تنصيب ترامب رئيسًا اليوم بين الإشادة والاحتجاج

تنصيب ترامب رئيسًا اليوم بين الإشادة والاحتجاج
TT

تنصيب ترامب رئيسًا اليوم بين الإشادة والاحتجاج

تنصيب ترامب رئيسًا اليوم بين الإشادة والاحتجاج

انتشر عشرات الآلاف من أفراد الوكالات الأمنية ونصبت حواجز لعدة كيلومترات في العاصمة الأميركية واشنطن اليوم (الجمعة)، فيما استعد مسؤولون لمئات الآلاف من الأشخاص الذين يخططون للاحتفال أو الاحتجاج على تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن يتدفق نحو 900 ألف شخص على وسط العاصمة، بما في ذلك على متنزه ناشونال مول المقابل للكونغرس الأميركي حيث سيجري تنصيب رجل الأعمال الثري والنجم السابق لبرامج تلفزيون الواقع.
وخططت مجموعة متباينة من النشطاء الليبراليين الذين ثار استياؤهم من تصريحات ترامب بشأن النساء والمهاجرين بشكل غير مشروع والمسلمين، لاحتجاجات في وسط واشنطن. ومن المتوقع أن يتدفق أنصار ترامب الذي لم يتولَّ منصبًا بالانتخاب من قبل على الشوارع للترحيب بالرجل الذين يرون أنّه سيتبنى نهجًا جديدًا في السياسة وسيحقق النمو الاقتصادي.
ومن أكبر الاحتجاجات المتوقعة ضد ترامب اليوم، مظاهرة من تنظيم ائتلاف «أنسر»، وهو تحالف ليبرالي فضفاض من المتوقع أن يشارك فيها الآلاف عند نصب البحرية الأميركية.
وقال بن بيكر (33 سنة)، وهو أحد منظمي المجموعة: «نقول إنه اليوم الأول من حقبة أوسع من المقاومة ونعتقد أننا سنبعث برسالة قوية لترامب والحكومة... جدول الأعمال المتعلق بترامب شامل جدًا فهو يتضمن الهجوم على حقوق المسلمين والمهاجرين والنساء والعمال. ومن ثم فبغض النظر عن الفئة التي تنتمي لها فإنّ لك مصلحة في هذه المعركة».
وتدفق أنصار ترامب على العاصمة أيضًا ووضع كثير منهم قبعات بيسبول كتب عليها «اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا»، وهو شعار حملة ترامب.
وعبر جاكسون راوس وهو طالب يبلغ من العمر 18 عاما من شمال شرقي أركنسو، وتغيب عن المدرسة لحضور التنصيب مع والده، عن قلقه من مقاطعة عشرات من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين لمراسم التنصيب احتجاجا. قائلاً: «أعتقد أنّه انتخب بنزاهة وأن الانتخابات كانت نزيهة. أنا أحب ترامب وأتوقع تغيرات وأتوقع أنه سينفذ كل ما قال إنّه سيقوم به».
ستطغى على بعض احتجاجات اليوم أجواء احتفالية تتضمن مجموعة من راكبي الدراجات النارية الذين سيتعين عليهم أن يصلوا إلى المكان المخصص لهم في مسار موكب ترامب من دون دراجاتهم النارية، بالإضافة لنشطاء يؤيدون تقنين الماريغوانا ويعتزمون توزيع 4200 سيجارة ماريغوانا في انتهاك للقوانين الاتحادية والمحلية.
وعلى الرغم من أن واشنطن ستكون مركز الاحتجاجات، فإنّ النشطاء المناهضين لترامب خططوا لاحتجاجات أخرى في جميع أنحاء البلاد والعالم، تتضمن مظاهرات في مدن أميركية كبرى مثل شيكاغو ولوس أنجليس ومدن أجنبية مثل سيدني الأسترالية.
وحصلت نحو 30 جماعة على تصاريح لاحتجاجات يقدر منظمون أنّها ستجتذب نحو 270 ألف شخص يومي الجمعة والسبت، وهي أعداد أكبر بكثير مما شوهدت في مراسم تنصيب سابقة.
ومن المتوقع أن يكون الاحتجاج الأكبر هو مسيرة للنساء يوم غد، في واشنطن، ويُنتظر أن يشارك فيها نحو 200 ألف شخص من مختلف أنحاء الولايات المتحدة.
ويعتزم جهاز الأمن الرئاسي وشرطة واشنطن ووكالات أمنية أخرى نشر نحو 28 ألف فرد لتأمين منطقة مساحتها نحو ثمانية كيلومترات مربعة في وسط واشنطن.
وقال وزير الأمن الداخلي جيه جونسون إنّ الشرطة تهدف للفصل بين الجماعات باستخدام أساليب مشابهة لتلك التي استخدمت خلال المؤتمرات السياسية العام الماضي.
وتعهدت مجموعة احتجاجية تحمل اسم «ديسرابت جيه 20»، بتنظيم مظاهرات عند كل نقاط التفتيش وعددها 12 ومنع الوصول إلى الاحتفالات في متنزه «ناشونال مول».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟