منتدى دافوس ينطلق بـ«تفاؤل» ممزوج بـ«القلق»

اللورد مالوك براون لـ«الشرق الأوسط»: نهدف لإقناع القطاع الخاص بجدوى الاستثمار في التنمية المستدامة

تعزيزات أمنية عالية بالقرب من المبنى الذي سيستضيف منتدى دافوس في سويسرا (إ.ب.أ)
تعزيزات أمنية عالية بالقرب من المبنى الذي سيستضيف منتدى دافوس في سويسرا (إ.ب.أ)
TT

منتدى دافوس ينطلق بـ«تفاؤل» ممزوج بـ«القلق»

تعزيزات أمنية عالية بالقرب من المبنى الذي سيستضيف منتدى دافوس في سويسرا (إ.ب.أ)
تعزيزات أمنية عالية بالقرب من المبنى الذي سيستضيف منتدى دافوس في سويسرا (إ.ب.أ)

إذا كان أبرز الحاضرين لمنتدى دافوس هذا العام هو تشي جينبينغ، فإن هناك غائبًا يهيمن على الحضور وهو دونالد ترامب. وكما يحير ترامب السياسيين في أوروبا والعالم بغموض سياساته؛ فإنه يخير كذلك الاقتصاديين في دافوس، الذين سيحاولون خلال أيام المنتدى الأربعة استشفاف ما يمكنهم - من خلال خبراتهم الواسعة - لما يمكن أن يذهب إليه الرئيس الأميركي الجديد، وما سيؤدي إليه ذلك من تبعات على العالم.
ومع بداية أعمال منتدى دافوس الاقتصادي اليوم في سويسرا، يمتزج التفاؤل مع المخاوف في أروقة المنتدى وبين الحضور، حيث تشير الكثير من المؤشرات إلى تحسن كبير في الاقتصاد العالمي بعد عام صعب، إلا أن القلق لا يزال حاضرًا بقوة إزاء عدد من القضايا التي يتمنى العالم حسمها بنهايات سعيدة تسهم في دفع النمو العالمي إلى الأمام.
وشهدت نهاية العام الماضي وبداية العام الجديد انتعاشة عامة وتحسنًا كبيرًا بأسواق الأسهم والسلع، إضافة إلى اتفاق «أوبك» الذي ينظر إليه كطوق نجاة لأسعار النفط، كما تظهر الصين تحسنًا كبيرًا في مناخها العام بالنسبة لقضايا العولمة التي طالما وقفت ضدها... لكن أمام ذلك، لا تزال المخاوف تتعلق بالإجراءات التي ستسير عليها بريطانيا في انفصالها عن الاتحاد الأوروبي، وكذلك الغموض الذي يحاصر رؤية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للتجارة العالمية، وهي أمور لو ساء التعامل معها قد تسفر عن تدهور جديد للاقتصاد العالمي.
وبالتزامن مع انطلاقة منتدى دافوس اليوم، جاء تقرير لجنة التنمية المستدامة والأعمال ليعيد الأمل في قدرة البشرية على القضاء على كل أنواع الفقر وضخ ما قد يصل إلى 12 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030.
وأعلنت اللجنة الهادفة عن حشد جهود القطاع الخاص لتبني أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والاستثمار في ثلاثة محاور أساسية، هي: النمو الاقتصادي، والدمج الاجتماعي، وحماية البيئة.
وبهذا الصدد، أوضح رئيس اللجنة اللورد مالوك براون، في مكالمة هاتفية مع «الشرق الأوسط» أن الهدف من التقرير هو إقناع الشركات والقطاع الخاص بأن التنمية المستدامة تمثل فرصة استثمارية، سواء تعلق الأمر بالبنية التحتية أو وسائل النقل العام أو سبل إنتاج الطاقة.
وشغل اللورد مارك مالوك براون، سابقًا منصب نائب الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان، ومدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، ووزير الدولة لأفريقيا في حكومة رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون.
وفي الوقت الذي تتجاوز فيه حاجة العالم للتنمية المستدامة إمكانيات الحكومات والقطاع العام، أوضح مارك أن اللجنة التي يرأسها غيرت استراتيجيتها لحشد الدعم المطلوب؛ من مقاربة مبنية على جمع التبرعات والاعتماد على الأعمال الخيرية، إلى مقاربة عملية وربحية يستفيد منها قطاع الأعمال.
وبحسب التقرير، فإن تحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ17، التي توافقت عليها الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في عام 2015، سيحقق أرباحًا تتراوح بين 12 إلى 30 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030، أي ارتفاعا بنسبة 10 إلى 30 في المائة، على حد تقدير الوزير البريطاني السابق، الذي شدد على أن التقرير يهدف كذلك إلى تشجيع القطاع الخاص على الإبداع في إطار استثماراته في هذه القطاعات.
وأوضحت اللجنة أنه خلال دراستها أثر تحقيق تلك الأهداف، المعروفة باسم «الأهداف العالمية»، وجدت أن نصف رجال الأعمال المستجوبين اعتبروا أن مسؤولية تحقيقها تقع على عاتق الحكومات. ورغم التزام الدول الأعضاء بتوجيه سياساتها نحو هذه الأهداف خلال الـ15 عامًا القادمة، فإن تعاون قطاع الأعمال الخاص عبر العالم والتزامه الجوهري في خلق عالم مستدام بشكل شامل، أي عادل اجتماعيًا، وآمنًا بيئيًا، ومزدهرًا اقتصاديًا، يستوعب جميع الفئات ويمكن التنبؤ بمتغيراته.
كما اعتبرت اللجنة أن اهتمام قطاع الأعمال بأربعة أنظمة اقتصادية تمثل 60 في المائة من الاقتصاد العالمي، هي الغذاء والزراعة، والمدن، والطاقة والمواد، والصحة والرفاهية، من شأنه أن يولد 12 تريليون دولار في العام الواحد في العائدات، وأن يوفر التكاليف ضمن الأنظمة الاقتصادية المذكورة، ويخلق ما يفوق 380 مليون فرصة عمل بحلول 2030.
ويضيف التقرير أن «الحصيلة الاقتصادية الكلية لتطبيق الأهداف العالمية قد تصل إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف ذلك، بافتراض أن الفوائد سيتم جنيها على امتداد الصعيد الاقتصادي بأكمله. وستصاحبها إنتاجية أكبر في العمالة والموارد، وهو افتراض مقبول واقعيًا».
أما عن البيئة السياسية الحالية، فأوضح مالوك براون أن جزءا كبيرا من هذه الاستثمارات يعتمد على التعاون بين القطاعين العام والخاص، وبالتالي على السياسات الاقتصادية التي ترسمها الحكومات.
ولم يخف المسؤول الأممي السابق قلقه من التوجه الجديد للسياسات الاقتصادية التي أعلن عنها الرئيس المنتخب دونالد ترامب، ذات النبرة «الحمائية» كما وصفها... إلا أنه عاد بلهجة متفائلة ليقول إن معدي التقرير من خبراء، وهم أكثر من 30 رجل أعمال بارزين في الساحة العالمية، لم يتوقعوا تحقيق هذه الأهداف دون مواجهة تحديات ومقاومة من بعض الأطرف.
ويأتي تولي ترامب بالتزامن مع المنتدى كمفارقة كبرى، إذا إنه في العام الماضي كانت هناك حالة ما يشبه الإجماع في المنتدى على أن ترامب ليس أمامه فرصة للوصول للبيت الأبيض. وجاء فوزه بعد أقل من نصف عام على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليوجه ما يشبه الصفعة لشتى المبادئ التي تعتز بها صفوة دافوس بشدة منذ فترة طويلة من العولمة إلى التجارة الحرة والشركات متعددة الجنسيات.
ويبدو ترامب كمثال حي على موجة جديدة من الشعبوية التي تجتاح دول العالم المتقدم وتهدد النظام الديمقراطي الليبرالي لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ومع اقتراب الانتخابات في هولندا وفرنسا وألمانيا وربما إيطاليا هذا العام فقد بدا قلق الحضور في منتدى دافوس واضحًا.
وقال جان ماري جوينو الرئيس التنفيذي للمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات لـ«رويترز» أمس: «بصرف النظر عن رؤيتك لترامب ومواقفه، فإن انتخابه أدى إلى شعور عميق بعدم التيقن، وسيلقي ذلك بظلاله على دافوس».
وكان موازيس نايم، من مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي، أكثر صراحة، حيث قال: «هناك إجماع على أن شيئًا ضخمًا يجري، وهو شيء عالمي وغير مسبوق على عدة مستويات. لكننا لا نعرف ما هي أسبابه أو كيف نتعامل معه».
وتستحضر عناوين حلقات المناقشة في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يستمر في الفترة من 17 إلى 20 يناير (كانون الثاني) المشهد العالمي الجديد الباعث على القلق. ومن بين هذه العناوين «كيف يمكن حل أزمة الطبقة المتوسطة المضغوطة والغاضبة»، و«سياسات الخوف أو التمرد للمنسيين»، و«التسامح هل بلغ مداه»، و«مرحلة ما بعد الاتحاد الأوروبي».
كما أن قائمة الزعماء الذين يحضرون المنتدى هذا العام معبرة كذلك. فنجم المؤتمر هو تشي جينبينغ أول رئيس صيني يحضر مؤتمر دافوس على الإطلاق. ويعتبر حضوره إشارة إلى ثقل الصين المتزايد في العالم، في وقت يعد فيه ترامب بمزيد من نهج «أميركا أولاً» الانعزالي، وتنشغل فيه أوروبا بمشكلاتها الخاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وبحسب الأجندة المسبقة، من المقرر أن تحضر المنتدى كذلك تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا التي تواجه مهمة شائكة تتمثل في إخراج بلدها من الاتحاد الأوروبي... لكن لا يمكن التأكيد على حضور ماي من عدمه للمنتدى في ظل ترقب خطابها الهام اليوم، والذي قد تسفر تبعاته عن تغير خططها.
أما أبرز الغائبين، فستكون المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي دأبت على حضور المنتدى السنوي والتي تلائم سمعتها كزعيمة قوية ثابتة على الموقف الشعار الرئيسي للمنتدى وهو «الزعامة المسؤولة المتجاوبة»، لكنها لن تحضر هذا العام.



مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
TT

مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)

نشرت الجريدة الرسمية في مصر قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن الموافقة على زيادة حصة البلاد في صندوق النقد الدولي بنسبة 50 في المائة. كما نص القرار على أن الزيادة في الحصة لن تصبح سارية إلا بعد استيفاء شروط التصديق، رابطاً ذلك بموافقة جميع الدول الأعضاء في الصندوق على زيادة حصصهم.

وحسب مراقبين، تهدف زيادة الحصة إلى تعزيز الموارد المتاحة لصندوق النقد لدعم السياسات الاقتصادية والمالية للدول الأعضاء. كما أنها تزيد من القوة التصويتية لمصر في الصندوق.

ويرتبط القرار بالمراجعة العامة الـ16 للحصص، التي تشمل زيادات في حصص الدول الأعضاء، والتي تعتمد على الموافقة الكتابية للدول المشاركة والالتزام بالشروط المالية المحددة. علماً أن نحو 97 في المائة من الدول الأعضاء توافق على الزيادة.

كان مجلس النواب قد وافق في جلسة عامة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على زيادة حصة مصر في الصندوق بنسبة 50 في المائة. ومن المقرر أن تقوم مصر بإتمام الإجراءات المالية اللازمة لدفع الزيادة في حصتها، والتي ستتم في إطار الزمان المحدد في القرار، حسبما أوضح مسؤولون مصريون.

وأعلن صندوق النقد الشهر الماضي التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن المراجعة الرابعة لاتفاق تسهيل الصندوق الممدد الذي يستمر 46 شهراً، وهو ما قد يتيح صرف شريحة جديدة تبلغ 1.2 مليار دولار. وقال وزير المالية المصري أحمد كوجك، قبل أيام إن مصر ستحصل على الشريحة هذا الشهر، نافياً طلب مصر توسيع القرض البالغة قيمته 8 مليارات دولار مرة أخرى.

وفي تصريحات إعلامية، أعرب كوجك عن قلقه من حجم الدين الخارجي الذي يتخطى 152 مليار دولار، وأكد تعهد الحكومة بخفضه بما يعادل نحو ملياري دولار سنوياً مع السداد بأكثر من قيمة الاقتراض.

في سياق منفصل، أفادت بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر بأن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 24.1 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من 25.5 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني). وهذا هو أدنى مستوى في عامين، ويتماشى ذلك مع ما خلص إليه استطلاع رأي أجرته «رويترز»، وذلك في ظل استمرار تراجع أسعار المواد الغذائية.

وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار في المدن المصرية 0.2 في المائة، مقارنةً مع 0.5 في المائة في نوفمبر. وانخفضت أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.5 في المائة في ديسمبر بعد انخفاضها بنسبة 2.8 في المائة في نوفمبر، مما جعلها أعلى بنسبة 20.3 في المائة مما كانت عليه قبل عام.

وارتفع التضخم في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، لكنه انخفض في نوفمبر وظل أقل بكثير من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 في المائة الذي سجله في سبتمبر 2023.

وساعد النمو السريع في المعروض النقدي لمصر على زيادة التضخم. وأظهرت بيانات البنك المركزي أن المعروض النقدي (ن2) نما 29.06 في المائة في العام المنتهي في آخر نوفمبر، وهو ما يقل قليلاً عن أعلى مستوى على الإطلاق البالغ 29.59 في المائة المسجل في العام المنتهي بنهاية سبتمبر.

وبدأ التضخم في الارتفاع بشكل كبير عام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما دفع المستثمرين الأجانب إلى سحب مليارات الدولارات من أسواق الخزانة المصرية. وسجل التضخم ذروته عند 38 في المائة في سبتمبر 2023، وكان أدنى مستوى له منذ ذلك الحين عندما سجل 21.27 في المائة في ديسمبر 2022.

ووقَّعت مصر في مارس (آذار) الماضي على حزمة دعم مالي مع صندوق النقد الدولي بهدف مساعدتها على تقليص عجز الميزانية وتبني سياسة نقدية أقل تأجيجاً للتضخم، لكنَّ الحزمة تُلزم الحكومة بخفض الدعم على بعض السلع المحلية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

ومعدلات التضخم من أهم النقاط التي تراعيها لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري عندما تجتمع لاتخاذ قرارات أسعار الفائدة.

وتتوقع اللجنة استمرار هذا الاتجاه، إذ قالت في محضر آخر اجتماعاتها في 2024: «تشير التوقعات إلى أن التضخم سيتراجع بشكل ملحوظ بدءاً من الربع الأول من عام 2025، مع تحقق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس، وسوف يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من عام 2026».

كانت اللجنة قد ثبَّتت أسعار الفائدة في اجتماعاتها الستة الأحدث، إذ لم تغيرها منذ أن رفعتها 600 نقطة أساس في اجتماع استثنائي خلال مارس في إطار اتفاق قرض تمت زيادة حجمه إلى 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي. وكان هذا الرفع قد جاء بعد زيادة بلغت 200 نقطة أساس أول فبراير (شباط).