«سي آي إيه» تتنبأ بتمزق سوريا بعد حافظ الأسد

التذمر داخل الجيش بدأ يطفو على السطح من مغامرة التدخل في لبنان

حافظ الأسد عندما كان وزيرًا للدفاع في مارس (آذار) 1967، واقفا بجوار رئيس الجمهورية السورية الدكتور نور الدين الأتاسي خلال عرض عسكري في دمشق (غيتي)
حافظ الأسد عندما كان وزيرًا للدفاع في مارس (آذار) 1967، واقفا بجوار رئيس الجمهورية السورية الدكتور نور الدين الأتاسي خلال عرض عسكري في دمشق (غيتي)
TT

«سي آي إيه» تتنبأ بتمزق سوريا بعد حافظ الأسد

حافظ الأسد عندما كان وزيرًا للدفاع في مارس (آذار) 1967، واقفا بجوار رئيس الجمهورية السورية الدكتور نور الدين الأتاسي خلال عرض عسكري في دمشق (غيتي)
حافظ الأسد عندما كان وزيرًا للدفاع في مارس (آذار) 1967، واقفا بجوار رئيس الجمهورية السورية الدكتور نور الدين الأتاسي خلال عرض عسكري في دمشق (غيتي)

بدأ اهتمام وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) بمستقبل سوريا في وقت مبكر جدا، حيث إن محللي الوكالة كانوا يتوقعون أن ينفرط الاستقرار القسري للبلاد بعد رحيل الرئيس السوري حافظ الأسد، وهو ما حدث بالفعل. وكان من اللافت أن متابعة الاستخبارات الأميركية الشأن السوري تتمحور إلى حد كبير حول شخص الأسد بعد مرور سنوات قليلة على توليه الحكم، ونجاحه في فرض قبضته القوية على كامل الشعب السوري والأراضي السورية. وتعددت التقارير والتحليلات الاستخبارية الأميركية عن سوريا في الملفات المفرج عنها مؤخرا، بين إحصاء عدد النوبات القلبية ونزلات البرد التي تعرض لها حافظ الأسد، وتعداد الشخصيات المؤهلة لخلافته ومصير البلاد في حال تزايد تذمر الأغلبية السنية من التهميش والإقصاء.
ومن أولى الوثائق في ملفات «سي آي إيه» عن سوريا، مذكرة «تقدير وضع» تم تقديمها إلى صناع القرار في واشنطن في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1978، من شعبة الشرق الأوسط في الاستخبارات الأميركية.
ولفتت المذكرة في مطلعها إلى أن حافظ الأسد قد حكم فترة هي الأطول في تاريخ سوريا منذ استقلالها عام 1946، وبالنظر إلى تاريخ المذكرة فإنها كتبت بعد أقل من ثماني سنوات على تولي حافظ الأسد السلطة، واعتبرت السنوات الثماني فترة طويلة في بلاد شهدت أكبر عدد من الانقلابات. ولم يخطئ محللو «سي آي إيه» في استنتاجهم بأن شخص حافظ الأسد كان عاملا أساسيا لاستقرار سوريا، إذ إنه استمر في رئاسة البلاد دون منازع 22 عاما من بعد كتابة المذكرة حتى وفاته في منتصف عام 2000.
المذكرة السرية أعدت على ما يبدو لدائرة محدودة جدا من القراء في ذلك الوقت هم صناع السياسة الخارجية في واشنطن في السنة الأولى من رئاسة جيمي كارتر، ومن غير المؤكد إن كان كارتر قد قرأها. وعلى الأرجح أن الشخص المكلف من «سي آي إيه» بتقديم الموجز اليومي للرئيس قد قدم ملخصا لما ورد في التحليل من استنتاجات، حيث إن صفحات المذكرة تجاوزت العشرين صفحة، وليس من عادة الرئيس الأميركي أن يقرأ تحليلا أطول من صفحة ونصف الصفحة في المتوسط.

* دواعي قلق الاستخبارات الأميركية
أجملت المذكرة أسباب القلق الذي يعتري محللي الاستخبارات بشأن سوريا، في النقاط التالية:
أولا: إن إحكام حافظ الأسد قبضته على السلطة في بلاده، وإن كانت قد حققت استقرارا قسريا، على المدى القصير، إلا أن النظام لن يكون في مأمن على المدى الطويل، بسبب الغبن الذي تشعر به أغلبية سكان البلاد.
ثانيا: التدخل السوري في لبنان لم يكن مرحبا به لدى السوريين أنفسهم ناهيك عن اللبنانيين. فبعد مضي ثلاثين شهرا على هذا التدخل تبين للسوريين أنه سيستمر إلى ما لا نهاية، وسيتحول إلى مصدر استنزاف لمواردهم دون وجود حل يلوح في الأفق.
ثالثا: التذمر داخل الجيش السوري بدأ يطفو على السطح من مغامرة التدخل في لبنان، وإن كان هذا التذمر لم يصل بعد إلى درجة التمرد أو المطالبة بالانسحاب، إلا أنه مؤشر غير مريح للأسد، وقد يؤدي إلى انقسام الجيش السوري نفسه بين مؤيد للنظام ومتمرد عليه.
وأشارت المذكرة إلى تزايد عمليات الاغتيال في سوريا منذ منتصف عام 1976، وأنها استهدفت عسكريين وأمنيين ينتمون للأقلية العلوية الحاكمة، وهي عماد حكم الأسد. والأخطر من هذا حسب رأي المحللين الأميركيين أن النظام لم يتمكن من اعتقال أو تحديد هوية من يقف وراء عمليات الاغتيال، لكن الشكوك تحوم حول عناصر متطرفة من أبناء الأغلبية السنية، قد يكونون مدعومين من نظام صدام حسين السني في العراق.
وحددت المذكرة ثلاث بؤر محتملة للتمرد الشعبي على عائلة الأسد، وهي حلب وحماه وحمص، وجميعها ذات كثافة سنية. (أثبتت حماه عام 1982، بعد أربع سنوات من كتابة التحليل، صحة توقعات المحللين الأميركيين، كما أثبتت حمص عام 2011، وحلب عام 2016، الأمر ذاته).
* سيناريوهات التغيير في سوريا
وضع كاتبو المذكرة احتمالين رئيسيين لحدوث تغيير سياسي في سوريا، الأول يقوم على رحيل حتمي لشخص حافظ الأسد، بإحدى العلل التي يعاني منها، أو برصاص الاغتيال. والثاني يقوم على فرضية رحيل النظام ذاته عن طريق انقلاب عسكري أو تمرد شعبي. وجاء في الوثيقة أن الاحتمال الثاني يظل واردا على المدى الطويل في حال حدوث متغيرات جديدة، لكن «سي آي إيه» استبعدت حدوثه على المدى المنظور وقت كتابة المذكرة. ولهذا فقد ركز المحللون على دراسة الجوانب المتعلقة بوضع النظام السوري بعد غياب مؤسسه حافظ الأسد.
ومن المفارقات العجيبة أن الاستنتاجات التي توصلت إليها وكالة الاستخبارات المركزية قد تنبه إليها حافظ الأسد، وطبق كثيرا مما ورد فيها، لدرجة قد يظن القارئ للوهلة الأولى أن المذكرة عبارة عن نصائح وإرشادات أخذ بها حافظ الأسد، ولم تكن موجهة إلى صانع القرار الأميركي.
وتحذر الوثيقة من أن استقرار سوريا بعد حافظ الأسد، سواء مات اغتيالا أو بصورة طبيعية، سوف يعتمد بشكل أساسي على تماسك الطائفة العلوية ودائرتها الداخلية وقدرتها على اختيار خليفة يتمتع بمهارة كافية في القيادة.
وأضافت المذكرة أنه يتوجب أن تتوفر فيمن يأتي بعد حافظ الأسد القدرة على إشراك الغالبية السنية من الشعب السوري في السلطة، أو على الأقل جعلهم يشعرون بأنهم شركاء. وجاء في الوثيقة أن من سيخلف حافظ الأسد في الحكم إن لم يكن في مستواه في الدهاء، فإن عقد الاستقرار سينفرط تماما، وتنخرط البلاد في أعمال عنف طائفية، خصوصا في المناطق ذات الكثافة السنية الكبيرة مثل حلب وحمص وحماه.
وباعتبار أن الرجل القوي بعد حافظ الأسد في تلك الفترة هو شقيقه قائد سرايا الدفاع رفعت الأسد، فقد أقر المحللون الأميركيون أنه مؤهل لأن يلعب دورا مهما يجب أن يكون في رأيهم من خلف الكواليس للحفاظ على النظام في حال اغتيل حافظ الأسد أو توفي، ولكن التحليل تضمن تحذيرا لافتا بما يشبه النصيحة من أن رفعت الأسد سوف يجابه معارضة قوية، فيما لو حاول تولي الرئاسة بنفسه.
وتبرر المذكرة هذا الاستنتاج بأنه عائد إلى أن النظرة السائدة عن رفعت الأسد بين طائفة الأغلبية السنية بأنه رمز الغرور والعنف بين العلويين. وتوقعت المذكرة أو نصحت بإبعاد رفعت الأسد عن المشهد ومنعه من تولي منصب الرئاسة، مع ترك المجال مفتوحا له لأن يلعب دورا قويا من خلف الكواليس في حماية النظام.
ومن السيناريوهات المحتملة التي أوردتها المذكرة لفترة ما بعد حافظ الأسد، بروز قيادة جماعية على هيئة مجلس رئاسة مؤلف من بعدد من الشخصيات من المرجح أن يكون رفعت الأسد بينهم. ولكن كاتبي التحليل أشاروا إلى أن مثل هذا السيناريو وإن تم إلا أنه لن يدوم طويلا، وسوف يسعى رفعت الأسد أو أي منافس قوي له للانفراد بالسلطة، وستدخل البلاد في دوامة العنف.
وأفردت الوثيقة مساحة من صفحاتها استعرضت فيها أسماء شخصيات عسكرية قوية في ذلك الوقت من الدائرة الضيقة لحافظ الأسد، ومعظمهم من الطائفة العلوية الحاكمة. وأوردت الوثيقة أمام أسمائهم معلومات قد تكون مستقاة من سيرهم الذاتية، وربما من مصادر استخبارية داخل سوريا، وتدلل تلك المعلومات على أنهم من رجال حافظ الأسد الذين يعتمد عليهم بصورة رئيسية في السهر على حماية النظام. وباستثناء وجود أسماء معدودة من طائفة الأغلبية السنية لتجميل نظام حافظ الأسد فإن معظم من يعتمد عليهم من رجاله هم من الطائفة العلوية، وكانوا في ذلك الوقت غير معروفين لعامة الناس، ولم يكن من بينهم صهر الأسد آصف شوكت، ولا نجله بشار، حيث إنهما كانا في سن صغيرة لا تؤهلهما لأداء أي دور. أما أصحاب الأدوار المهمة من رجال حافظ الأسد رفعت الأسد شقيق الرئيس، وقائد سرايا الدفاع علي دوبا، ومدير الاستخبارات العسكرية السورية محمد خولي، وقائد استخبارات القوات الجوية حكمت محمود حديد، إلى جانب آخرين من العسكريين والمدنيين، العلويين والسنة.
ويلاحظ أن الرئيس السوري حافظ الأسد، كان يراعي الحساسية الطائفية، فيبرز وجوها من الطائفة السنية في مواقع قيادية، ولكن الوثيقة خلصت إلى أن أبرز اثنين من الشخصيات السنية ممن رشحتهم لخلافة الأسد صوريا لتجميل نظامه بعد رحيله، فهما وزير الدفاع مصطفى طلاس أو رئيس الوزراء محمد حلبي، ورأت الوكالة أنه لن يكون لأي منهما صلاحيات حقيقية، من وجهة فيما لو تولى أحدهما المنصب الأول في البلاد، لأن السلطة الفعلية هي بيد العسكريين من الطائفة العلوية.
* رحيل الأسد خسارة لإسرائيل
خلصت المذكرة الاستخبارية إلى أن رحيل حافظ الأسد ستكون له تبعات سلبية ليس على الصعيد المحلي السوري فقط، بل كذلك إقليميا ودوليا، بما في ذلك على عملية السلام في الشرق الأوسط، خصوصا إذا حدث الرحيل بصورة مفاجئة قبل إعداد البديل المؤهل. (كأن المذكرة توجه النصيحة للأسد ذاته، بإعداد البديل، وهو ما فعله لاحقا بتهيئة نجله الأكبر باسل، لكن وفاته في حادث سير غامض أقحم شقيقه الأوسط بشار في معمعة خلافة والده).
وتكمن خطورة رحيل وإزاحة الأقلية العلوية من الحكم بما يؤثر سلبا على مصلحة إسرائيل وجهود السلام. وشددت المذكرة على أن الضباط العلويين أكثر برغماتية من غيرهم، ولديهم استعداد للتعايش مع إسرائيل والقبول بوجودها، مهما أبدوا من تشدد في شروطهم لتوقيع اتفاق سلام معها.
ومضى التحليل في القول إن من سيأتي بعد حافظ الأسد، حتى وإن استتب له الأمر سيكون أكثر ترددا من حافظ الأسد في اتخاذ قرارات مصيرية من قبيل توقيع اتفاق مع إسرائيل. وعلى الأرجح سيتمهل خلفاء حافظ الأسد إلى أن يطمئنوا إلى وضعهم الداخلي. ولكن من حيث المبدأ لن يكون هناك اختلاف كبير في السياسة تجاه إسرائيل بين حافظ الأسد ومن سيأتي بعده من العلويين، سوى أن الوقت سيطول قبل تحقيق السلام.
واستنتجت المذكرة الاستخبارية، أن تزداد متاعب حافظ الأسد في لبنان، لكن استمرار الوجود السوري في لبنان سيكون منبع تهديد لمن سيأتي بعد حافظ الأسد، لأن أي قيادة قادمة لن يكون بمقدورها التعامل مع المتناقضات مثلما هو الوضع عليه تحت إدارة حافظ الأسد.
وتوقع محللو «سي آي إيه» أنه في حال تولي رفعت الأسد زمام الحكم في دمشق فقد يتعامل مع الميليشيات المارونية بصورة أكثر قسوة مما فعل أخوه، لكنه في النهاية سيقبل بأي تسوية للمشكلة اللبنانية تضمن خروج القوات السورية بماء الوجه.
وتختلف رؤية قيادات حزب البعث السنية عن العلوية، إذ إن القيادات السنية تطالب بتقوية العلاقة مع الجيران العرب، ومن بين هؤلاء الأحمر وباجبوج اللذان يرغبان في مد الجسور مع العراق، في حين أن ناجي جميل يرغب في تمتين العلاقة مع السعودية. وحول ما يتعلق بتبعات رحيل الأسد على العلاقات مع الولايات المتحدة، يخشى المحللون من توسع الهوة بشأن كامب ديفيد، ولبنان، والمساعدات المالية، الأمر الذي سيدفع من سيأتي بعد الأسد أكثر نحو الروس (السوفيات في ذلك الوقت)، والإخلال بالتوازن الذي كان حافظ الأسد حريصا عليه فيما يتعلق بالتعامل مع القوى العظمى.
ورجحت المذكرة أن ترحب موسكو بتولي رفعت الأسد المقرب منهم أكثر من غيره، لكن هذا لا يعني أن رفعت يمكن أن يقدم للروس أكثر مما يقدمه شقيقه حافظ. وجاء فيها كذلك أن مشكلة رفعت الأسد هي سجله في انتهاك حقوق الإنسان، وهو سجل حافل يؤهله لأن يتمادى في انتهاكاته فيما لو حل محل أخيه في الرئاسة.
وفي الوقت الذي استبعدت فيه المذكرة نجاح أي محاولة انقلاب عسكري ضد حافظ الأسد، فقد نوهت بأن أقوى المخاطر التي يواجهها نظام حكمه يأتي من الطائفة العلوية ذاتها، خصوصا في ظل وجود صراعات بين كبارهم، وفي ظل وجود مناصرين لصلاح جديد في صفوف العلويين.
لم تشر المذكرة إلى أن صلاح جديد كان بمثابة الرئيس الفعلي لسوريا في عهد الأتاسي، إلى أن أطاح به حافظ الأسد في انقلاب عام 1970، بعد أن أصدر صلاح جديد قرارا بعزله من وزارة الدفاع، وتحميله مسؤولية هزيمة الجيش السوري في حرب 1967.
* أبرز رجال حافظ الأسد عام 1978
- العسكريون العلويون
رفعت الأسد: شقيق الرئيس وقائد سرايا الدفاع
على دوبا: مدير الاستخبارات العسكرية السورية
محمد خولي: قائد استخبارات القوات الجوية
علي حيدر: قائد القوات الخاصة
- العسكريون السنة
حكمت الشهابي: رئيس أركان الجيش السوري
ناجي جميل: قائد سابق للقوات الجوية (تمت إزاحته)
مصطفى طلاس: وزير الدفاع
عدنان دباغ: وزير الداخلية
علي مدني: نائب وزير الداخلية لشؤون الأمن
- المدني العلوي
محمد حيدر: القائد الفعلي لحزب البعث
- المدنيون السنة
عبد الله الأحمر: أمين عام حزب البعث
محمد جابر باجبوج: نائب أمين عام الحزب
عبد الحليم خدام: وزير الخارجية
محمود حديد: رئيس مجلس الشعب



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.