«سي آي إيه» عجزت والمخابرات المصرية أدت المهمة بنجاح

تحت عنوان «الدور الأميركي في قضية جاسوس إسرائيلي باليمن»، وجه مسؤول استخباري أميركي يدعى هارولد سوندرز، مذكرة سرية معلوماتية مؤرخة في السابع عشر من يوليو (تموز) 1972، موجهة إلى الدكتور هنري كيسنجر، الذي كان في ذلك الوقت يشغل منصب مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون.
وتتألف المذكرة المشار إليها من صفحة ونصف الصفحة، وقد تمنعت الاستخبارات الأميركية بداية الأمر في إزاحة ستار السرية عنها ثم وافقت على ذلك في فبراير (شباط) شباط 2010، بعد تعتيم بعض الأسماء الواردة في محتواها. وتحيط المذكرة كيسنجر علما بأن الإسرائيليين طلبوا مساعدة الولايات المتحدة بصورة عاجلة لإقناع حكومة اليمن الشمالي بالتراجع عن إعدام ضابط في جهاز الموساد الإسرائيلي يدعى باروخ ميزراحي ضبطته السلطات اليمنية متلبسا بالتجسس على أنشطة الفلسطينيين في اليمن.
وتبلغ المذكرة كيسنجر بأن الإسرائيليين لا يريدون أكثر من تأجيل تنفيذ إعدام ميزراحي وبمقدورهم بعد ذلك ترتيب إطلاق سراحه عن طريق قنوات أخرى. وتشير المذكرة إلى أن ميزراحي كونه يهوديا ولد ونشأ في مصر، ويتمتع بالجنسية المصرية، فإن المخابرات المصرية طلبت من اليمنيين إشراك محققيها في استجوابه، بل وتسليمه لهم، للمقايضة به في أي عملية تبادل أسرى محتملة مع إسرائيل.
وتشير المذكرة إلى أن لدى إسرائيل كذلك قنوات أخرى من بينها إثيوبيا، ثم تمضي في تفاصيل أخرى من بينها أن وزير الخارجية الأميركية (في ذلك الوقت) ويليام روجرز، وافق على الاستجابة لطلب الإسرائيليين وتزويدهم بكل المعلومات المتوفرة من اليمن بما في ذلك اسم الوزير اليمني الذي يعارض تسليم ميزراحي للمصريين. وتحذر المذكرة صناع القرار في البيت الأبيض من أن فشل الولايات المتحدة في مساعدة إسرائيل في إنقاذ جاسوسها قد ينعكس سلبا على العلاقات الثنائية بين الجانبين وهو ما لا ترغب فيه الخارجية الأميركية.
وتورد المذكرة معلومة من مصدر يمني جرى محو اسمه من الوثيقة بأن نائب رئيس الوزراء اليمني يبدي تحمسا في تسليم الجاسوس الإسرائيلي لمصر لتمكينها من الاستفادة منه في الصراع مع إسرائيل. ولم تذكر المذكرة اسم المسؤول اليمني المتحمس للمصريين ولكن على الأرجح أنه العقيد إبراهيم محمد الحمدي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية في ذلك العهد قبل أن يتولى رئاسة الجمهورية العربية اليمنية في الفترة من منتصف 1974 إلى أواخر 1977.
ما لم يرد في المذكرة هو التطورات اللاحقة التي دونتها في حينه مصادر أخرى بأن المخابرات العامة المصرية أرسلت ضابطا يدعى رفعت جبريل وقام بتهريب الجاسوس الإسرائيلي إلى مصر على متن غواصه مصرية. وكما توقعت المذكرة مسبقا فقد نجحت إسرائيل في استعادته بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 في صفقة تبادر للأسرى جرت في العام التالي لحرب أكتوبر وقد توفي باروخ ميزراحي وعمره 78 سنة.
يشار إلى أن الجاسوس الإسرائيلي استثمر إجادته للهجة المصرية بصفته من مواليد حي الأزهر سنة 1928، وكان والده – طبقا لموسوعة ويكيبيديا يملك محلا تجاريا في شارع كلوت بك. أنهى دراسته في كلية التجارة بجامعة القاهرة سنة 1948، وعمل بالتدريس في تعليم اللغة الفرنسية في مدرسة الأقباط الكبرى الثانوية بالقاهرة. وتذكر موسوعة ويكيبيديا للمعلومات المفتوحة أنه هاجر لإسرائيل بعد العدوان الثلاثي في فبراير سنة 1957. وألقي القبض عليه في اليمن بعد أن اشتبه الأمن اليمني في تجسسه على مضيق باب المندب في مدخل البحر الأحمر.