حياة أوباما بعد الرئاسة تختلف كثيرًا عن سابقيه

جذوره العائلية ساعدته على بناء هوية سياسية تتجاوز الحدود العرقية والجغرافية

باراك أوباما غادر إلى بالم سبرينغز بكاليفورنيا بعد انتهاء فترته الرئاسية
باراك أوباما غادر إلى بالم سبرينغز بكاليفورنيا بعد انتهاء فترته الرئاسية
TT

حياة أوباما بعد الرئاسة تختلف كثيرًا عن سابقيه

باراك أوباما غادر إلى بالم سبرينغز بكاليفورنيا بعد انتهاء فترته الرئاسية
باراك أوباما غادر إلى بالم سبرينغز بكاليفورنيا بعد انتهاء فترته الرئاسية

بدأ معظم الرؤساء الأميركيين السابقين حياتهم بعد مغادرتهم البيت الأبيض بالعودة إلى منازلهم التي قضوا فيها فترة صباهم، أو الأماكن التي بدأوا منها حياتهم السياسية. وغالبًا ما تستقبلهم لدى وصولهم حشود من الجماهير المهللة ترحيبًا بهم، وإلقاء مندوبين عن المجتمعات المحلية كلمات ترحيب بهم، وفي الغالبية العظمى من الحالات تشهد الشوارع مسيرات للفرقة الموسيقية الخاصة بالمدرسة الثانوية المحلية.
إلا أن الرئيس السابق باراك أوباما اتخذ خيارًا مغايرًا، إذ بعد ساعات من حضوره حفل تنصيب الرئيس دونالد ترمب وأدائه اليمين باعتباره الرئيس رقم 45 في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، كان أوباما على متن طائرة على أرض المطار الصغير القائم هنا في بالم سبرينغز. وجرى الإعلان عن قرب وصوله عبر مكبر الصوت بالمطار الذي يجري استخدامه في إخطار المسافرين بتأخر مواعيد الإقلاع أو تغيير البوابات.
داخل المطار، انطلق الصوت عبر مكبر الصوت ليعلن أنه: «نرجو الانتباه من جانب جميع الأفراد العاملين بالمطار، ثمة حالة طوارئ بالمطار». وعليه، هرع بضعة مئات كانوا داخل مبنى المطار، معظمهم ممن كانوا عائدين إلى ديارهم بعد قضاء إجازة في لعب الغولف أو الاستمتاع بالسبا، نحو النوافذ المطلة على الطريق الأسفلتي الذي كانت تصطف به مجموعة من السيارات الرياضية السوداء.
وقال شخص متقاعد كان في طريقه إلى كندا عن الرئيس السابق: «سمعت أنه يرغب في الاستمتاع ببعض الجو الدافئ». وقالت سيدة سبق أن تطوعت في الحملة الانتخابية لأوباما عام 2008: «سمعت أنه رغب في أن يحظى بليلة من النوم الهانئ فحسب».
في الواقع عادة ما يعكس أسلوب عودة رئيس سابق لحياته الخاصة حقيقة شخصيته. ومن الممكن أن تسلط اللحظات القليلة الأولى من عودته إلى ممارسة حياته كمواطن عادي الضوء على ما يحمله داخله من ندم أو خوف أو أمل بخصوص المستقبل. وفي بعض الأحيان، تتسم احتفالات الترحيب به في استئنافه حياته كمواطن عادي بالبساطة.
فعلى سبيل المثال، أكد عمدة مدينة إندبندنس بولاية ميسوري أمام الحشد المرحب بعودة الرئيس الأسبق هاري ترومان وزوجته بيس ترومان إلى المدينة أثناء نزولهما من قطار قادم من واشنطن عام 1953 أن ترومان: «رجل منا». أما ترومان، فقد اشتكى من حجم الأمتعة والحقائب التي اضطر لتفريغها لدى عودته. وفي أغلب الحالات، تسيطر حالة من الحزن على مثل هذه المواقف.
في السياق ذاته، أسقطت مروحية الرئيس الأسبق جيمي كارتر داخل أحد الحقول المغطاة بالطمي بمنطقة السهول في ولاية جورجيا عام 1981، حيث كان أول المستقبلين له والدته. وكان حينها قد ظل مستيقظًا على مدار يومين في انتظار الحصول على تأكيد من طهران بخصوص مغادرة الأميركيين المحتجزين لديها أخيرًا المجال الجوي الإيراني. ويظهر مقطع فيديو قديم والدته وهي تسأله: «هل ستنام في المنزل؟»، فأجابها كارتر: «آمل ذلك، فأنا لم أخلد إلى النوم منذ ليلة السبت». وتحرك عبر حشود من الجماهير المرحبة به كانت في انتظاره تحت الأمطار الباردة في مين ستريت لرؤيته، بينما عزفت فرقة موسيقية ألحانًا عذبة ترحيبًا به.
عام 2009 هبط الرئيس الأسبق جورج دبليو. بوش في ميدلاند بتكساس، حيث ترعرع داخل منزل يضم ثلاث غرف نوم، وكان في استقباله 20 ألف شخص متلهفين لرؤيته والاستماع لأولى كلماته كرئيس سابق. وفي ذلك اليوم، قال بوش: «الشعبية عبرة تمامًا مثل رياح تكساس». كان بوش قد غادر الرئاسة في وقت كانت حربان تفتقران إلى التأييد الشعبي ما تزالان مشتعلتين وانهيار مستوى تأييده إلى 22 في المائة. وقال: «أعود إلى موطني رافعًا رأسي».
إلا أنه على خلاف الحال مع غالبية الرؤساء، قرر أوباما البقاء داخل واشنطن، بحيث تتمكن ابنته الصغرى من إكمال دراستها الثانوية. ويعد أوباما فريدًا في أوساط الرؤساء في العصر الحديث بالنظر إلى طفولته التي قضاها متجولاً عبر دول متعددة وتاريخ أسرته المعقد. ومعروف أن والده ينتمي إلى كينيا، وتولت تربيته والدته التي غابت عنه في بعض الفترات، وكذلك جده وجدته في هاواي وإندونيسيا.
وأخيرًا، اختار الاستقرار داخل شيكاغو، موطن زوجته. ونظرًا لجذوره الفقيرة وشخصيته اللطيفة وعدم وجود دائرة من الأصدقاء والزملاء السابقين حوله يسعون لنيل مساعدته، بدا أوباما أشبه بلغز في أعين مستشاريه. وقال أحدهم لدى نهاية فترة رئاسته الأولى عنه: «ربما يكون أقل شخص عاطفية التقيه بحياتي».
بالنسبة لأوباما، كان عدم انتماء جذوره إلى مكان بعينه بمثابة ميزة، ذلك أنه سعى لبناء هوية سياسية تتجاوز الحدود العرقية والجغرافية والإثنية داخل البلاد. ورغم أنه أول رئيس أميركي داكن البشرة، فإنه كان يصف نفسه بأنه أول رئيس للبلاد ينتمي للمحيط الهادي، وتحدث باعتزاز عن جذوره الممتدة إلى كنساس وآيرلندا. وفي هذا الصدد، قال خلال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي المنعقد الصيف الماضي: «انظروا إلى أجدادي فقد قدموا من قلب الوطن. كان أسلافهم قد بدأوا في الاستقرار هنا منذ قرابة مائتي عام ماضية».
وحتى في الوقت الذي تنامت مشاعر الغضب والاستقطاب داخل البلاد خلال فترة رئاسته، حمل أوباما بداخله اعتقادًا بأن هويته متعددة الأوجه وقدرته على التقرب من الأميركيين من أبناء مختلف الأعراق والخلفيات من الممكن أن يعاوناه على رأب الصدع بين الفئات المختلفة. وخلال مؤتمره الصحافي الأخير، أعرب عن أمله في مستقبل يكون فيه الرئيس امرأة أو يهوديا أو هندوسيا. وقال: «من يدري ما سنحصل عليه مستقبلاً. أعتقد أننا ربما سنعاين مجموعة متنوعة من الرؤساء عند لحظة ما لدرجة أن أحدًا سيعجز عن إيجاد تصنيف واحد لهم جميعًا».
من ناحية أخرى، وعلى أرض الواقع، كانت الطائرة التي تقل أوباما لا تزال تدور في سماء مطار بالم سبرينغز. أما السماء فغطتها سحب كثيفة وهطلت أمطار غزيرة، الأمر الذي جعل عملية الهبوط أمرًا خطيرًا للغاية. كان المطار لا يزال مغلقًا لأسباب أمنية نظرًا لوصول أوباما، وبدأت أصوات المسافرين تعلو بالشكوى بسبب تأخر طائراتهم. وقال أحدهم: «ثمة قاعدة قريبة تتبع البحرية الأميركية، لماذا لا تهبط طائرته هناك؟».
وكانت هناك شائعات تفيد بأن آل أوباما يبحثون عن منزل لشرائه في بالم سبرينغز. وعن هذا، قالت إحدى السيدات وهي تتطلع باتجاه السماء الرمادية: «هذا الطقس لن يقنعهم بشراء منزل هنا». وتساءلت فانيسا سيفرز (28 عامًا) التي كانت في انتظار استقلال طائرة إلى سياتل: «لماذا لم يذهب إلى هاواي؟».
وبالجوار، وقف ركاب يتناقشون حول حياة أوباما المحتملة بعد خروجه من البيت الأبيض، هل ستبقى لديه القدرة على السفر من مكان لآخر بحراسة أمنية مكثفة؟ هل سيلقي خطبًا مقابل أجر أم سيكرس وقته للعمل كناشط معني بالقضايا المدنية؟ هل سيقف في صف معارضي ترمب؟ وخلص أحدهم إلى أنه: «من المؤكد أنه يشعر الآن بإرهاق بالغ».
*خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».