الحبيب المالكي... الحالة الفريدة

انتخب رئيسًا لمجلس النواب المغربي في ظل سياق وملابسات استثنائية

الحبيب المالكي... الحالة الفريدة
TT

الحبيب المالكي... الحالة الفريدة

الحبيب المالكي... الحالة الفريدة

أصبح الحبيب المالكي، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي، منذ يوم 16 يناير (كانون الثاني) الحالي، رئيسًا لمجلس النواب في المملكة المغربية، وهذا المجلس هو الغرفة الأولى في البرلمان. وللعلم، يترأس المالكي، بجانب منصبه الجديد، اللجنة الإدارية الوطنية للحزب التي تبت في القضايا المعروضة على أعضائها؛ إذ لا يعتمد قرار بخصوصها، ولا يجري تبنيه إلا بعد نقاش تختلف درجة حرارته. ولذا؛ توصف هذه اللجنة بأنها «برلمان الحزب» على غرار ما هو معمول به في أغلب الأحزاب السياسية المغربية الكبرى. وبناءً عليه، يصفه البعض الآن بأنه يرأس «برلمانين» اثنين. وتجدر الإشارة إلى أنه تولى هذه المهمة الحزبية لاعتبارات شتى، منها أنه حصل على المرتبة الثانية في السباق نحو الأمانة العامة لحزب الاتحاد الاشتراكي التي آلت في آخر مؤتمر للحزب إلى إدريس لشكر بغالبية الأصوات خلال الجولة الثانية من الاقتراع.

يعتبر منصب رئيس مجلس النواب في المغرب منصبًا ذا أهمية سياسية ووطنية كبرى؛ لأن من يشغله يغدو الشخصية الثالثة في هرم المؤسسات الدستورية في البلاد بعد الملك، ثم رئيس الحكومة. وجاء انتخاب الحبيب المالكي بفضل تمتّعه بمساندة أحزاب تختلف عقائدها عن الفكر الاشتراكي الذي يؤمن به حزبه، وتم الاختيار في ظل سياق وملابسات استثنائية جراء الانسداد السياسي الطويل الذي هيمن على المشاورات الحزبية التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وكما هو معروف، تصدّر حزب العدالة والتنمية (توجهات إسلامية معتدلة) ترتيب الأحزاب، ولكن من دون الظفر بالغالبية المطلقة؛ نظرًا إلى نظام الاقتراع النسبي ذي العتبة الدنيا (3 في المائة بعدما كانت 6 في المائة)، وهو نظام يجبر الحزب المكلف زعيمه تشكيل الحكومة على الاستعانة بأحزاب أخرى، قريبة أو بعيدة عنه، لتأليف أغلبية برلمانية منسجمة. ولقد صعب على عبد الإله ابن كيران، أمين عام حزب العدالة والتنمية جمعها؛ إذ إنه قبل أن ينتهي من أزمة تشكيل الحكومة دخل في تدبير معركة التنافس على رئاسة مجلس النواب.
الواقع، أنه تباينت الآراء بخصوص تعاطي ابن كيران مع الحالة السياسية التي يواجهها. فهناك من يعذره؛ لأن بعض القوى الحزبية الممثلة في مجلس النواب لم تطاوعه، إن لم نقل خذلته وناصبته العداء مع أنها كانت جزءا من غالبيته السابقة. إذ رفضت عروضه ومقترحاته التي لانت مع مرور فترات المشاورات، لكنها قوبلت بشروط تعجيزية من جانب مخالفيه. ومن ثم بدا لمتابعي الشأن السياسي في المغرب، وكأن ابن كيران بات إما شخصية غير مرغوب بها البتة، أو أن عليه الامتثال لمنطق القوى الحزبية المتكتلة ضده، وهي ممثلة أساسًا في حزبي «التجمع الوطني للأحرار» و«الحركة الشعبية»، بجانب اللاعب الخفي المتواري عن المشاورات، حزب «الأصالة والمعاصرة». وكلها، وبخاصة «التجمع»، اعترضت على مجمل اقتراحات ابن كيران لتجاوز الأزمة، كما أنه لم ينجح في استمالة «الاتحاد الاشتراكي» الذي قاده ضعفه العددي (20 مقعدا ا) إلى طلب الاحتماء بالقوى المعارضة له.
وعليه، يشكل انتخاب المالكي رئيسا لمجلس النواب، وعددهم 395 نائبا، حالة فريدة وغير مسبوقة في النظام البرلماني المغربي لم يعرف لها مثيل في ظل الدساتير القديمة، التي أعطت السلطة التشريعية صلاحيات محدودة لا تقارن بالتي خولها دستور 2011 لممثلي الأمة بالاقتراع المباشر؛ إذ حرص المشرّع، في كل الدساتير أن يكون رئيس الغرفة الأولى جزءا من الغالبية الحكومية ورئيسها.
* من هو الحبيب المالكي؟
ولد الحبيب المالكي يوم 15 أبريل (نيسان) من عام 1946 في مدينة أبي الجعد بمحافظة خريبكة (جنوب شرقي مدينة الدار البيضاء). وهو أستاذ بجامعة محمد الخامس - بالرباط، ورئيس مجموعة الدراسات والأبحاث حول البحر الأبيض المتوسط.
تلقى تعليمه الجامعي في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وتخرّج فيها مجازًا بالاقتصاد، ثم حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة باريس - السوربون في فرنسا.
يوم 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 1990 عيّنه الملك الراحل الحسن الثاني أمينا عامًا للمجلس الوطني للشباب والمستقبل. كما تولى رئاسة المركز المغربي للظرفية الاقتصادية. ومنذ نوفمبر 1992 أصبح عضوًا بأكاديمية المملكة.
وخلال عام 1998 عيّنه الملك الراحل وزيرا للفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري ضمن تشكيلة حكومة التناوب. وكان قد انتخب نائبا برلمانيا عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال الولاية النيابية 1993 – 1997، وجدّد انتخابه في انتخابات 14 نوفمبر 1997 نائبا بالمجلس ذاته. كذلك، انتخابه في انتخابات 27 سبتمبر (أيلول) 2002 عن دائرة أبي الجعد.
ثم في عام 2002 عيّنه الملك محمد السادس وزيرا للتربية الوطنية والشباب، وفي 2004 عيّن وزيرا للتربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي. وجدير بالذكر، أن المالكي حاصل على «وسام العرش من درجة ضابط»، وكذا «وسام الاستحقاق الاقتصادي» من المعهد البرتغالي - العربي للتعاون. كما أنه وشّح بصفته أمينًا عامًا للمجلس الوطني للشباب والمستقبل عام 1998 في باريس باسم رئيس الجمهورية الفرنسية بـ«وسام الشرف من درجة فارس».
* مغزى رئاسته البرلمان
ثمة سؤال يطرح نفسه بشدة هو «ماذا يعني انتخاب المالكي، وهو متموضع حاليًا بين المعارضة والغالبية؟ وأي انعكاسات ستكون لذلك على مسار الحياة النيابية و«هندسة» الحكومة التي ينتظرها المغاربة منذ أكثر من ثلاثة أشهر؟ وهل ضرورة مصادقة البرلمان بغرفتيه على ميثاق الاتحاد الأفريقي، ليستعيد المغرب عضويته فيه، هي التي أملت اختيارا يبدو للوهلة الأولى أنه ضد المنهجية الديمقراطية وخارج النسق السياسي؟»... هذا وضع إشكالي استفاد منه حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يتذيّل حاليًا قائمة الأحزاب الممثلة في مجلس النواب!
لقد طرحت تساؤلات كثيرة، ومعها ألوان من الأجوبة في غضون الأشهر الماضية. ولكن كلما لاحت تحليلات مقنعة، ظهر ما يبطلها في الحين، أو بعد وقت وجيز.
وبالتالي، لا يصح القول إن المغرب سيُراكم خبرات مفيدة من هذا التمرين الديمقراطي الطويل والشائك، بل ربما ضاعف الشكوك والخوف من انتكاسة تجربة الانتقال السلس التي علّقت عليها آمال كثيرة حتى اعتبرت حقًا استثناء بين أنظمة الحكم التي مستها رياح ما سُمّي بـ«الربيع العربي».
ويرى البعض أنه ربما تنطبق مقولة «رب ضارة نافعة» على الوضع السياسي في المغرب، ومجاراة الرأي القائل إن المعالجة التقليدية للقضايا الكبرى الطارئة والمستعجلة تستوجب حلولا جريئة، وليس شرطا أن تنال الإجماع المألوف كما يحدث بصدد القضايا العادية.
وبالتالي، كان حتميًا الاستعاضة عن الأسلوب العتيق بواقعية وبرغماتية تنتفي معهما الحدود المانعة بين المعارضة والغالبية، ولا سيما، أن التمايزات الآيديولوجية التي باعدت في الماضي بين التنظيمات الحزبية المغربية خفتت بمرور الزمن، ولم تعد بمثل سخونة عقود الصراع السياسي الغابرة.
في هذا السياق، يؤمن محللون بمسوّغات عملية فرضت اختيار المالكي للدور الذي أنيط به، من ضمنها مزايا متوافرة في الرجل قطعًا. فهو أكاديمي وباحث جامعي مرموق، ومتخصّص في العلوم الاقتصادية، له مؤلفات واجتهادات في مجال تخصصه أهلته لتولي مناصب رفيعة عدة: وزارتي الفلاحة والتربية الوطنية، وقبلهما أمانة المجلس الوطني للشباب والمستقبل. وهذا المجلس هيئة أحدثها الملك الراحل الحسن الثاني في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي عندما أحس بنذر التحولات الاجتماعية المتلاحقة في البلاد.
في المقابل، على الرغم من أن الحبيب المالكي حظي بإشادات من لدن محافل ثقافية وفكرية لقاء إسهاماته في إنجاز بحوث ودراسات استشرافية، فإن أثره في مواقع التدبير والتسيير التي مرّ فيها ليست بمثل قامته المعرفية في ميدان تخصصه على الأقل.
وكثيرون يعتبرونه أصلح للتأمل النظري منه في مجال الاحتكاك بالجماهير والحشود، والانخراط في المعارك الضارية.
وبهذا الاعتبار، يمكن القول إن المالكي من بين النواب القلائل الذين تتوفر فيهم شروط إدارة تدبير المؤسسة التشريعية.
والملاحظ هنا أن الأحزاب السياسية التقليدية فقدت، منذ بعض الوقت، القدرة على استقطاب النخب المؤهلة لبث الروح في أوصالها.
في هذا الصدد، كان لافتا ما صرح به المالكي بمجرد إعلان نتيجة التصويت لصالحه. إذ قال إنه «سيكون على المسافة ذاتها من المعارضة والغالبية»، علمًا بأنهما لم تتبلورا حتى اللحظة، في انتظار تشكيل الحكومة العتيدة، وهذا، من دون استبعاد حدوث مفاجآت قد تقلب الموازين والحسابات والمعادلات.
في أي حال، سواء نجح رئيس الحكومة المكلف ابن كيران أم أخفق، في تشكيل فريق غير قابل للتصدع، على المدى القريب فإنه لن يواجه، على الأرجح، صعوبات جمة في التعامل والتنسيق مع المالكي، شخصيًا. ذلك أن حزب العدالة والتنمية (بزعامة ابن كيران) زهد منذ البداية في رئاسة الغرفة البرلمانية الأولى واقترحها على غيره، فضلا عن أن ابن كيران سعى منذ بدء المشاورات إلى إشراك حزب الاتحاد الاشتراكي، كما فعل في الحكومة المنتهية ولايتها، ضمن فريقه الحكومي، في إطار تحالف أحزاب الكتلة الديمقراطية المجمدة.
وحدث ذلك قبل إطلاق التصريحات المثيرة لحميد شباط، أمين عام حزب الاستقلال، بخصوص الحدود التاريخية للمغرب؛ ما أزعج موريتانيا التي رأت فيها مسًا بسيادتها.
ولذا؛ هبّ الملك محمد السادس مبادرًا لإطفاء الحريق الذي أضرمه شباط، فأوفد ابن كيران إلى الجارة الجنوبية لطمأنة رئيسها وشعبها.
وهكذا أفشلت تداعيات تصريحات شباط آملاً راود ابن كيران بإنهاض الكتلة الديمقراطية، ووجد نفسه مضطرا على مضض، للاستغناء عن حزب الاستقلال كأحد مكوّنات الغالبية المحتملة. وبعدها ساد الاعتقاد بأن العقبة الصعبة ذللت، وأن تشكيل الحكومة بات ممكنًا، ولكن تبيّن لرئيس الحكومة المكلّف خلال جولات التفاوض اللاحقة أنه إذا فتح باب التنازلات سيصعب إغلاقه... وهو ليس مستعدا للمزيد منها.
* رؤساء مجلس النواب المغربي منذ 1959
يعد الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب المغربي الجديد الرئيس الـ12 منذ استقلال المغرب عام 1956. وفيما يلي أسماء ما تعاقب على المنصب حتى الآن:
المهدي بن بركة - رئيس المجلس الاستشاري (غير منتخب) 1956 – 1959.
الدكتور عبد الكريم الخطيب 1963 – 1965.
عبد الهادي بوطالب 1970 – 1971.
المهدي بن بوشتة 1971 – 1972.
الداي ولد سيدي باب ا1977 – 1983.
أحمد عصمان 1984 – 1992.
جلال السعيد 1993 – 1997.
عبد الواحد الراضي 1997 – 2007.
مصطفى المنصوري 2007 – 2012.
كريم غلاّب 2012 – 2014.
رشيد الطالبي العلمي 2014 – 2016.
الحبيب المالكي 2016.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».