الرئيس الأميركي يهدد بإرسال القوات الفيدرالية إلى شيكاغو لوقف العنف

قال إن 228 حادثة إطلاق نار في 2017 أسقطت 42 قتيلاً

صورة أرشيفية لمتظاهرين ضد الرئيس ترمب في 10 نوفمبر 2016 (أ.ب)
صورة أرشيفية لمتظاهرين ضد الرئيس ترمب في 10 نوفمبر 2016 (أ.ب)
TT

الرئيس الأميركي يهدد بإرسال القوات الفيدرالية إلى شيكاغو لوقف العنف

صورة أرشيفية لمتظاهرين ضد الرئيس ترمب في 10 نوفمبر 2016 (أ.ب)
صورة أرشيفية لمتظاهرين ضد الرئيس ترمب في 10 نوفمبر 2016 (أ.ب)

هدّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالتدخل الفيدرالي في مدينة شيكاغو مساء الثلاثاء، إذا لم تفلح المدينة في بذل المزيد من الجهود للتصدي لجرائم العنف، مثيرًا موجة جديدة من الانتقادات التي وجهها إلى المدينة خلال حملته الانتخابية الرئاسية.
وغرد الرئيس الأميركي عبر حسابه الرسمي على موقع «تويتر» عند الساعة 09:30 مساء بتوقيت واشنطن قائلاً: «إذا لم توقف شيكاغو المجازر الرهيبة المستمرة هناك، 228 حادثة لإطلاق النار في عام 2017 مع سقوط 42 قتيلاً (مسجلاً ارتفاعًا بنسبة 24 في المائة عن عام 2016)، فسوف أرسل العملاء الفيدراليين إلى المدينة».
ولقد جاءت تغريدة الرئيس الأميركي بعد بث برنامج «أورايلي فاكتور» على قناة فوكس نيوز الإخبارية، والذي عرض جانبًا أوضح فيه المضيف بيل أورايلي كيف يمكن للحكومة الفيدرالية التدخل في مكافحة حوادث العنف من خلال وجود مكثف للسلطات الفيدرالية للتحقيق في الكثير من الحوادث، أو ربما الاضطرار إلى استدعاء الحرس الوطني الأميركي.
ويبدو أن برنامج أورايلي، إلى جانب تغريدة الرئيس الأميركي، ينبعان من مقالة نشرت يوم الاثنين في صحيفة شيكاغو تريبيون ذكر فيها أن هناك المزيد من حالات إطلاق النار وحوادث القتل أكثر بكثير من الفترة نفسها من العام الماضي. وقالت الصحيفة أيضا إنه اعتبارا من صباح يوم الاثنين الماضي، «أطلق النار على ما يقرب من 228 شخصًا في شيكاغو حتى الآن من العام الحالي، بزيادة قدرها 5.5 في المائة عن 216 حالة إطلاق للنار في الفترة نفسها من العام الماضي». كما أفادت الصحيفة بأن هناك ما لا يقل عن 42 جريمة قتل مسجلة في المدينة، بزيادة قدرها 23.5 في المائة خلال الفترة نفسها من عام 2016.
وقال المتحدث باسم رام ايمانويل، عمدة مدينة شيكاغو، ردًا على تغريدة الرئيس ترمب، إن العمدة قد تحدث عدة مرات حول كيفية تدخل الحكومة الفيدرالية ومساعدتها في التعامل مع جرائم العنف المتفشية في المدينة، ولقد فعل ذلك بنفسه في وقت سابق من مساء الثلاثاء في برنامج تلفزيوني مذاع في الأخبار المحلية بالمدينة.
وأصدر إيدي جونسون، مدير شرطة شيكاغو، بيانًا جاء فيه: «كما صرح عمدة المدينة قبل عدة ساعات، فإن إدارة الشرطة في شيكاغو أكثر من مستعدة للعمل والتعاون مع الحكومة الفيدرالية لبناء الشراكة المثمرة مع وزارة العدل، ومكتب التحقيقات الفيدرالية، وإدارة مكافحة المخدرات، ومكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات، وتعزيز معدلات الملاحقات القضائية الفيدرالية المعنية بجرائم حيازة الأسلحة وإطلاق النار في شيكاغو».
ومساء الثلاثاء، أشار المتحدث باسم شرطة شيكاغو إلى إحصائيات تختلف عن تلك التي ذكرها الرئيس دونالد ترمب وذكرتها صحيفة «شيكاغو تريبيون». فمنذ بداية عام 2017 فحسب، كما قال المتحدث الرسمي، فقد أطلق النار على 234 شخصا في المدينة، وسقط منهم 38 شخصا قتيلا، مقارنة مع 227 شخصا أطلق عليهم النار خلال الفترة نفسها من بداية عام 2016، وسقط منهم 33 قتيلا. ومن غير الواضح السبب في اختلاف الرقم (42) الذي جاء ذكره في تغريدة ترمب وبرنامج السيد أورايلي وصحيفة «شيكاغو تريبيون»، عن ذلك الذي ذكرته إدارة شرطة شيكاغو.
وعرض برنامج «أورايلي فاكتور» فيلم فيديو قصير لترمب في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في الصيف الماضي، متحدثًا فيه عن حوادث القتل المتعددة في مدينة شيكاغو ومتعهدا بأن: «الجرائم والعنف التي تلحق الأذى اليوم بأمتنا سوف تنتهي قريبًا، وأنا أعني ما أقول، قريبًا جدًا».
وفي خطاب التنصيب يوم الجمعة الماضي، قال ترمب: «هذه المجازر الأميركية سوف تنتهي اعتبارًا من اليوم، وسوف تنتهي إلى الأبد». وفي تغريدة سابقة خلال الشهر الحالي، أشار ترمب إلى الارتفاع الكبير في معدلات جرائم القتل قبل حث السيد إيمانويل على طلب المساعدة من الحكومة الفيدرالية إذا ما احتاج إليها.
ولقد سقطت مدينة شيكاغو في هوة الأخبار السيئة، إذ شهدت المدينة ما لا يقل عن 762 جريمة قتل في عام 2016، وهي أسوأ إحصائية مسجلة لجرائم القتل في العشرين سنة الماضية والأكثر دموية من أكبر مدينتين في الولايات المتحدة، لوس أنجليس ونيويورك مجتمعتين. وترتفع وتيرة أعمال العنف في المدينة حتى مع معاناة شيكاغو بسبب العلاقات المتوترة نسبيا بين قوة الشرطة وسكان المدينة، وخصوصا مع الأميركيين الأفارقة. فخلال الشهر الحالي، أصدرت وزارة العدل الأميركية تقريرًا لاذعًا وصفت فيه حالات الفشل في كل أرجاء إدارة الشرطة في المدينة، بما في ذلك الاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة، وخصوصًا ضد المواطنين من أصول أفريقية ولاتينية.
وكان القس جيسي جاكسون، زعيم ومناصر الحقوق المدنية، صريحا بدرجة كبيرة حول ضرورة وضع حد نهائي لأعمال العنف المتفشية في المدينة، وبدا منتقدا لتغريدة الرئيس ترمب ورد عليها بتغريدة من جانبه قال فيها: «نحن في حاجة إلى خطة، وليس إلى التهديد. في حاجة إلى الوظائف، وليس إلى السجن».
* خدمة «نيويورك تايمز»



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟