كل من عمرو واكد وأحمد الفيشاوي ظهرا معًا قبل أكثر من عشر سنوات عندما اختيرا ليكونا من ضمن ممثلي فيلم يسري نصر الله «جنينة الأسماك». على الأقل كان ذلك الفيلم عملاً هادفًا على الرغم من عثراته، على عكس هذا التعاون الجديد الذي ينقلهما إلى صدارة ما يعد أن يكون مشوّقًا. حكايته تدور حول شقيقين يجيدان السحر وألعاب الخفّـة ويريدان توظيف ذلك في حيلة لتهريب والديهما من السجن. إخراج: بيتر ميمي.
البر التاني فيلم علي إدريس يطرق باب الهجرة غير الشرعية من مصر إلى الجنوب الأوروبي عبر البحر. يطرق فقط. الموضوع المهم والذي كان يمكن أن يكون ملهمًا، يرضخ لشروط الكتابة (بقلم زينب عزيز) التي بمقتضاها على الفيلم أن يتحدث طويلاً عما سوف نراه… ولا نراه سوى في ثلث ساعته الأخير، أبطاله إما يودون الهجرة (محمد علي، عمرو القاضي، محمد مهران) وأما ماكثون في أرض الآباء والأجداد (الجيد عبد العزيز مخيون، حنان سليمان، عفاف شعيب) والفريقان يعانيان كثيرًا من أوضاع وعلاقات عاطفية متداخلة وكذلك المشاهِـد. Behemoth هذا الفيلم الصيني لزاو ليانغ يكشف عن أحد أكثر مشاكل الصين البيئية حدّة ويختتم مدة عرضه (نحو ساعة ونصف) بنقد حاد. يدور حول قيام شركات صينية بالتنقيب عن الفحم في منغوليا واستخراجه. يصوّر كل أن السهوب الخضراء والطبيعة الجذابة للبلاد تتحول إلى أنقاض بفعل عمليات الحفر. ثم يغير الفيلم على عمال المناجم الذين يعانون بالنتيجة من آثار صحية جسيمة بسبب ما يقومون به من أشغال. في النهاية، ها هي مدينة جميلة ذات طراز حديث مشادة لهم، لكن أحدًا لا يسعه العيش فيها. The Founder من أسس «ماكدونالدز» لم يكن أصحاب ذلك الاسم، بل شخص اسمه راي كروك، راهن على الفكرة عندما توجه إلى الشقيقين ماك ودِك ماكدونالد وساعدهما على تحويل مطعمهما إلى مؤسسة تدر بلايين الدولارات كل سنة. كروك توفي سنة 1984 وترك ثروة كبيرة ومذكرات يحكي فيها كل شيء. الفيلم، من إخراج جون لي هانكوك الذي يعتقد أن كثرة القطع بين اللقطات ستمد الفيلم بالإثارة التي هي غير مطلوبة في مثل هذه الأعمال خصوصًا إذا ما كان مايكل كيتون هو من يقوم بدور البطولة بكل ما أوتي من نشاط. The Bye Bye Man تصوّر فكرة مبنية على رجل مخيف كان يجول بين الأحياء ليلاً مسلحًا ببندقية ليسأل الناس إذا ما تحدثوا عنه: «هل أخبرت أحدًا عني؟». أولئك الذين لا يكذبون معترفين بأنهم تحدثوا بالفعل عنه، يطلق النار عليهم ويمضي. هذه هي خلفية الأحداث التي نراها ولا نكترث لها. فيلم رعب حول أربعة أصدقاء يواجهون هذا الرجل الذي يظهر كلما ذكرت لقبه «رجل الباي باي»! الفيلم يقصد أن يكون رعبًا، لكن الرعب هنا يمر كمهازل ضاحكة.
يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.
لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.
الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.
في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟
هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.
* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».
THE WRESTLER ★★
* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).
يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.
هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.
يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.
* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».
ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★
* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).
قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).
نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.
اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.
* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»
★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز