بن لادن يعارض إسقاط علي عبد الله صالح واستبدال اليمن بأفغانستان

رسالة تكشف عن حرص مؤسس «القاعدة» على مهادنته الرئيس المخلوع

صورة أرشيفية لمؤسس «القاعدة» أسامة بن لادن في مخبئه بأفغانستان عام 1998 (غيتي) - أمير تنظيم القاعدة في اليمن ناصر الوحيشي المعروف باسم أبو بصير (غيتي) - صورة أرشيفية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح من عام 1987 (غيتي)
صورة أرشيفية لمؤسس «القاعدة» أسامة بن لادن في مخبئه بأفغانستان عام 1998 (غيتي) - أمير تنظيم القاعدة في اليمن ناصر الوحيشي المعروف باسم أبو بصير (غيتي) - صورة أرشيفية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح من عام 1987 (غيتي)
TT

بن لادن يعارض إسقاط علي عبد الله صالح واستبدال اليمن بأفغانستان

صورة أرشيفية لمؤسس «القاعدة» أسامة بن لادن في مخبئه بأفغانستان عام 1998 (غيتي) - أمير تنظيم القاعدة في اليمن ناصر الوحيشي المعروف باسم أبو بصير (غيتي) - صورة أرشيفية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح من عام 1987 (غيتي)
صورة أرشيفية لمؤسس «القاعدة» أسامة بن لادن في مخبئه بأفغانستان عام 1998 (غيتي) - أمير تنظيم القاعدة في اليمن ناصر الوحيشي المعروف باسم أبو بصير (غيتي) - صورة أرشيفية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح من عام 1987 (غيتي)

راقت لأحد قادة تنظيم القاعدة المقولة الشهيرة: «لا بد من صنعاء وإن طال السفر»، فبعث لمؤسس التنظيم أسامة بن لادن رسالة يقول فيها: «إن كنتم تريدون صنعاء يوما من الدهر فهذا هو...»، وفهم بن لادن من الرسالة، أن الظروف أصبحت مواتية لتنظيم القاعدة للانقضاض على الحكم في صنعاء وإقامة «دولة إسلامية» على أرض اليمن، لكن أسامة بن لادن لم ترق له الفكرة فعكف على كتابة رسالة رد مطولة عثرت عليها الاستخبارات العسكرية الأميركية على مسودتها في حاسوبه ضمن مقتنياته الشخصية التي استولت عليها القوات الأميركية عند مداهمة مسكن مؤسس تنظيم القاعدة وقتله في مايو (أيار) 2011، وكشف أسامة بن لادن في رسالته عن سر غير معروف لعامة الناس بين فيه بشكل واضح وصريح أن تنظيم القاعدة حريص على بقاء الرئيس علي عبد الله صالح، وأن التنظيم له مصلحة في مهادنته وإن كان يعتبره «مرتدا».
ورغم أن اسم صاحب فكرة إسقاط علي عبد الله صالح الموجه إليه الرد لم يرد في رسالة بن لادن، فإن من المرجح أنه أمير تنظيم القاعدة في اليمن ناصر الوحيشي المعروف باسم أبو بصير، حيث إنه ومجموعته كانوا من المتحمسين لاستبدال اليمن بأفغانستان، وانتقال بن لادن إليها. وقد استعرض بن لادن في رده كثيرا من أسباب معارضته إقامة دولة لـ«القاعدة» في اليمن، بعضها أسباب مبدئية وبعضها الآخر أسباب عملية.
ففيما يتعلق بالأسباب المبدئية، أعرب بن لادن عن رفضه فكرة الدولة القطرية من الأساس، قائلا:«ينبغي أن يزول عن أذهاننا الجزء القطري، صحيح أن هناك حدود سايكس بيكو‬ بالتقسيمات الظاهرة على خريطة المنطقة وهي ما يعترف بها الحكام، ولكن جميع هذه الحدود ستزول عندما تقوم دولة إسلامية».
وحذر بن لادن من «إقامة دول في جزء من الأرض الإسلامية، لئلا يتألب الكفر العالمي والمحلي لضربها...»، حسب تعبيره.‬
وهذا الرفض لإقامة دولة لـ«القاعدة» في اليمن يتماهى مع رفض تنظيم القاعدة حاليا بقيادة أيمن الظواهري مشروع الدولة الإسلامية في الشام والعراق الذي بدأه تنظيم الدولة «داعش» في جزء من الأراضي السورية والعراقية. ونشب خلاف وجدل فكري بين التنظيمين إلى درجة أن تنظيم القاعدة بدأ يتهم أنصاره بالميل للاعتدال إذا ما قورن بتنظيم داعش المفرط في التشدد. ‬
* معوقات عملية
لم يكتف أسامة بن لادن برفض الفكرة من حيث المبدأ فقط، بل أسهب في توضيح الأسباب العملية التي تجعله يعتقد أن إقامة دولة لـ«القاعدة» في اليمن لن يكتب لها النجاح، موردا بعض الأمثلة والتساؤلات من بينها: «لو أن أناسًا في البيضاء أو السوادية أو لودر أو شقراء (مناطق يمنية في محافظات البيضاء وأبين وشبوة) يتعاطفون مع المجاهدين ولديهم قدرة على الاستيلاء على المباني الحكومية فهل سترون ذلك مناسبًا؟، ولو أقاموا إمارة في هذه المناطق فكم يوما ستدوم الإمارة؟!»، بحسب ما ذكره.
وطالب بن لادن بالتريث وتحكيم العقل، قائلا: «لا شك أن العقلاء يدرون أنها لن تدوم طويلا». وأضاف: «سيتم إسقاطها بالحصار وانتشار الجوع والتفاوض مع شيوخ القبائل لقتالنا أو إخراجنا». (تحققت هذه التوقعات بالفعل عندما أقام تنظيم القاعدة في اليمن إمارة له في أبين وأخرى في شبوة، سرعان ما تم إسقاطهما من قبل قبائل وسكان المحافظتين بالتنسيق مع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي ينتمي إلى محافظة أبين ذاتها).
وأورد بن لادن عائقا عمليا آخر بالقول إن «مفهوم الدولة في أذهان الناس أنها ملزمة بتوفير أرزاق ووظائف للناس، وهذا أمر لا نستطيعه نحن في هذه المرحلة»، ومن اللافت أن أسامة بن لادن يرى أن مسؤولية الدولة الإسلامية تتمثل في «حفظ الأمن الداخلي وصد الهجوم الخارجي، وفي ظل الأمن تبحث الناس عن أرزاقها بأنفسها». ويعيب على الدولة الحديثة بأنها «تجعل الناس أسرى لها وتربط أرزاقهم بها». ويبين أسامة بن لادن في رسالته أن القدرة على «السيطرة العسكرية قد تكون متوفرة للقاعدة في حين أقوات الناس لا تتوفر لها».
ويبدو أن أسامة بن لادن تبادر إلى ذهنه وهو يستعرض هذه التفنيدات أنها تتعارض مع خطوة إقامة دولة في أفغانستان ضمن حدود رسمها الغرب «الكافر» كما يصفه، فأورد استدراكا ضمن رسالته جاء فيه: ‬
«أما فيما يخص أفغانستان فهي مستثناة وكذلك الصومال مستثنى فإنفاق الإمارة في أفغانستان في السنة أقل من اثني عشر مليون دولار، فمن المستحيل أن يعيش خمسة وعشرون مليونا باثني عشر مليونا في السنة مما يعني أن للشخص أقل من نصف‬‬ دولار في السنة»، ويضيف بن لادن: «الشعب الأفغاني يحمل نفسه بنفسه... لا يحمل الدولة مسؤوليات كبيرة، بخلاف الشعوب في الدول العربية فهي تحمل الدولة مسؤولية توفير وظائف وأرزاق للناس». واستشهد بن لادن بأمثلة تجارب سابقة، قائلا: ‬
«ومن الأمثلة على ذلك الجماعة الإسلامية في مصر عندما قتلوا السادات كانت لديهم خطة بأن يسيطروا على مصر ويعلنوا دولة إسلامية وذلك بأن يقوم أفراد الجماعة في كل منطقة بالسيطرة على المباني الحكومية عندهم بما فيها مباني الإعلام بأنواعه».
ويرى أسامة بن لادن أنه «لو قدر أن نجحت هذه الخطة لكان عمر هذه الدولة أسابيع فقط لأن سكان مصر وقتها ستين مليونا يحتاجون إلى مائة وخمسين مليون رغيف يوميا، والدولة المسلمة ستكون في حصار عالمي في حين أن الحكومة المصرية رضيت بأن تكون رهينة لمصدري القمح في العالم، خصوصا أميركا فغيرت أولويات المزارع المصري».‬
وحذر بن لادن في سياق رسالته من أن أي دولة مسلمة (يقصد على نمط ما تريده «القاعدة») ستكون بعد أيام من إقامتها أمام ثورة شعبية عارمة سواء أكان الناس يرغبون في أن يحكموا بالإسلام أولا يرغبون؛ لأن انعدام الغذاء يعني موتهم وموت أبنائهم أمام أعينهم، ثم يعود بن لادن للمثال المصري قائلا: «الإعداد للسيطرة على مصر له مقومات من أهمها أن نكون قد سيطرنا على السودان أولا وزرعنا ما يكفي مصر من الغذاء ويبقى القمح الذي في صوامع الدولة لمدة أسبوعين هو قوت الناس ريثما ننقل ما يحتاجه الناس من الغذاء من السودان إلى مصر».
بعد ذلك يعود بن لادن إلى تفصيل العوائق السياسية والخسائر التي يمكن أن تتعرض لها «القاعدة» من إقامة دولة لها باليمن في ظل الوضع الراهن في صنعاء، قائلا إن «صنعاء اليوم بمثابة البيضاء ودول الخليج برمتها والأردن ومصر سينقضون عليها».
* مصلحة «القاعدة» من علي صالح
ويكشف أسامة بن لادن في رسالته عن سر غير معروف لعامة الناس، وهو أن تنظيم القاعدة كان حريصا، وربما لا يزال، على بقاء الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، وأن التنظيم له مصلحة في مهادنته، وإن كان يعتبره «مرتدا». وفي هذا السياق جاء في رسالة بن لادن:
«وهناك مسألة مهمة أود أن أنوه إليها، وهي أن أميركا ودول الخليج سعوا عمليًا لتغيير نظام علي عبد الله صالح ما يظهر أن هذا الوكيل غير كفء عندهم، ويعرفون معرفة تامة بحجم الفساد الإداري والمالي الهائل وأن هذه الأجواء أعطت تربة خصبة لكل الاتجاهات لكي تنمو وتنشر أفكارها، ومن أهم هذه الاتجاهات وأقواها الاتجاه الإسلامي بجميع طوائفه، من الإخوان والسروريين والسلفيين والسلفيين الجهاديين».
ويسترسل بن لادن في وصف فوائد بقاء نظام علي عبد الله صالح، قائلا:
«إن بقاء هذا النظام أقل سوءا بكثير مما لو جاء علي سالم البيض الذي له سابقة في الفتك بالإسلاميين فإنه إن تسلم السلطة فسيبطش بالحركة الإسلامية بجميع طوائفها». ويبدو أن قرب «القاعدة» من علي عبد الله صالح جعلها في موقع القادر على تصفيته أو إسقاط حكمه، ولكن سيطرتها على الأوضاع بعد ذلك غير مضمونة، ولهذا يفهم من رسالة بن لادن أن بعض الآراء القادمة من رجال في اليمن أن التخلص من صالح ونظامه قد يكون مفيدا للتنظيم حتى لو لم تتم السيطرة لـ«القاعدة»، وكان البديل هو الفوضى الشاملة. وردا على ذلك يقول أسامة بن لادن في رسالته:
«إن القول بإزالة الحكومة المرتدة وبقاء البلد في فوضى أفضل من بقاء هذه الحكومة، غير صحي، فلا يمكن أن يتم نشر دعوتنا مع وجود الفوضى، كما أنه في ظل دولة ليس لها حاكم يرسي قواعد الأمن بين الناس فتظهر وحشيتهم بشكل كبير ويصبح هم الناس المحافظة على الدم والعرض وهذا هاجسهم دون سواه».
* بن لادن أدرك ما لم يدركه الحوثي
ولعل أهم ما كان يخشاه أسامة بن لادن موقف دول الخليج، مبديا إدراكا سياسيا مبكرا في تحذيره لأتباعه من الوقوع في المحظور، محذرا إياهم بأن دول الخليج لن تترك اليمن نهبا للفوضى. ومن المفارقات أن ميليشيا أخرى متطرفة غير تابعة لـ«القاعدة» وهي ميليشيا الحوثي قد أثبتت لاحقا صحة ما حذر منه أسامة بن لادن ووقعت في المحظور بدلا من وقوع «القاعدة» فيه؛ حيث استولت على الحكم في صنعاء، وكان رد دول الخليج صاعقا.
وقد كرر بن لادن إشارته إلى موقف دول الخليج المحتمل أكثر من مرة في رسالته، وقال: «كما أنه لا يخفى عليكم أنه غير وارد أن تترك دول المنطقة البلد بغير حاكم...».
ويضيف: «...ونحن بذلك نكون قد هيأنا الأجواء لمجيء قوة ينتظرها خصمنا، (يقصد الحزب الاشتراكي اليمني) منذ أكثر من عقد ونصف». ويضيف: «فلو جاء الاشتراكيون وحدهم فهذه كارثة على الإسلاميين في اليمن وخصوصا المجاهدين فكيف عندما تكون أميركا وجميع دول الخليج خلفهم». ويلخص بن لادن وضع اليمن بقوله إن «الوضع في اليمن باختصار شديد كصخرة كبيرة تحتوي على أحجار كريمة ومعادن ثمينة قد تدحرجت من قمة الجبل فلن يسيطر عليها من يحاول أن يحوزها أولا فقد تدهسه وتواصل انحدارها إلى بطن الوادي». ويخلص بن لادن إلى القول: «الخلاصة نحن مكسبنا العظيم في ظل وجود علي عبد الله صالح ننشر أفكارنا المهمة المؤثرة التي توعي الناس بمعنى لا إله إلا الله وتنبه بحال الجماعات الإسلامية التي توالي الحكام وتتناقض أفكارها مع الشرعية والحاكمية ومن أهم الكتب كتاب نقاط الارتكاز لأبي أحمد عبد الرحمن المصري».
كما وجه أسامة بن لادن في رسالته بشكل صريح أتباعه بمهادنة علي عبد الله صالح، قائلا لهم: «يجب أن نعمل على تهدئة العمل العسكري ونستمر في العمل التوعوي، وإننا ندعم العمل للقضاء على الفساد المالي والإداري ومن حق الناس أن تطالب بحقوقها ونساهم مع الشعب في نقد الحكومة نقدا موضوعيا ونترك الطرق الدائم على أن علي عبد الله صالح عميل».
واستدرك بن لادن بالقول: «الكلام عن أن الرئيس تابع لسياسة الغرب صحيح... لكنه ليس عميلا بالشكل الكامل بل هو عميل غير مرغوب فيه، منذ ثلاثة عقود وعدونا يسعى لإزالته وقد كاد الحبل أن يلتف على رقبته ليشنقه قبل عقد ونصف فلو سعينا لإزالته في هذه الظروف لأتينا بآخر في غاية السوء لضرب الحركة الجهادية الإسلامية».‬
ويشدد أسامة بن لادن على أهمية الهدنة مع علي عبد الله صالح قائلا بما أن «الرئيس حريص عليها فمن المصلحة لنا أن تتم الهدنة وإن كانت من طرف واحد باستثناء الدفاع المباشر عن النفس مع الإعلان ونشر أننا لا نستهدف الجيش والعسكر بل هدفنا أميركا مع مراعاة أن الراجح لدي ألا نضرب أميركا داخل اليمن لأن هذا يزيد الضغط على الإخوة نتيجة لزيادة ضغط أميركا على الحكومة وقد تدعم زيادة العمليات عليهم إلى التعجيل في تغيير الرئيس».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.