قضايا البيئة ومصاعب الحياة تسود «صندانس» هذا العام

بينما كانت مفاتيح البيت الأبيض تسلم إلى الرئيس الجديد دونالد ترمب بين حشود مؤيدة ومعارضة كان مهرجان صندانس يلج أسبوعه الأول بكل ثقة.
في دورته الجديدة التي تمتد ما بين 19 و29 من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، يعيد المهرجان طرح نفسه كناشط أساسي في دفع الأفلام الأميركية والعالمية التي تبحث عن حلم السوق الأميركية إلى مجهر كبير تحت تصرّف الحاضرين. إنه مهرجان محوري ينطلق في مطلع العام (بعد أيام من انتهاء مهرجان بالم سبرينغز) ليقدّم لا الجديد بالمطلق فقط (معظم أفلامه لم تشهد أي عرض عالمي فقط) بل المختلف والمعبّـر عن سينمائيين جدد لديهم ما يعرضونه من فن ورسالات.
والرسالات أثبتت، عبر 32 دورة سابقة، أهميتها. ليس أن كل الأفلام المعروضة لديها مضامين تدور في رحى الواقع والسياسة وما بينهما من مسائل، بل ما يعرض منها أصبح كافيًا لإثارة توقعات المشاركين بأن هناك قائمة من الأفلام الجادة لا بد من مشاهدتها لمن يريد أن يتعرّف على ما الذي يحدث اليوم في هذا العالم الذي نعيش فيه.
* ردفورد يحذّر
رئيس المهرجان الممثل والمخرج روبرت ردفورد كان محور الاهتمام الأول لدى الإعلاميين والصحافيين المشاركين كونه من أشهر الليبراليين من وجوه السبعينات كما تدل على ذلك اختياراته من الأفلام التي مثلها في ذلك الحين: «كل رجال الرئيس»، «كيف كنا»، «ثلاثة أيام من الكوندور» وسواها. إلى جانبه في هذا الخيار من وجوه السبعينات وورن بايتي ودستين هوفمن وجاك نيكولسون وجين فوندا، لكن في حين أن المذكورين متوارون غالبًا، لا يزال ردفورد، وهو اليوم في الثمانين من عمره ناشطًا من خلال إدارته هذا المهرجان كما من خلال تمثيله من تغيّـر يُـذكر في مواقفه المعلنة. كل ما في الأمر أنه اليوم أكثر حكمة مما كان عليه أو هكذا يبدو لمن سمعه وهو يقول في ذلك المؤتمر قبل يومين:
«لا نريد أن نتعاطى في السياسة. هذا مهرجان للسينما أولاً».
رئيس المهرجان جون كوبر أضاف:
«نقف وراء الفنانين وليس وراء السياسيين».
لكن الإغراء كان لا يُـمانع: رئيس جديد للولايات المتحدة يثير الخوف بين مواطنيه والحذر الشديد حول العالم يتسلم دفة القيادة ولا أحد يدري ما سيكون الوضع عليه بعد أيام ناهيك بعد أشهر. أليس عند روبرت ردفورد ما يقوله على الإطلاق؟ هل يستطيع تحاشي أسئلة الصحافيين وهم يربطون بين الموقف السياسي للمخرج ومهرجانه المنطلق قبل 24 ساعة من قبل تسلّـم الرئيس الجديد مهامه؟
طبعًا لا، لذلك عاد فأقر: «تبعًا للجدال الذي حدث مؤخرًا (يقصد بين ميريل ستريب والرئيس المنتخب) يبدو أن الكثير من الحريات ستكون مهددة. وهذا سيصدم الناس وما آمله هو حدوث حراك ما».
وهو لم يخف تعبيره عن حالة تشاؤم ليس فقط بسبب انتخاب ترمب وتوليه الرئاسة بل من تآلف الديمقراطيين والجمهوريين، كما قال، على تحقيق مصالح مشتركة بعيدة عما يحتاجه الأميركيون العاديون.
* آل غور ناشط البيئة
بهذا القدر نجح ردفورد في إرضاء معظم الحضور لينصرف إلى ما هو أجدى، ولو من وجهة نظره ونظر الكثير من الحاضرين، وهو المهرجان نفسه. ردفورد لديه فيلم من تمثيله هنا يعرض خارج المسابقة عنوانه «الاكتشاف» مع روني مارا وجاسون سيغال مشاركين في الأدوار الرئيسية. وهو خيالي - علمي من إنتاج نتفلكس التي ستتنافس وشركة أمازون المشابهة لها من حيث توخيهما عروضًا مباشرة على الإنترنت، على شراء ما يتسنّـى من أفلام. ليسا وحدهما في هذه الغاية، فكل استوديو كبير وكل شركة توزيع لديها القدرة على التنافس والرهان حاضرة والأفلام كثيرة ومتعددة الاتجاهات والتوجّـهات.
ويوم السبت (21 الحالي) سارت مظاهرة كبيرة اختلطت فيها بعض هذه التوجهات، فهي نسائية في المقام الأول تؤكد حضور المرأة في شتى المسائل السياسية المطروحة ومعادية لترمب كشأن معظم المظاهرات التي عمّـت البلاد احتجاجًا على وصوله، بمساعدة روسية أو من دونها، إلى الحكم.
من ناحيته يصر آل غور، الذي خدم تحت ظل الرئيس السابق بل كلينتون ما بين 1993 و2001. على مواصلة قضيته الأولى (والمهمّـة بالطبع) وهي قضية البيئة. له في صندانس فيلم جديد عنوانه Inconvenient Sequel وهو تتمّـة، بالفعل، لفيلمه السابق «حقيقة غير مريحة» الذي كان قدّمه في المهرجان ذاته سنة 2006.
كلاهما تسجيليان عن البيئة والتأثيرات السلبية التي تقع لأمّـنا الأرض وهوائها ومناخها وبحارها، لكن الأول، في المقارنة، كان أكثر اكتشافًا في حينه وما تناوله شكّـل، بسبب وقائعه التي تحلّـق حولها كثيرون متبنين ما بثّـته من مخاوف ومحاذير. الفيلم الجديد يسير على المنهج نفسه لكنه يفتقر إلى تناول مختلف على صعوبة الإتيان به في عمل مكثّـف الدلالات وذي غاية محددة: نقد الإهمال الذي ما زال يسود الوضع الماثل حول العالم.
على ذلك، لا يزال صوت آل غور في هذا الشأن قويًا وغير يائس. هنا يدمج الحقائق العلمية التي يرصدها بالصور التي تصاحب البيانات المنشورة (يبدأ الفيلم بمشاهد ذوبان ثلوج غرينلاند كاشفًا عن يابسة لم يرها الإنسان من قبل) وبمشاهد لغور وهو يزور مناطق تتعرّض لآثار هذه المحنة. ما تنبأ به الفيلم السابق، الذي نال أوسكارين في العام التالي لإنتاجه (2007) هما أوسكار أفضل فيلم تسجيلي وأوسكار أفضل موسيقى مكتوبة لفيلم، ما عاد نبوءات بل بات من الممكن تصويرها لأنها تقع على شكل أحوال جوية مزرية وفيضانات وانهيار ثلوج وارتفاع حرارة ملحوظ. هذا كله في عشر سنوات تفصل بين فيلمي غور، فما البال بعشر سنوات أخرى؟
* لا أمان
فيلم «تتمة غير مريحة»، من إخراج بوني كوهن وجون شنك (الذي قام بالتصوير كذلك)، ليس الوحيد من نوعه في هذا المحفل. الدورة الـ33 من هذا المهرجان تشهد حشدًا من الأفلام التي تتناول هذا الموضوع.
الفيلم الأميركي لدانفونغ دنيس «ثلج ذائب» يدور برمته حول ما تعيشه «غرينلاند» من ذوبان جليد وتأثيراته المحلية كما في المحيط حولها. وفي «بلاستيك تشاينا» لجيو - ليانغ وانغ تترامى على مد النظر أكوام الزبالة التي تنفثها مصانع البلاستيك فوق مياه آسنة ولو أن محور الفيلم التسجيلي هذا هو فتاة في الحادية عشرة من عمرها عليها أن تعمل مع والديها في مصنع البلاستيك لمساعدتهما معيشيًا.
الكندية ميشيل لاتيمير تركّـز في فيلمها الجديد «صعود» على حياة المواطنين الأميركيين الأصليين («الهنود الحمر» كما لا يزال البعض يسمونهم) في القرن الحادي والعشرين عارضة ما خسروه على مدى عشرات السنين من أسباب الاقتصاد والفيلم هو أحد ثلاثة أعمال قدّمتها المخرجة حول جوانب مختلفة من حياة الأميركيين الأصليين. الاثنان الآخران هما «مياه مقدسة» و«عرين الأباتشي» (Apache Stronghold).
في مجموعها هي تسعة أفلام (مقابل سبعة في العام الماضي) تلقي الضوء على قضايا وشؤون البيئة في الوقت الذي ما زالت هذه القضية تتفاعل مهددة حياة الإنسان على سطح الأرض.
لكن قضايا العالم الآنية ليست كلها وقفًا على البيئة، بل هناك الحروب والأوضاع الأمنية المقلقة والتطرّف بين مؤيدين ومناهضين.
أحد الأفلام التي تتناول هذه القضايا «آخر رجال حلب» الذي يحمل اسم فارس فياض مخرجًا وهو إنتاج دنماركي (مقدّم باسم سوريا على نحو إعلامي) حول ذوي الخوذات البيضاء. أولئك الذين يهبون، بعد كل حفلة عراك بين الأطراف المتحاربة وبعد كل غارة جويّـة، للبحث عن احتمال وجود ناجين محاصرين أو تحت الأنقاض.
هذا كله في الجانب التسجيلي، لكن الجانب الروائي مليء بشتى الاحتمالات أيضًا. والفيلم الذي افتتح مسابقته يحمل عنوانًا دالاً: «لا أشعر بالأمان مطلقًا في هذا العالم» كوميديا مواقف من مأكون بلير وبطولة إليجا وود وجين ليفي حول عالم اليوم وعنفه وعدم شعور المرء، كما يقول العنوان تمامًا، بأنه في مأمن حيث يعيش.
في مجموعة الأفلام الروائية الآتية من أركان العالم الأربعة هناك فيلم لمخرج مصري (بتمويل سويدي، ألماني ودنماركي) عنوانه «حادثة النيل هيلتون»، من إخراج طارق صالح المولود في مدينة استوكهولم سنة 1972 والذي أخرج أول أفلامه سنة 2009 تحت عنوان «متروبيا» الذي قدّمه في إطار مهرجان فينيسيا.
من الخارج هو فيلم بوليسي مطروق الموضوع، لكن - والفيلم لم يعرض بعد حين كتابة هذا التحقيق - قد يحمل مفاجآت على صعيد المعالجة. بطله (فارس فارس) يعمل في بوليس القاهرة وينطلق للتحقيق في جريمة قتل وقعت في إحدى غرف فندق النيل هيلتون. هناك يجد جثة امرأة تعمل مغنية، ولا يتطلب الأمر الكثير من التحريات ليدرك التحري أن المتهم الرئيسي هو صاحب الفندق الذي هو أيضًا عضو في البرلمان.