تجاذب تركي ـ إيراني حول استمالة الموقف الروسي قبل «آستانة»

أنقرة تعلن مقتل 11 من مقاتلي «داعش» في الباب

تجاذب تركي ـ إيراني حول استمالة الموقف الروسي قبل «آستانة»
TT

تجاذب تركي ـ إيراني حول استمالة الموقف الروسي قبل «آستانة»

تجاذب تركي ـ إيراني حول استمالة الموقف الروسي قبل «آستانة»

شارك الوفد التركي إلى آستانة، في لقاءات عقدت أمس قبل ساعات من انطلاق المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة تحت رعاية روسية تركية إيرانية. وقالت مصادر دبلوماسية إن الوفد التركي عقد مباحثات ثنائية مع الجانبين الروسي والإيراني وأخرى ثلاثية شاركت فيها المعارضة السورية، واستهدفت تقريب المواقف من أجل الاتفاق على تثبيت وقف إطلاق النار في سوريا الذي يشكل الأساس لمفاوضات آستانة ووضع الوثيقة الختامية المقرر صدورها (غدا) الثلاثاء إذا لم يتم تمديد أعمال المؤتمر. وذكرت المصادر أن هناك تقاربا في المواقف بين أنقرة وموسكو التي ترغب في أن تلعب دورا محايدا بين النظام والمعارضة فيما بدأ الموقف الإيراني بعيدا عنهما ويسعى إلى جذب روسيا لتكوين جبهة مع إيران والنظام السوري للضغط على المعارضة.
وكان المتحدث باسم الكرملين قد أكد أول من أمس أن موقف إيران يساهم في تعقيد محادثات السلام السورية في آستانة برفضها مشاركة وفد الولايات المتحدة وأن موسكو ترحب بمشاركة الولايات المتحدة وأنه لا يمكن حل الأزمة السورية من دون مشاركة واشنطن.
وشارك في المشاورات التحضيرية في آستانة أمس ممثلون عن الوفود التركية والروسية والإيرانية. وكان من المشاركين رئيس إدارة الشرق الأوسط في الخارجية الروسية سيرشي فيرشينين، والموفد الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا الكسندر لافرينتيف، ونائب وزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري، ونائب وزير الخارجية التركي سيداد أونال.
وستشارك في مؤتمر آستانة وفود كل من روسيا وتركيا وإيران، فضلا عن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا وستجرى المباحثات خلف أبواب مغلقة في فندق ريكسوس.
وتنطلق المفاوضات في آستانة وسط اتهامات وجهتها المعارضة السورية للنظام والجماعات المسلحة المدعومة من إيران بمواصلة شن هجمات عسكرية في عدة مناطق بسوريا بينها وادي بردى قرب العاصمة بغض النظر عن وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ منتصف ليل 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي بضمانة روسية ـ تركية، وقالت مصادر دبلوماسية إن وفد المعارضة السورية المسلحة عرض على وفد روسي في أنقرة الأسبوع الماضي مبادرة لإعادة تثبيت الهدنة في وادي بردى، غرب العاصمة دمشق. وعقد وفد المعارضة السورية اجتماعا مع الوفد التركي في آستانة تزامنا مع اجتماع بين أطراف المعارضة ذاتها للاتفاق على رؤية موحدة بشأن مطالبهم لعرضها في اجتماعات اليوم. وتتمسك روسيا بإجراء مفاوضات مباشرة بين المعارضة والنظام، بينما ما يركز عليه الوفد التركي ومعه المعارضة المسلحة هو تثبيت وقف إطلاق النار ووضع آليات لمراقبة الخروقات ومعاقبة الأطراف التي تنتهك وقف إطلاق النار. ومن المنتظر أن يشكل اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ بين المعارضة والنظام في 30 ديسمبر نتيجة تفاهمات تركية روسية، وبضمان الدولتين، القضية المحورية في المباحثات. وفي حال تأسيس آليات تدبيرية لتعزيز اتفاق وقف إطلاق النار في آستانة، واتخاذ قرارات في هذا الخصوص، سيتم الانتقال إلى التدابير التي من شأنها تعزيز الثقة بين الطرفين.
وعقد الوفدان الإيراني والروسي جولتين من المباحثات خلال اليومين الماضيين في آستانة لكن لا تزال هناك خلافات عالقة بينهما. على صعيد آخر، أعلن الجيش التركي، أمس، مقتل 11 من عناصر تنظيم داعش الإرهابي في المعارك الدائرة حول مدينة الباب في إطار «عملية الفرات» في ريف حلب. وكان الجيش التركي أعلن أول من أمس مقتل 46 إرهابيًا من «داعش» وإصابة 16 آخرين شمال سوريا في إطار عملية «درع الفرات»، لافتا إلى أن قواته قصفت بالأسلحة الثقيلة 318 هدفًا لـ«داعش» في ريف محافظة حلب الشمالية.
وأكّد البيان أن مقاتلات تركية نفّذت غارات جوية استهدفت 21 هدفًا للتنظيم الإرهابي في مدينة الباب، وقريتي بزاغة، وقباسين، بريف حلب. وأشار البيان، إلى أن «فصائل المعارضة السورية المشاركة في درع الفرات تمكنت من السيطرة على 227 منطقة مأهولة بالسكان منذ انطلاق العملية في 24 أغسطس (آب) الماضي».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.