شاشة الناقد: أزمات لا تنتهي

«الفتاة ذات الإبرة» (نوردسك فيلم برودكشنز)
«الفتاة ذات الإبرة» (نوردسك فيلم برودكشنز)
TT
20

شاشة الناقد: أزمات لا تنتهي

«الفتاة ذات الإبرة» (نوردسك فيلم برودكشنز)
«الفتاة ذات الإبرة» (نوردسك فيلم برودكشنز)

★★★ THE GIRL WITH THE NEEDLE‪,‬

أزمات لا تنتهي لامرأة في قاع الحياة

اهتمامات المخرج مانغوس ڤون هورن بالقضايا الاجتماعية قادته إلى كتابة هذا السيناريو المُعتم عن حالات يائسة تمرّ بها بطلة الفيلم تباعاً منذ بداية الفيلم وحتى دقائق قليلة قبل نهايته. سابقاً ما اهتم بمسائل مجتمعية في «أبدية» (Here After)، و«عَرق» (Sweat)، و«من دون ثلج» (Without Snow)، لكنه لم يسبق لأي من أفلامه أن تميّزت بهذا القدر من السوداوية التي يأتي بها في فيلمه الجديد.

كارولين (ڤِك كارمن سون) امرأة فقيرة تعمل في مصنع نسيج تعيش في شقة وزوجها غائب ولا خبر عنه. تقع الأحداث مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى. هي لا تعرف أن زوجها ما زال فعلاً على قيد الحياة وترتبط بعلاقة مع ثري يملك مصنعاً والآن هي حامل منه. فجأة يظهر زوجها بقناع من الجلد يغطي وجهه المشوّه. تطرده من البيت وتخفي عن عشيقها عودة زوجها وتطلب منه الزواج بها. يوافق لكن والدته تطردها. هذا النصف الأول من الفيلم بالغ القتامة لكن النصف الثاني أكثر منه بؤساً. بعد مشّقات عدّة تضع طفلها ثم تمنحه لامرأة تُتاجر بالأطفال. هذه تضمّ إليها أطفالاً لا تود الأمهات الاحتفاظ بهم وتقتلهم لاحقاً. بينهم طفل كارولين من حيث لا تعلم في بداية الأمر.

تُتابع المآسي والأزمات، مادية وعاطفية وجسدية، لا يحوّل الفيلم إلى واحد من تلك الميلودراميات ولو أنه، في أحيان، يصبح أصعب من أن يتحمّله المشاهد لكثرة فواجعه. ما يمنعه من السقوط أداء الممثلة كارمن سون الجيد وحقيقة أن المخرج يربط حكايتها بإطار وثيق مع المجتمع الذي تقع الأحداث فيه. يوفر نظرة قاسية على كيف كان الوضع في كوبنهاغن وكيف كانت حياة فقرائها ولو أنه يختصّ، تبعاً لموضوعه، بالمرأة في هذا الإطار.

الصورة التي يرسمها للشوارع والمنازل والأزقة، وتلك التي تُوصم الشخصيات المحيطة ببطلته تزيد من قسوة الوضع الماثل. إلى ذلك، هذا فيلم بالأبيض والأسود عمداً وقصداً، مما يجعل الفيلم منفياً من دلالات يمكن للفيلم الملوّن الإيحاء بها. أبيض أسود (والأسود هنا أكثر بروزاً في التصوير) يلائم سوداوية الحكاية وحياة بطلتها.

هناك إصرار من قِبل المخرج على سرد حكاية لا أمل فيها (إلا في الدقائق الأخيرة) في فترة لم يكن للمرأة أي حقوق. لكن الجيد أيضاً هنا أن المخرج لا يقصد تقديم مقارنات أو الاحتفاء بقضية نسوية. يكفي الفيلم ما يسرده بعيداً عن السياسات الدارجة ليوصل رسالة تدمغ الحياة في تلك الفترة ضمن البيئة المجتمعية التي يتناولها.

• عروض مسابقة النقاد العرب للأفلام الأوروبية

★★ THELMA

ملحمة تاريخية بأسلوب ساخر

‫في فيلمه الثاني، من بعد «The Harder They Fall»، قبل ثلاث سنوات. يواصل المخرج جيمس صموئيل طريقته في اختيار نوع (Genre) لتقديم مضمون جديد فيه. استخدم في الفيلم السابق نوع الوسترن لتقديم حكاية تؤمها شخصيات أفرو-أميركية وخلفية من البيض الأشرار. كان فيلم وسترن سباغتّي لافتاً ينتمي إلى أفلام الغرب الأميركي التي تخلو من الواقع في أي معيار أو اتجاه. الفيلم الجديد هو فيلم ديني حول الفترة التي عاش فيها السيد المسيح في القدس (ولو أن التصوير تم في بلدة إيطالية تُشرف على جبال ووديان خضراء لا مثيل لها في فلسطين). في كلا الفيلمين يُزين المخرج الحكاية المعروضة بموسيقى راب وهيب هوب وبعض السول.‬

جون سكويب وريتشارد راوندتري في «ثلما» (باندواغون)
جون سكويب وريتشارد راوندتري في «ثلما» (باندواغون)

كلارنس (لاكيث ستانفيلد) يخسر، في مطلع الفيلم، سباق عربات أمام ماري المجدلية (تيانا تايلور). كان يأمل ربح السباق لكي يدفع دَينه لمرابي الذي منحه 29 يوماً للدفع. ينطلق، مع صديقه إليجا (آر جي سايلر)، بحثاً عن حل يحدّ من اعتناق المسيحية والانضمام إلى الحواريين الـ12 (على أساس أن يكون الـ13) هو الحل، لكن هؤلاء يشكّكون في إيمانه فينطلق لاستخدام حيلة على أساس أنه يستطيع إنجاز الأعجوبات كما المسيح نفسه، ولا بأس إذا ما أنجز بعض الربح خلال ذلك.

الفيلم يحوي كثيراً من الإشارات التي تستخدم التاريخ وولادة المسيحية كطرح أسئلة وتساؤلات حول المسلّمات من خلال حكاية بديلة لما توارثته المسيحية من قناعات وفي أسلوب ساخر. يذهب المخرج بحكايته في اتجاهات عدّة ليس من بينها ما يرتفع مستواه عن اتجاه آخر. هذه وحدة عمل بلا ريب لكنها تخفي رغبة في توفير «خلطة فوزية» لإيصال الرسالة البديلة التي في فحوى الفيلم.

أبطال هذا الفيلم، وباقي الشخصيات المساندة وكما في الفيلم السابق أيضاً، من السود (باستثناء القادة والحرس الرومانيين). لافت أن بعضهم يُدمن استخدام الحشيش والأفيون في ذلك الحين ولو أن هذا يأتي في عداد السخرية من التاريخ.

• عروض مهرجان صندانس


مقالات ذات صلة

الفيلم المصري «سنووايت» يُراهن على جمهور الخليج

يوميات الشرق لقطة من فيلم «سنووايت» (الشركة المنتجة)

الفيلم المصري «سنووايت» يُراهن على جمهور الخليج

يُراهن صناع الفيلم المصري «سنووايت» على عرضه بالصالات السينمائية بالخليج وتحقيقه نجاحاً عقب طرحه الشهر الماضي في مصر إذ تنطلق العروض من السعودية نهاية الأسبوع.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان اللبناني جورج خباز والممثلة الألمانية هانا شيغولا في فيلم «يونان» المرشّح لجائزة الدب الذهبي (إنستغرام)

جورج خبَّاز و«يونان» ينافسان على «الدب الذهبي»

يسافر الفنان اللبناني جورج خباز بعد أيام إلى برلين للمشاركة في مهرجانها السينمائي، حيث ينافس فيلم «يونان» الذي أدَّى بطولته على جائزة «الدب الذهبي» العريقة.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق إليان أغلقت الأدراج على مشروعات أفلامها (الشرق الأوسط)

المخرجة اللبنانية إليان الراهب: لا أحب الأفلام الروائية

قالت المخرجة اللبنانية إليان الراهب، إن أعمالها الوثائقية تحمل طابعاً سياسياً، وإن الأفلام الوثائقية قامت بالتأريخ للحرب الأهلية.

انتصار دردير (الإسماعيلية (مصر))
يوميات الشرق الممثلة ديمي مور تتلقى جائزة أفضل ممثلة خلال توزيع جوائز اختيار النقاد «كريتيكس تشويس» في لوس أنجليس (رويترز)

ديمي مور تفوز بجائزة «اختيار النقاد»... وتقترب من الأوسكار

فازت ديمي مور بجائزة أفضل ممثلة خلال توزيع جوائز اختيار النقاد «كريتيكس تشويس» الجمعة في لوس أنجليس.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس (الولايات المتحدة))
يوميات الشرق فيلم «The Seven Dogs» يتم تصويره في استوديوهات الحصن بالسعودية (حساب المستشار تركي آل الشيخ بـ«فيسبوك»)

كواليس تصوير «The Seven Dogs» تحظى باهتمام في مصر

حظيت كواليس تصوير فيلم «The Seven Dogs» باهتمام في مصر، وتصدر اسم الفنان المصري كريم عبد العزيز مؤشرات البحث بموقع «غوغل» في مصر، الجمعة.

داليا ماهر (القاهرة )

نماذج لأفلام عن السُّلطة والقضايا الشائكة

جون هيرت في «1984» (ڤيرجن)
جون هيرت في «1984» (ڤيرجن)
TT
20

نماذج لأفلام عن السُّلطة والقضايا الشائكة

جون هيرت في «1984» (ڤيرجن)
جون هيرت في «1984» (ڤيرجن)

يكاد لا يخلو فيلم من حتمية المواجهة بين إنسان وآخر أو بين إنسان وظروف أو بينه وبين أي نوع من المخاطر خيالية كانت أو واقعية. في الحقيقة، هناك خيط رابط بين ألوف الأفلام، منذ بدء التاريخ، التي تتحدّث عن السّطوة أو السُلطة أو القوّة الطاغية رمزية كانت أو طبيعية أو مجتمعية.

حتى تلك التي لا تبدو موجهّة لتصوير صراع الفرد ضد الآخر (قد يكون متمثلاً في رحلة رجل وحيد في قارب أو متسلق جبال أو صراعه مع الظروف الصعبة أو غزاة من الأرض أو من كواكب أخرى) هي في حقيقتها عن مجابهة أو أكثر ضد ذلك الآخر أدمياً كان أو غير آدمي.

توم كروز في «تقرير الأقلية» (توتنتيث سنتشري فوكس)
توم كروز في «تقرير الأقلية» (توتنتيث سنتشري فوكس)

قاتل مقنّع

في أفلام الغرب الأميركي (القديم منه والحديث) تيمة واسعة الانتشار حول الغريب الذي يصل إلى البلدة ليكتشف أن هناك شريراً يمتلك الكلمة الفاصلة فيما يخص كل شيء فيها. الغالب هنا أن الشرير هو من طبقة أعلى من طبقة باقي قاطني البلدة. هو شخص جشع يُقاتل ويقتل في سبيل السيادة على البلدة أو المقاطعة لأن ذلك سيزيد من دخله.

يتبدَّى ذلك، على سبيل المثال فقط، في فيلم مارتن سكورسيزي الأخير «قتلة فلاور مون» (2023) حيث يعمد صاحب المصرف للجريمة ليؤمن وراثة أغنياء من غير البيض. في «Shane» لجورج ستيڤنز (1953) مشروع استيلاء على الأراضي الزراعية يتصدَّى له غريب (آلان لاد) دفاعاً عن المزارعين. في «غير المُسامَح» (Unforgiven) لكلينت إيستوود (1992)، المواجهة بين فلاَّح فقير (إيستوود) سيقوم بمهمَّة قتل مدفوعة الأجر وبين شريف البلدة (جين هاكمن) الذي يمثِّل السُلطة.

ويمكن الذهاب بعيداً إلى مغامرات «زورو» لأنها تقوم على هذا النحو من السُلطة يواجهها مقاتل مقنَّع هدفه مساعده العامَّة من الناس.

لا غِنى عن معاينة أدب ويليام شكسبير والأفلام التي حُقّقت عنه (بالمئات). إنه الصراع على السُلطة لكن بين مالكيها، كما الحال في «هاملت» و«ماكبث» و«الملك لير». وهي حتى في «روميو وجولييت» حيث العاشقين غير متساويين اجتماعياً وفي «تاجر البندقية» حيث المُرابي هو بمثابة الدولة العميقة في مفهوم اليوم.

والدولة العميقة موجودة في فيلمين من السبعينات لمخرج واحدٍ هو آلان ج. باكولا وهما «كل رجال الرئيس» (All the President‪’‬s Men) في 1976، وخصوصاً «مشهد المنظر» (A Parallax View) حيث يكتشف الصحافي وجود نظامٍ داخل النظام الأميركي يُدير البلاد.

لكن الأمر لا يحتاج إلى أفلام تعالج وضعاً فعلياً أو أفلام ذات دلالات واضحة لكي يُصوّب السّهم إلى السُلطة. قد يكون الوضع في نطاق المخلوقات الفضائية التي تزور الأرض لحكم من عليها كما في «حرب العالمين» (War of the World) بنسختي بايرون هاسكين (1957) أو ستيڤن سبيلبرغ (2005). أولهما يتبع تياراً من أفلام الخيال العلمي عن مخلوقات تريد استعمار هذا الكوكب من بينها (It Came from Outer Space) «جاء من الفضاء الخارجي» لجاك أرنولد (1953)، و«ناهشو الجسد» (Invasion of the Body Snatchers) لدون سيغل (1956).

نظرة إلى سلسلة «ستار وورز» (وعلى الأخص ثلاثيّتها الأولى) تأتي بنماذج عن الصراع ضد السُّلطة المتمثِّلة بشخصية «دارث ڤيدر». في فيلم سبيلبرغ الجيد «The Minority Report» في 2002 حكاية تقع في المستقبل حيث النظام الذي يحكم الولايات المتحدة، حسب الفيلم، يُسيطر على كل همسة وحركة يأتي بها الفرد.

وارن بيتي في «مشهد المنظر» (براماونت).
وارن بيتي في «مشهد المنظر» (براماونت).

توقعات أورويل

على أن ما تبديه بعض الأفلام كقراءات خلفية (أو بين اللقطات) هو واضح للعيان في أفلام أخرى. رواية جورج أورويل «1984» هي عن العالم وقد أصبح محكوماً بنظام فاشي. ليس أن ذلك حدث في الثمانينات كما توقع أورويل، لكن سبر غور الكيفية التي تُدار بها حياتنا اليومية الحاضرة حيث أجهزة المراقبة ترصد الناس في البيوت والشوارع والمعلومات التي تختزنها أجهزة الكمبيوتر والهواتف الجوَّالة وتتصرف بها على هواها.

نشوء الفاشية الإيطالية معبَّر عنه في أكثر من فيلم، من بينها عملان للمخرج برناردو برتولوتشي هما «1900» عن رجلين (جيرارد ديبارديو وروبرت دي نيرو) وُلد كلُ واحد منهما في جانب مواجه للآخر سياسياً. أحدهما اعتنق الفاشية والآخر ثار ضدها، و«الملتزم» (1970) حيث ينتمي بطل الفيلم جان - لوي ترتينيا للنظام الذي يطلب منه تصفية أعدائه.

وهناك مخرجون إيطاليون عديدون عاينوا تيمات الصراع ضد الفاشية (ممثلة بوضوح أو مغلَّفة) كما حال المخرجين باولو وڤيتوريو تاڤياني في «ليلة النجوم السائرة» (Night of the Shooting Stars) في 1982، وفيلم إيتوري سكولا «يوم خاص» (1970)، وأعمال سابقة لروبرتو روسيليني وڤيتوريو دي سيكا.

ولا نزال نتلقَّف كل عام أفلاماً معادية للنازية على غرار (The Zone Of Interest) «منطقة الاهتمام» لجوناثان غلازر في عام 2023.

هذا التيار المعادي للنازية يسير على خطِ أعمالٍ فنية قيِّمة مثل «مَفيستو» لإستفان شابو (1981) و«حياة الآخرين» (The Lives of the Others) لفلوريان هنكل ڤون دونرسمارك (1996). قبلهما وجَّه تشارلي شابلن رسالته المعادية للنازية في «الدكتاتور العظيم» (1940) وذلك قبل دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية.