بعد يوم واحد فقط من قيام وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) بنشر ملايين الصفحات من وثائق الوكالة في موقعها على شبكة الإنترنت، سارع موقع الاستخبارات الوطنية الأميركية (دي إن آي) بنشر الدفعة الرابعة والأخيرة من مراسلات تنظيم القاعدة التي عثر عليها الجنود الأميركيون عام 2011 في مخبأ مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بمدينة أبوت آباد، خلال عملية المداهمة التي انتهت بمقتله.
ويبلغ عدد الوثائق المنشورة أمس (الجمعة) على موقع الاستخبارات الوطنية 49 وثيقة، وهي في معظمها عبارة عن مراسلات وسجالات فكرية بين كبار قادة تنظيم القاعدة حاز فيها مؤسس التنظيم بنصيب الأسد من الرسائل الصادرة منه والواردة إليه. وطبقا لما سبق أن أعلنته الاستخبارات العسكرية الأميركية فإن بن لادن كان يستخدم في مراسلاته اسما مستعارا هو «زمراي».
وفي رسالة مؤرخة في 11 جمادى أولى 1430 هجرية، وجهها بن لادن إلى شخص يدعى الحاج عثمان، استهلها بن لادن بالإعراب عن تلهفه الشديد لسماع آخر مساعي الحاج عثمان في فك «أسرى القاعدة في إيران». ثم مضى بن لادن يتحدث عما أسماه بـ«التمدد الصفوي الإيراني، معتبرا أن «أكبر خطر يهدد المنطقة هو خطر حكام إيران نظرا لكونه من الداخل وعظم عدد سكانهم»، واتهم بن لادن في رسالته حكام إيران «بالتستر تحت راية التشيع ليمدوا نفوذهم في بلاد المسلمين على حساب العرب». وحذر بن لادن أتباعه من أن «مواجهة النظام الإيراني ستكون أصعب وأشد»، وأضاف: إنهم - أي حكام إيران - يدعون نصرة الإسلام ونصرة فلسطين، معربا عن اعتقاده بأن النظام الإيراني «يجد مدافعين عنه من بعض المسلمين الذين لا يعرفون حقيقة كفره ونفاقه فضلا عن الزنادقة والمنافقين»، في إشارة الإعلاميين المؤيدين لإيران على ما يبدو.
كما انتقدت رسالة بن لادن تحالف إيران مع النظام السوري، مطالبا «بشن حملة إعلامية قوي ضد المنابر الإعلامية المحابية لإيران بما يتناسب مع حجم المهمة وضخامتها».
وأصدر بن لادن توجيهاته في سياق الرسالة لأتباعه بتنفيذ خطة الحملة ضد الخطر الإيراني تتألف من أربعة عناصر:
1ـ التعبئة العامة وإعلان النفير العام وعمل ما يلزم لتحصين المغرر بهم وإقناعهم، ونشر كتيبات عن «عقائد الشيعة الرافضة». وسياسة إيران اليوم.
2ـ يتم إبلاغ «جميع إخواننا في الأقاليم كأهل العراق والمغرب الإسلامي والصومال واليمن بهذه الخطة مع التواصل بالعلماء والدعاة الصادقين لتحريض الأمة وتوعيتها، وهم أنفسهم يساهمون بكلماتهم في هذا التحريض وبذل ما في وسعهم من جهود في هذه الحملة لإنقاذ العالم الإسلامي من التمدد الصفوي».
3ـ تكليف «جميع إخواننا القادرين على الخطابة أو الكتابة أن يبذلوا قصار جهدهم في تحريض الأمة ضد الصفويين الحاقدين وتوعيتهم بخطورة عقائدهم وأهدافهم في العالم الإسلامي».
4ـ بعث مندوب أو أكثر للعلماء والمشايخ والدعاة البارزين كالشيخ حامد العلي في الكويت والشيخ حسين بن محفوظ في اليمن والشيخ محمد عبد الكريم في السودان وإخبارهم على لسان بن لادن: «إن خطر صدام البعثي كان كبيرا على المنطقة ولكن ذلك الخطر لا يكاد يذكر أمام خطر الصفويين»، حسب منطوق الرسالة.
وأشادت الرسالة بخنادق الأنبار وبغداد وديالى والموصل وصلاح الدين، واصفا إياها بخط الدفاع الأول عن الحرمين، ناصحا حكومات المنطقة بعدم التصالح مع إيران.
وختم بن لادن رسالته قائلا: «أرجو السرعة في البدء في هذه الحملة والعمل الجاد الدؤوب على جميع الأصعدة والاتجاهات وبشكل خاص بالاتصال بالعلماء والدعاة والكتاب أو عبر وسائل الإعلام وإفادتنا عن كل ما يتم بهذا الخصوص وجزاكم الله خيرا.. أخوكم زمراي».
وفي رسالة أخرى من بن لادن للشيخ محمود تناول زعيم «القاعدة» موضوع
وفي رسالة أخرى موجهة إلى الشيخ محمود كتبها أبو مقداد المصري وهو أحد مساعدي بن لادن أعرب فيها عن خشية مؤسس التنظيم من دخول تنظيم القاعدة «مرحلة الهرم والشيخوخة كباقي التنظيمات».
وقال الكاتب إن أسامة بن لادن اقترح أن «يكون محور التفكير في هذه المرحلة هو كيفية تطوير العمل في التنظيم خلال المرحلة المقبلة على أساس النقاط المحورية».
وتكشف الملفات الأخيرة على أن بن لادن ظل مصممًا على إبقاء الولايات المتحدة «العدو الرئيسي» له. وكتب بن لادن أن «أعداء الأمة اليوم مثل شجرة شريرة، جذع هذه الشجرة هو الولايات المتحدة». كما يبدو بن لادن الأب كان قلقًا على أبنائه يحذرهم من أي محاولة لزرع شريحة إلكترونية لديهم دون علمهم، تسمح بمتابعة تحركاتهم. وتشير هذه الوثائق أيضا إلى الوقت الكبير الذي كان بن لادن يمضيه في إدارة عمليات خطف الأجانب التي كان يقوم بها فروع لتنظيمه، والاهتمام الخاص الذي كان يوليه لمسقط رأسه اليمن، حيث كان يتشكل فرع جديد للتنظيم. وفي رسالة إلى ناصر الوحيشي، مؤسس تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، يوصيه بن لادن ألا يتحرك بسرعة ضد السلطة لأن الظروف السائدة لا تساعد على إقامة ما وصفها بـ«دولة إسلامية» يمكن أن تحكم وتقاوم الهجمات. وفي إطار سعيه لإعادة تنظيم التنظيم، اقترح بن لادن على مساعديه تحديد فترة تحمل المسؤولية بسنة واحدة فقط.
وتحدث أسامة بن لادن في إحدى رسائله عن ثورات الربيع العربي الذي لم يشهد منه بن لادن سوى شهور قليلة سبقت مقتله في منتصف عام 2011، وجاء في الرسالة الموجهة لأقرب خلصائه الشيخ محمود بشأن التعامل مع الأوضاع الحالية، كانت نصيحة بن لادن أن تدخل عناصر «القاعدة» في الثورات العربية قد يضرها أكثر مما يفيدها.
وقال: «من الأفضل تجنب الظهور والبروز القوي حتى لا نسبب حرجا للقوى السياسية والشعبية في المجتمعات العربية الثائرة، وترك الفرصة لهم ليثوروا على أولئك الحكام الظلمة، فإن مجرد التغيير فيه خير كثير ورحمة». وفي وثيقة منفصلة كرس فيها بن لادن حديثه عن اليمن وعلي عبد الله صالح حيث خاطب اليمنيين قائلا: «إن معظم دواعي الثورة وعوامل نجاحها متوفرة لديكم».
وأضاف: «ولا تخفى عليكم المواقف المتكررة لعلي عبد الله صالح والتي تظهر بوضوح وجلاء ارتكابه لنواقض الإسلام منذ عقود كمظاهرته للكافرين بتزويد المدمرات الأميركية لتحاصر وتقتل أهلنا في العراق وفلسطين وارتكاب الخيانة في وضح النهار، ويزيد ظهورها كثرة تردد رجال الإدارة الأميركية على اليمن واستجابته لمطلبهم بإيقاف الحرب ضد الحوثيين الخطر الحقيقي على المنطقة ليركز جهوده في استهداف الأحرار».
ومضى يقول: «إضافة إلى ما سبق ذكره فإن من أكبر دواعي الثورة لدى الشعوب استشراء الفساد المالي والإداري وبالتالي استشراء الظلم والفقر وهو ما يقوم به النظام هناك».
بن لادن كان يخشى على القاعدة من الهرم والشيخوخة
اعتبر إيران أكبر خطر يهدد المنطقة
بن لادن كان يخشى على القاعدة من الهرم والشيخوخة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة