ولا يتحرك الفيلم من مكانه مطلقًا. إلى ذلك، فإن رودريغيز وغارابي ومن قبلهما فيرييرا شخصيات برتغالية لم تتحدّث الإنجليزية أساسًا ما يجعل المسألة أكثر تعقيدًا واعتماد الإنجليزية كلغة مشتركة بين البرتغاليين واليابانيين الاختيار الوحيد المتاح.
ما هو معقد أيضًا، في فيلم سكورسيزي، أن الشخصيات البرتغالية ليس لديها في الكتابة ما يساعدها في التمثيل. نعم هناك الكثير من الحوار المتبادل وما يكفي من التعليق المعبر عن الذات وأكثر من ذلك من الوجدانيات، لكن شخصيتي رودريغيز، كما يؤديها أندرو غارفيلد وغارابي كما يمثلها أدام درايفر، تتحركان أكثر مما تكشفان. الشخصيات اليابانية حولهما ليس لديها مشكلة في أن تعكس ما تريده بإقناع. لكن حين نتابع رودريغيز وغارابي (الذي ينفصل عن الفيلم لنحو ساعة وربع قبل أن يعود قليلاً) فإن وجودهما ما يزال يبدو غريبًا لحد التأثير على مصداقية الوضع في الكثير من المشاهد.
ما يدور خلال ثلاث ساعات إلا قليلاً يمر بنبرة فاترة واحدة. مشاهد التعذيب تصدم قليلاً لكن ما قبلها وما بعدها يعود إلى حالة من انعدام الطاقة الكافية لسبر الموضوع باهتمام يتجاوز نجاح المخرج في تأليف بصرياته.
ما أن ينطلق الفيلم حتى نجد أنفسنا أمام عمل مشاد بصريًا ليكون أخاذًا. تصاميم إنتاجية وديكوراتية لجانب تصوير بكاميرا فيلم (وليس ديجيتال) من رودريغو برييتو (ثالث تعاون مع سكورسيزي) رائعة ومشاهد من على فوق الشخصيات كما لو أن هناك عينًا ما تراقب من فوق. هذا النجاح لا يواكبه قوّة دفع ذاتية تحرك المادة التي تقع في تكرار تجنّـبته نسخة شينودا.



شاشة الناقد: أزمات لا تنتهي

«الفتاة ذات الإبرة» (نوردسك فيلم برودكشنز)
«الفتاة ذات الإبرة» (نوردسك فيلم برودكشنز)
TT

شاشة الناقد: أزمات لا تنتهي

«الفتاة ذات الإبرة» (نوردسك فيلم برودكشنز)
«الفتاة ذات الإبرة» (نوردسك فيلم برودكشنز)

★★★ THE GIRL WITH THE NEEDLE‪,‬

أزمات لا تنتهي لامرأة في قاع الحياة

اهتمامات المخرج مانغوس ڤون هورن بالقضايا الاجتماعية قادته إلى كتابة هذا السيناريو المُعتم عن حالات يائسة تمرّ بها بطلة الفيلم تباعاً منذ بداية الفيلم وحتى دقائق قليلة قبل نهايته. سابقاً ما اهتم بمسائل مجتمعية في «أبدية» (Here After)، و«عَرق» (Sweat)، و«من دون ثلج» (Without Snow)، لكنه لم يسبق لأي من أفلامه أن تميّزت بهذا القدر من السوداوية التي يأتي بها في فيلمه الجديد.

كارولين (ڤِك كارمن سون) امرأة فقيرة تعمل في مصنع نسيج تعيش في شقة وزوجها غائب ولا خبر عنه. تقع الأحداث مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى. هي لا تعرف أن زوجها ما زال فعلاً على قيد الحياة وترتبط بعلاقة مع ثري يملك مصنعاً والآن هي حامل منه. فجأة يظهر زوجها بقناع من الجلد يغطي وجهه المشوّه. تطرده من البيت وتخفي عن عشيقها عودة زوجها وتطلب منه الزواج بها. يوافق لكن والدته تطردها. هذا النصف الأول من الفيلم بالغ القتامة لكن النصف الثاني أكثر منه بؤساً. بعد مشّقات عدّة تضع طفلها ثم تمنحه لامرأة تُتاجر بالأطفال. هذه تضمّ إليها أطفالاً لا تود الأمهات الاحتفاظ بهم وتقتلهم لاحقاً. بينهم طفل كارولين من حيث لا تعلم في بداية الأمر.

تُتابع المآسي والأزمات، مادية وعاطفية وجسدية، لا يحوّل الفيلم إلى واحد من تلك الميلودراميات ولو أنه، في أحيان، يصبح أصعب من أن يتحمّله المشاهد لكثرة فواجعه. ما يمنعه من السقوط أداء الممثلة كارمن سون الجيد وحقيقة أن المخرج يربط حكايتها بإطار وثيق مع المجتمع الذي تقع الأحداث فيه. يوفر نظرة قاسية على كيف كان الوضع في كوبنهاغن وكيف كانت حياة فقرائها ولو أنه يختصّ، تبعاً لموضوعه، بالمرأة في هذا الإطار.

الصورة التي يرسمها للشوارع والمنازل والأزقة، وتلك التي تُوصم الشخصيات المحيطة ببطلته تزيد من قسوة الوضع الماثل. إلى ذلك، هذا فيلم بالأبيض والأسود عمداً وقصداً، مما يجعل الفيلم منفياً من دلالات يمكن للفيلم الملوّن الإيحاء بها. أبيض أسود (والأسود هنا أكثر بروزاً في التصوير) يلائم سوداوية الحكاية وحياة بطلتها.

هناك إصرار من قِبل المخرج على سرد حكاية لا أمل فيها (إلا في الدقائق الأخيرة) في فترة لم يكن للمرأة أي حقوق. لكن الجيد أيضاً هنا أن المخرج لا يقصد تقديم مقارنات أو الاحتفاء بقضية نسوية. يكفي الفيلم ما يسرده بعيداً عن السياسات الدارجة ليوصل رسالة تدمغ الحياة في تلك الفترة ضمن البيئة المجتمعية التي يتناولها.

• عروض مسابقة النقاد العرب للأفلام الأوروبية

★★ THELMA

ملحمة تاريخية بأسلوب ساخر

‫في فيلمه الثاني، من بعد «The Harder They Fall»، قبل ثلاث سنوات. يواصل المخرج جيمس صموئيل طريقته في اختيار نوع (Genre) لتقديم مضمون جديد فيه. استخدم في الفيلم السابق نوع الوسترن لتقديم حكاية تؤمها شخصيات أفرو-أميركية وخلفية من البيض الأشرار. كان فيلم وسترن سباغتّي لافتاً ينتمي إلى أفلام الغرب الأميركي التي تخلو من الواقع في أي معيار أو اتجاه. الفيلم الجديد هو فيلم ديني حول الفترة التي عاش فيها السيد المسيح في القدس (ولو أن التصوير تم في بلدة إيطالية تُشرف على جبال ووديان خضراء لا مثيل لها في فلسطين). في كلا الفيلمين يُزين المخرج الحكاية المعروضة بموسيقى راب وهيب هوب وبعض السول.‬

جون سكويب وريتشارد راوندتري في «ثلما» (باندواغون)

كلارنس (لاكيث ستانفيلد) يخسر، في مطلع الفيلم، سباق عربات أمام ماري المجدلية (تيانا تايلور). كان يأمل ربح السباق لكي يدفع دَينه لمرابي الذي منحه 29 يوماً للدفع. ينطلق، مع صديقه إليجا (آر جي سايلر)، بحثاً عن حل يحدّ من اعتناق المسيحية والانضمام إلى الحواريين الـ12 (على أساس أن يكون الـ13) هو الحل، لكن هؤلاء يشكّكون في إيمانه فينطلق لاستخدام حيلة على أساس أنه يستطيع إنجاز الأعجوبات كما المسيح نفسه، ولا بأس إذا ما أنجز بعض الربح خلال ذلك.

الفيلم يحوي كثيراً من الإشارات التي تستخدم التاريخ وولادة المسيحية كطرح أسئلة وتساؤلات حول المسلّمات من خلال حكاية بديلة لما توارثته المسيحية من قناعات وفي أسلوب ساخر. يذهب المخرج بحكايته في اتجاهات عدّة ليس من بينها ما يرتفع مستواه عن اتجاه آخر. هذه وحدة عمل بلا ريب لكنها تخفي رغبة في توفير «خلطة فوزية» لإيصال الرسالة البديلة التي في فحوى الفيلم.

أبطال هذا الفيلم، وباقي الشخصيات المساندة وكما في الفيلم السابق أيضاً، من السود (باستثناء القادة والحرس الرومانيين). لافت أن بعضهم يُدمن استخدام الحشيش والأفيون في ذلك الحين ولو أن هذا يأتي في عداد السخرية من التاريخ.

• عروض مهرجان صندانس