حكم قضائي يجيز لقيادي إسلامي ليبي محاكمة الحكومة البريطانية

بلحاح يطالب بتعويضات سخية واعتذار من سترو وجهاز مخابرات البلاد

جاك سترو - عبد الحكيم بلحاج
جاك سترو - عبد الحكيم بلحاج
TT

حكم قضائي يجيز لقيادي إسلامي ليبي محاكمة الحكومة البريطانية

جاك سترو - عبد الحكيم بلحاج
جاك سترو - عبد الحكيم بلحاج

سمحت المحكمة العليا في بريطانيا أمس لعبد الحكيم بلحاج، وهو زعيم سابق لأحد الأحزاب السياسية في ليبيا، وأحد زعماء الميلشيات المسلحة بمقاضاة الحكومة البريطانية ووزير خارجيتها السابق جاك سترو.
وادعى بلحاج الذي ترأس الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة لسنوات قبل الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011 أنه عانى لسنوات من أنصار القذافي بعد أن سلمه جواسيس بريطانيون وأميركيون إلى ليبيا، كما اتهم عملاء من المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) بخطفه في تايلاند عام 2004 هو وزوجته فاطمة التي كانت وقتها حاملا، ثم نقلوهما بطريقة غير مشروعة إلى طرابلس بمساعدة جواسيس بريطانيين.
ورفضت المحكمة العليا في بريطانيا طعنا من الحكومة لمنعه من اتخاذ إجراءات قانونية، بما يمهد الطريق أمامه هو وزوجته للمطالبة بتعويض من سترو وجهاز الأمن البريطاني (إم آي 5)، وجهاز المخابرات (إم آي 6)، ومدير بارز سابق في المخابرات والإدارات الحكومية المعنية، إلا أن بلحاج قال إنه سيتخلى عن القضية إذا تلقى تعويضا رمزيا قدره جنيه إسترليني واحد (1.21 دولار)، واعتذارا من كل الأطراف المعنية بعدما كان يطالب بمليون جنيه إسترليني تعويضا.
وقالت سابنا مالك، المحامية التي تمثل بلحاج: «نأمل في أن يرى الآن المدعى عليهم في هذه القضية أنه من المناسب الاعتذار لموكلينا، والاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت حتى يتسنى لهم طي هذه الصفحة من حياتهم والمضي قدما».
وقالت شركة المحاماة إن وثائق عثر عليها عقب الإطاحة بالقذافي أظهرت تواطؤ بريطانيا في قضيته، لكن سترو، الذي كان وقتها وزيرا للخارجية في حكومة توني بلير، قال في المقابل إنه تصرف طوال الوقت بما يتسق مع القانون البريطاني والقانون الدولي، وأضاف في بيان: «لم أشارك قط بأي طريقة في تسليم أو احتجاز دول أخرى لأي شخص بطريقة غير مشروعة».
ويقول بلحاج، الذي بات من رجال السياسة في الوقت الحالي، وكان من قيادات المقاتلين الذين ساعدوا في الإطاحة بالقذافي، إنه احتجز في الصين في البداية قبل نقله إلى ماليزيا، ثم إلى موقع سري تابع لـ«سي آي إيه» في تايلاند، وبعدها نقل جوا عبر جزيرة دييغو غارسيا البريطانية في المحيط الهندي إلى طرابلس؛ لأن بريطانيا والولايات المتحدة كانتا وقتها حريصتين على بناء علاقات طيبة مع القذافي، حيث سجن إلى أن أفرج عنه في 2010.
وتبين الوثائق أن المخابرات البريطانية الخارجية (إم آي 6) تواصلت عام 2004 مع نظام القذافي بشأن مصير المعارضين الذين فروا من البلاد، وتشير إلى أن البريطانيين ساعدوا النظام الليبي ليتم اعتقال الزوجين في بانكوك على يد المخابرات الأميركية. وفي إحدى هذه الوثائق يقول مارك آلن، مدير مكافحة الإرهاب، في خطاب موجه إلى المسؤولين في المخابرات الليبية، إن القبض على بلحاج لم يكن ليتم لولا مساعدة المخابرات البريطانية.
ولم تؤكد الحكومة ولم تنف أيضا صحة هذه الوثائق، لكن المحكمة العليا رفضت بإجماع القضاة، محاولة الحكومة وقف إجراءات التقاضي، قائلة إن «الماغنا كارتا تقف في صف بلحاج وزوجته».
من جانبه، اعترف السفير البريطاني بيتر مليت بفشل المجلس الذي يترأسه فائز السراج، وأعلن تأييده للمرة الأولى بشكل رسمي وعلني لإجراء تعديلات على اتفاق الصخيرات، المبرم نهاية العام قبل الماضي بالمغرب برعاية الأمم المتحدة.
ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح، الذي التقى السفير البريطاني، أمس، قوله إن ميليت أقر بفشل المجلس الرئاسي للسراج في أداء المهام المطلوبة منه، موضحا أنه (السفير البريطاني) يؤيد أيضا التعديل الجديد على اتفاق الصخيرات، بما في ذلك تشكيل مجلس رئاسي جديد يضم ثلاثة أعضاء، وأن يكون رئيس الوزراء من غير الموجودين حاليًا، وكشف النقاب عن أن السفير البريطاني وعد بالتعاون مع الأمين العام الجديد للأمم المتحدة لتغيير مبعوثها في ليبيا، مارتن كوبلر، لكونه فشل هو الآخر في مهمته، مضيفا أن ميليت اعترف بأن «الاتفاق السياسي لا قيمة قانونية له ما لم يضمن في الإعلان الدستوري».
ونقل عقيلة عن السفير البريطاني تأكيده احترام بلاده «إرادة الشعب الليبي والدستور، وما يتفق عليه الليبيون فسيجد الدعم من بريطانيا».
وكان السفير البريطاني قد وصل صباح أمس لمدينة طبرق، مقر مجلس النواب بأقصى الشرق الليبي، حيث ناقش مع عدد من أعضاء مجلس النوّاب الاتفاق السياسي، وما ترتب عليه من أزمات نظير عدم التزام بعض أطرافه بمخرجات هذا الاتفاق، إضافة إلى الآلية الجديدة لاختيار المجلس الرئاسي الجديد، وإمكانية إجراء بعض التعديلات على الاتفاق السياسي قبل تضمينه بالإعلان الدستوري.
من جهة أخرى، ظهر المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي، مجددا، وهو يتابع سير المعارك من غرفة عمليات الكرامة بقاعدة بنينا الجوية في شرق البلاد، ويشرف على عمليات تحرير بنغازي بتطهير آخر معاقل الإرهاب. وقال مكتب حفتر إنه اجتمع بآمر غرفة «عمليات الكرامة» العميد عبد السلام الحاسي، وآمر قاعدة بنينا الجوية العميد طيار محمد منفور، حيث أشاد بانتصارات قوات الجيش والشباب المساند له بتطهير منطقة بوصنيب، ومحاصرة الإرهاب في آخر معاقله بقنفودة، كما ناقش حفتر مع عبد الله الثني، رئيس الحكومة الانتقالية الموالية لمجلس النواب، في مقر القيادة العامة للجيش، المستجدات على الساحة المحلية والدولية، وذلك بحضور علي القطراني نائب السراج المقاطع لجلسات مجلسه الرئاسي، ورئيس الأركان العامة للجيش الليبي اللواء عبد الرزاق الناظوري.
إلى ذلك، أعلن حفتر رفضه أي مساعدات إنسانية من إيطاليا إلى ليبيا قبل رحيل الجنود الإيطاليين من مدينة مصراتة وكل أنحاء البلاد، وفقا لما قاله مسؤوله الإعلامي.
وفي غضون ذلك، علق أعضاء مجلس النواب عن المنطقة الجنوبية عضويتهم في المجلس، وهددوا باتخاذ إجراءات تصعيدية في حال عدم قيام الجهات التنفيذية بدورها وإيجاد حلول للوضع المعيشي المتردي والمشكلات التي يعانيها سكان المنطقة.
وقال الأعضاء الـ16، في بيان لهم، إنهم قرروا تعليق عضويتهم احتجاجًا على عجز المسؤولين عن إيجاد حلول لما وصفوه بـ«الوضع المزري الذي يعيشه الليبيون في الجنوب».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.