الإعلاميون الروس لا يشعرون بارتياح لأداء السلطات

دراسة ركزت على «مدى الشعور بالحرية في عملهم»

أحد المؤتمرات الصحافية في العاصمة موسكو («الشرق الأوسط»)
أحد المؤتمرات الصحافية في العاصمة موسكو («الشرق الأوسط»)
TT

الإعلاميون الروس لا يشعرون بارتياح لأداء السلطات

أحد المؤتمرات الصحافية في العاصمة موسكو («الشرق الأوسط»)
أحد المؤتمرات الصحافية في العاصمة موسكو («الشرق الأوسط»)

كشفت دراسة أعدتها مجموعة «تسيريكون» الروسية المستقلة للدراسات الاجتماعية والاقتصادية، بالتعاون مع صندوق «ميديا ستاندارت»، أن الإعلاميين الروس من أشد المواطنين معارضة، ولا يشعر الجزء الأكبر منهم بارتياح لعمل السلطات، ولا لأداء وسائل الإعلام ذاتها. بينما يرى المهنيون المحترفون أن الصحافة في البلاد ليست حرة ويشككون بمصداقيتها، ويشيرون إلى الجهات التي تحد من «حرية الصحافة»، محملين المسؤولية عن هذا الوضع للشركات والجهات التي تملك وسيلة الإعلام هذه أو تلك، وتتحكم بها. هذه النتائج والكثير غيرها جاء في الدراسة الاجتماعية التي نشرها صندوق «ميديا ستاندارت» الروسي على موقعه الرسمي، تحت عنوان «الصحافيون ونظرتهم لعملهم وللوسط الإعلامي».
ومن جملة أسئلة في استطلاع للرأي تضمنته الدراسة المخصصة للاطلاع على أحوال الإعلاميين ووجهات نظرهم، كان السؤال حول «مدى الشعور بالحرية في عملهم» سؤالاً رئيسيًا، أجاب عنه المشاركون من العاملين في مختلف وسائل الإعلام الروسية، الإلكترونية والورقية والمرئية والمسموعة. ويرى 81 في المائة من هؤلاء أن عمل الصحافي في روسيا «لا يتمتع بالاستقلالية والحرية»، مقابل 15 في المائة فقط يرون أن الصحافة في البلاد حرة ومستقلة ولا تخضع لأي قيود. بينما يرى 71 في المائة من الصحافيين الروس أن مهنة الصحافة في روسيا فاقدة للمصداقية ولا تقيم حق تقييم، ولا ثقة في المجتمع بالصحافيين، ويعارضهم في وجهة النظر هذه 15 في المائة من الإعلاميين المشاركين في الدراسة واستطلاع الرأي.
وكان لافتًا خلال اختيارهم للمصدر الذي يحد من حرية الصحافة أن أشار الإعلاميون إلى «المؤسسات العليا التي يتبع لها أصحاب وسائل الإعلام»، ومعروف أن غالبية وسائل الإعلام الروسية صاحبة النفوذ والقدرات الهائلة في العمل والتأثير في الرأي العام، إن كانت وسائل الإعلام الورقية المطبوعة أو المسموعة والمرئية والإلكترونية، كلها خاضعة للكرملين والحكومة الروسية، بعضها بشكل مباشر والبعض الآخر بشكل غير مباشر، من خلال تبعيتها لمؤسسات «بيزنس وأعمال» كبيرة حكومية أو بمشاركة حكومية. إذ يرى 86 في المائة من الصحافيين الروس أن ما يسمونها «المؤسسات العليا»، توثر، أو تؤثر بصورة كبيرة في استقلالية الصحافيين، والحديث يدور وفق ما تقول الدراسة «حول قطاع الأعمال بما في ذلك الشركات الحكومية العملاقة، وحول تمويل المسؤولين المحليين لوسائل الإعلام». ويأتي «مالك الوسيلة الإعلامية» في المرتبة الثانية بين الجهات التي تؤثر في حرية العمل الصحافي في روسيا، وفق ما يرى 84 في المائة من الإعلاميين الروس، بينما يقول 66 في المائة منهم إن «الرقابة الذاتية» لدى الصحافيين أحد أهم عوامل الحد من حرية العمل الإعلامي. ويحمل 58 في المائة من الصحافيين المسؤولية للسلطات في موضوع الحد من الحرية الإعلامية. وكان لافتًا أن اعتبر 17 في المائة من المشاركين في استطلاع الرأي أن ضغط القراء أو المشاهدين هو الذي يحد من حرية الصحافي.
كما كانت الصحافة وقدرة الصحافي بالتأثير في السلطات أو قطاع الأعمال مسألة تناولتها الدراسة، وأظهرت أن 54 في المائة من الصحافيين يرون أن الصحافي يمكنه التأثير في مجموعة محدودة من الأشخاص، ويرى 44 في المائة أنه يمكن للصحافي التأثير في المنظمات غير التجارية، و41 في المائة يرون أنه يؤثر في المنظمات الاجتماعية والأحزاب السياسية. أما بالنسبة لقدرة الصحافي في التأثير في السلطات، فيرى 36 في المائة أنه قادر على التأثير، لكن فقط على السلطات المحلية والبلدية، والتأثير في قطاع الأعمال متدنٍ أيضًا، إذ لا تزيد نسبة من يعتقدون بقدرة تأثير الصحافي في هذا القطاع على 26 في المائة من الإعلاميين. أما أدنى مستويات التأثير من جانب الصحافي فهي في الحالات عندما يدور الحديث عن التأثير في المؤسسات الأمنية، ويرى 68 في المائة من الصحافيين أن الإعلام لا يؤثر عمليًا في تلك المؤسسات، كما يرى 65 في المائة أن الصحافي لا يؤثر في السلطات الفيدرالية، و56 في المائة يرون أن الصحافي عاجز عن التأثير في المؤسسات التجارية الكبرى.
وكان واضحًا في سياق الدراسة التي أعدتها مجموعة «تسيريكون» الروسية المستقلة للدراسات الاجتماعية والاقتصادية، بالتعاون مع صندوق «ميديا ستاندارت»، نظرة الصحافيين لمؤسسات السلطة والمؤسسات الاجتماعية، حيث هيمنت النظرة السلبية على الإيجابية، وعلى سبيل المثال ينظر 46 في المائة من الإعلاميين بإيجابية لعمل بوتين مقابل 40 في المائة بسلبية. أما نشاط الأحزاب السياسية فينظر 79 في المائة من الصحافيين إليه بسلبية، وينظر 69 في المائة منهم بسلبية كذلك لعمل المؤسسات القضائية، وينظر 66 في المائة بسلبية لعمل المعارضة والحكومة الروسيتين.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».