مسؤول فلسطيني: تلقينا تطمينات بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس

عباس يتطلع للعمل مع الرئيس الأميركي الجديد... وأوروبا لن تنقل سفاراتها

مسؤول فلسطيني: تلقينا تطمينات بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس
TT

مسؤول فلسطيني: تلقينا تطمينات بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس

مسؤول فلسطيني: تلقينا تطمينات بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس

كشف مصدر فلسطيني مسؤول لـ«الشرق الأوسط»، عن تلقي القيادة الفلسطينية رسائل مطمئنة، حول تجميد الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، خطة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، في مسعى منه لدفع عملية سياسية جديدة في المنطقة.
وأكد المصدر أن مسألة نقل السفارة لم تعد قائمة في هذه المرحلة، بحسب معلومات رسمية جديدة.
ولم يشر المصدر إلى الجهة التي أبلغت السلطة تلك الرسالة، لكنه أكد أن ثمة ارتياحا كبيرا في رام الله الآن، بسبب التخلص من الضغط الذي كان يسببه الأمر.
وجاءت التطورات الجديدة، بعد تهديدات فلسطينية مباشرة، بسحب الاعتراف بإسرائيل ومواقف عربية وأوروبية وروسية مساندة.
وسألت «الشرق الأوسط» الدكتور أحمد مجدلاني، وهو عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ومساعد كبير للرئيس عباس، حول ما يجري، فرد قائلا إن المؤشرات الأولية لديهم تؤكد تراجع ترمب عن وعده.
وأضاف مجدلاني: «الإدارة الأميركية أبقت الأمر عند حدوده، أي وعد انتخابي فقط». وتابع: «ثمة عوامل متعددة ساعدت على تراجع ترمب، كما يلي:
أولا: أنه أصبح في موقع المسؤولية، وقرار من هذا النوع، يعني أنه سيكون مسؤولا عن أي تبعات، بما في ذلك تدمير أي أمل في إقامة السلام، وتأجيج الصراع، وتضرر مصالح الولايات المتحدة في العالم.
ثانيا: أميركا واحدة من الدول الخمس الكبيرة في مجلس الأمن، وخرقها قوانين المجلس يشجع الآخرين؛ مثل روسيا والصين، على خرق هذه القوانين أيضا.
ثالثا: وضع القدس وفق القرار (181) أنها مدينة مدولة، والعالم يتعامل معها وفقًا لهذا المنطق، ولا تستطيع الولايات المتحدة خرق قواعد القانون الدولي بهذه الطريقة السهلة. والأهم؛ الرسائل الحاسمة التي وصلت إلى ترمب من السعودية، والأردن، ومن الرئيس عباس، وأشقاء عرب، والروس، والاتحاد الأوروبي، حول رفض هذه الخطوة، والتحذير من تداعيات مفتوحة لها وغير محسوبة العواقب».
وأكد مجدلاني أن تراجع ترمب ترك ارتياحا كبيرا في رام الله، بسبب تجاوز مرحلة شديدة التعقيد كانت ستنسف العملية السياسية برمتها، وتنهي أي أساس للعلاقات مع الإسرائيليين والأميركيين.
وكان موضوع نقل السفارة الشاغل الرئيسي للإسرائيليين والفلسطينيين، منذ فوز ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية، بعد إعطائه وعودا مباشرة بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس.
وعزز مقربون من ترمب الانطباع بأنه سيفعلها وينفذ وعده. وأجج مسؤولون إسرائيليون الأمر، مطلقين تصريحات مختلفة حول قناعتهم بتنفيذ ترمب خطوته؛ بل راح بعضهم، مثل رئيس بلدية القدس، نير بركات، يعلن أنه يجري مباحثات لوجيستية مع الأميركيين، من أجل تحديد طريقة نقل السفارة، ومكانها، وتوقيت ذلك. وهذا ما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى البعث برسالة مباشرة لترمب، قبل أن يلجأ إلى روسيا والأردن والسعودية ودول أخرى، من أجل الضغط على الرئيس الأميركي لوقف مخططه.
وقد فوجئ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في أول مكالمة أجراها مع ترمب، قبل يومين، بأن الرئيس الأميركي لم يجبه في موضوع السفارة، وأبلغه أنه يريد أن يعطي فرصة لمفاوضات السلام، وأنه سيفعل ذلك في الوقت المناسب.
وذكرت القناة العاشرة العبرية أن ترمب عدل عن قرار نقل السفارة إلى القدس في هذا الوقت، وأنه أبلغ نتنياهو أنه يرغب بدفع عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ووعده بأن تجري مناقشة نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس في الوقت المناسب. وقال نتنياهو لوزراء «الليكود» بعدها: «الآن ليس وقتا للمفاجآت». وحتى الناطق باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، قال إن المناقشات بشأن نقل السفارة «في المراحل المبكرة جدا».
ويأمل الفلسطينيون، بحسب ما قاله الرئيس الفلسطيني، سابقا، أن ينخرط ترمب في العملية السلمية بدل أن يقضي عليها بخطوة نقل السفارة.
وأعلن عباس أنه بعد ترسيم الحدود فقط وإعلان القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، يمكن لأميركا أن تفعل ما تشاء، في إشارة إلى حقها في نقل السفارة إلى القدس الغربية.
وجدد عباس أمس، خلال استقباله القنصل الأميركي العام ديفيد بلوم، «الالتزام الكامل برسالة السلام». وأبلغ بلوم بأنه يتطلع للعمل مع الإدارة الجديدة، «من أجل تعزيز العلاقات الثنائية للوصول إلى سلام عادل، ومنطقة آمنة ومستقرة خالية من العنف والإرهاب».
وأبلغ مسؤولون في الاتحاد الأوروبي وزير التعاون الإقليمي في الحكومة الإسرائيلية، تساحي هنغبي، الذين التقاهم في بروكسل، أمس وأول من أمس، أن دولهم لن تنجر وراء الولايات المتحدة في نقل السفارة إلى القدس، وأنه حتى لو أصرت واشنطن على رأيها، فإن دول أوروبا ستبقي على سفاراتها في تل أبيب، إلى حين يتوصل الإسرائيليون والفلسطينيون إلى اتفاق سلام.
وقال هنغبي، في أحاديث داخلية، إن الأوروبيين يبرزون في موقف حاد وعنيد، ضد كل ما يعدونه «إجراءات أحادية الجانب من أي طرف، خصوصا في مجال الاستيطان وموضوع القدس». وأضاف: «من الواضح أن الأوروبيين معنيون بالظهور على خلاف علني مع إدارة الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، الذي ينظرون إليه نظرة عدائية ودونية».
وكانت وزارة الخارجية الفرنسية قد شجبت المصادقة الإسرائيلية على بناء 566 وحدة إسكان في مستوطنات «رمات شلومو» و«راموت» و«بسغات زئيف» وراء الخط الأخضر في القدس. وجاء في بيان وزارة الخارجية الفرنسية أن «مجلس الأمن كرر في القرار (2334) عدم قانونية المستوطنات حسب القانون الدولي، وطلب وقفها الفوري والمطلق. المستوطنات تهدد بشكل خطير حل الدولتين، الذي عاد وأكد المجتمع الدولي دعمه له خلال المؤتمر الدولي الذي عقد في باريس في 15 يناير (كانون الثاني). هذا هو الحل الوحيد الذي يمكن اعتماده لتحقيق السلام المستدام بين إسرائيل والفلسطينيين». وأمس صدر بيان مماثل عن وزراء الاتحاد الأوروبي.



«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)

رغم قناعتهم بأنه الملجأ وقت الأزمات، وأنه الطريق الذي «لا بديل عنه» عندما تعصف التحديات الاقتصادية بالدولة، تجمع شراكة «قلقة» مصريين بـ«صندوق النقد الدولي»، وسط مخاوف عميقة من تبعات الالتزام بشروطه وتأثيرها في قدرتهم على تلبية احتياجاتهم اليومية، حتى باتت صورة الصندوق لدى كثيرين أشبه بـ«الدواء المر»، يحتاجون إليه للشفاء لكنهم يعانون تجرعه.

على قارعة الطريق جلست سيدة محمود، امرأة خمسينية، تبيع بعض الخضراوات في أحد شوارع حي العجوزة، لا تعلم كثيراً عن صندوق النقد وشروطه لكنها تدرك أن القروض عادةً ما ترتبط بارتفاع في الأسعار، وقالت لـ«الشرق الأوسط» ببساطة: «ديون يعني مزيداً من الغلاء، المواصلات ستزيد والخضار الذي أبيعه سيرتفع سعره».

وتنخرط مصر حالياً في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي تم الاتفاق عليه في نهاية 2022، بقيمة ثلاثة مليارات دولار، قبل أن تزيد قيمته في مارس (آذار) الماضي إلى ثمانية مليارات دولار، عقب تحرير القاهرة لسعر الصرف ليقترب الدولار من حاجز الـ50 جنيهاً. وتلتزم مصر في إطار البرنامج بخفض دعم الوقود والكهرباء وسلع أولية أخرى، مما دفع إلى موجة غلاء يشكو منها مصريون.

«دواء مر»، هكذا وصف الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، قروض صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى ما يثيره «الصندوق»، في نفوس المصريين من «قلق»، ارتباطاً بما تولِّده «الديون والقروض» في نفوسهم من «أعباء ومخاوف».

يقول بدرة لـ«الشرق الأوسط» إن «المصريين دائماً ما يتحفزون ضد الصندوق نظراً لمتطلباته التي عادةً ما تؤثر في حياتهم وتزيد من أعبائهم المالية». وفي الوقت نفسه يؤكد بدرة أنه «لم يكن هناك باب آخر أمام الدولة المصرية إلا الصندوق في ظل أزمة اقتصادية بدأت عام 2011، وتفاقمت حدتها تباعاً».

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد أكد خلال لقائه ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، الأحد، في القاهرة أن «أولوية الدولة هي تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين».

وتأتي زيارة غورغييفا للقاهرة عقب دعوة السيسي، نهاية الشهر الماضي، لمراجعة قرض صندوق النقد مع مصر «حتى لا يشكل عبئاً على المواطن» في ظل التحديات الجيوسياسية التي تعاني منها البلاد، وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن «المراجعة الرابعة للقرض ستبدأ الثلاثاء»، وهي واحدة من أصل ثماني مراجعات في البرنامج.

الوصفة الاقتصادية القياسية التي يقدمها صندوق النقد عادةً ما ترتبط بالسياسة النقدية والمالية، لكنها «لا تشكل سوى ثلث المطلوب لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والهيكلي»، حسب الخبير الاقتصادي هاني توفيق الذي أشار إلى أنه «لا ينبغي ربط كل الأعباء والتداعيات الاقتصادية بقرض صندوق النقد».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اشتراطات صندوق النقد أو متطلباته أمور منطقية لكن لا بد أن تمتزج بخطوات إصلاح هيكلي اقتصادي لتحفيز الاستثمار والنظر في الأولويات».

بدوره، قال الخبير الاقتصادي المصري، مدحت نافع لـ«الشرق الأوسط» إن «صندوق النقد كأي مؤسسة مالية أخرى هو جهة مقرضة، لديها شروط مرتبطة بحجم مخاطر الدين وبأجندتها التي قد لا تتوافق دائماً مع أجندة الدولة وأولوياتها الوطنية».

ولفت نافع إلى أن «دراسات عدة أشارت إلى أن برامج صندوق النقد عادةً ما تحقق أهدافاً جيدة على المدى القصير من حيث كبح جماح التضخم وتحرير سعر الصرف، لكنها على المدى الطويل قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على مستويات النمو الاقتصادي ونسب عجز الموازنة والبطالة».

لكن رغم ذلك يؤكد نافع أن «مصر كانت بحاجة إلى قرض صندوق النقد»، فهو على حد وصفه «شهادة دولية تتيح لمصر الحصول على تمويلات أخرى كانت في أمسّ الحاجة إليها في ظل أزمة اقتصادية طاحنة».

علاقة مصر مع صندوق النقد تاريخية ومعقدة، ويرتبط في مخيلة كثيرين بوصفات صعبة، تدفع نحو اضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية، وربما كان ذلك ما حفَّزهم أخيراً لتداول مقاطع فيديو للرئيس الراحل حسني مبارك يتحدث فيها عن رفضه الانصياع لشروط الصندوق، حتى لا تزيد أعباء المواطنين، احتفى بها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا يرى بدرة أن «الظروف السياسية والاقتصادية في عهد مبارك كانت مغايرة، والأوضاع كانت مستقرة»، مشيراً إلى أن «مبارك استجاب لمتطلبات الصندوق وحرَّك سعر الصرف لتصل قيمة الدولار إلى 3.8 جنيه بدلاً من 2.8 جنيه».

واتفق معه توفيق، مؤكداً أن «الوضع الاقتصادي في عهد مبارك كان مختلفاً، ولم تكن البلاد في حالة القلق والأزمة الحالية».

ووفقاً لموقع صندوق النقد الدولي، نفّذت مصر في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي أربعة برامج اقتصادية بدعم مالي من الصندوق، بقيمة 1.850 مليار دولار، لكنها لم تصرف سوى خمس المبلغ فقط، ما يعادل 421.3 مليون دولار. حيث تم إلغاء وعدم استكمال بعضها، بعد أن مكَّن الاتفاق مع الصندوق مصر من إلغاء 50 في المائة من دينها الرسمي في «نادي باريس».

ولتلافي التداعيات السلبية لقرض «صندوق النقد» أو على الأقل الحد منها، شدد نافع على «ضرورة الموازنة بين متطلبات (صندوق النقد) وبين أجندة الدولة الإصلاحية».

وقال: «تعديل شروط الصندوق أو تأجيل تنفيذ بعضها ليس صعباً في ظل أن الهدف الأساسي من الخطة، وهو كبح التضخم، لم يتحقق»، مشيراً في السياق نفسه إلى أن «الصندوق أيضاً متورط ويرى أن عدم نجاح برنامجه مع مصر قد يؤثر سلباً في سمعته، مما يتيح إمكانية للتفاوض والتوافق من أجل تحقيق أهداف مشتركة».

وانضمت مصر لعضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر (كانون الأول) 1945، وتبلغ حصتها فيه نحو 1.5 مليار دولار، وفقاً لموقع الهيئة العامة للاستعلامات، الذي يذكر أن «تاريخ مصر مع الاقتراض الخارجي ليس طويلاً، وأن أول تعاملاتها مع الصندوق كان في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عامَي 1977 و1978 بهدف حل مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم».

وعقب أحداث 2011 طالبت مصر بالحصول على قرض من الصندوق مرة في عهد «المجلس العسكري» ومرتين في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، لكنها لم تحصل عليه. وعام 2016 وقَّعت مصر اتفاقاً مع الصندوق مدته ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار. وعام 2020 حصلت مصر على 2.77 مليار دولار مساعدات عاجلة للمساهمة في مواجهة تداعيات الجائحة، وفقاً لهيئة الاستعلامات.