«سوسيولوجيا الشباب» تحت المجهر

بحثًا عن تفسير علمي للتطرّف والإرهاب

ابو محمد العدناني في شريط فيديو للتنظيم الارهابي قبل مقتله العام الماضي
ابو محمد العدناني في شريط فيديو للتنظيم الارهابي قبل مقتله العام الماضي
TT

«سوسيولوجيا الشباب» تحت المجهر

ابو محمد العدناني في شريط فيديو للتنظيم الارهابي قبل مقتله العام الماضي
ابو محمد العدناني في شريط فيديو للتنظيم الارهابي قبل مقتله العام الماضي

فرض السياق العام الذي يعيشه الوطن العربي منذ 2011 وبروز تنظيم داعش الإرهابي المتطرف بقيادة أبو بكر البغدادي، وما صاحبه من تأثيرات جوهرية على الجيل الثالث من المسلمين بأوروبا وأميركا، ظهور تقليد علمي جديد وسط النخبة الأكاديمية العربية يتعلق بدراسة الشباب كظاهرة سوسيولوجية لافتة للنظر. ذلك أن مراكز الخبرة والمتخصّصين بالغرب، وجدوا أنفسهم أمام «هجرة معاكسة» للآلاف من الشباب المسلم المستقر في الغرب نحو العراق وسوريا للقتال في صفوف «داعش». كذلك غادر الآلاف من مواليد ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، الكثير من الدول العربية بلدانهم والتحقوا بتنظيم «البغدادي» الشيء الذي حوّل آيديولوجية «الخلافة» و«الجهاد المقدس» لواقع حقيقي – ولو عبر ادعاءات «داعش» – في زمن قياسي. أكثر من هذا أظهرت عدة دراسات أن «البنية التنظيمية» ومراكز صناعة القرار داخل التنظيم، منحت الشباب مكانة مرموقة، حيث شغلوا مناصب تنفيذية سياسية وعسكرية جد حساسة، ما جعل من «داعش» تنظيمًا إرهابيا شبابيًا معولمًا في الوقت نفسه.
ويبدو أن تغيرات السياق الاجتماعي للشباب المتدين بالغرب والوطن العربي، لا يشق مساره التاريخي في ظل اعتباط ثقافي، بل ينم عن إحساس جماعي للشباب بالأهلية الثقافية وإرادة التحرّر من الفكر المشيخي السلطوي عربيًا. كما أن هذا التحرك الفعال يهدف إلى خلق إعادة الاندماج في الطبقات والتشكيلات الاجتماعية مع تجاوز لهيمنة الشيوخ (أي كبار السن) السائدة في المجتمع التقليدي العربي. أما في الغرب، فيظهر أن الشباب المسلم اليوم أكثر انخراطًا فيما يسميه عالم الاجتماع الفرنسي الكبير بيير بورديو «مقاومة الأقوال المتداولة». وبالتالي، اعتبار الانتماء والآيديولوجيا الدينية أصلا في تحديد الخيارات وطرق العيش، وهو ما أنتج ثقافة «الهجرة المعاكسة» واختيار الصراع ضد العالم من أجل بناء «خلافة» يزعم أنها إسلامية.
في هذا الإطار يمكن الحديث مع السوسيولوجيتين الفرنسيتين كليمنتين رينو Clémentine Raineau، وآن ماري بتريك Anne - Marie Peatrik، عن الشباب باعتباره قضية وإشكالية اجتماعية، تتحدد من خلال النسق والدينامية المجتمعية دينية كانت أم علمانية. فالدينامية هي التي تنتج «طبقات اجتماعية» و«مجموعات عمرية»، في ظل نظام ديمقراطي أو استبدادي. وتتفاعل تصورات المجموعات والطبقات، وتتباين بشأن قضايا معرفية وسلوكية، منها الدين والسياسة والعنف، وغيرها من قضايا المجال العام. وعليه يمكن القول مع بيير بورديو أن «الشباب والشيخوخة ليسا معطيين بل هما بناءان عقليان أقيما على نحو اجتماعي في الصراع بين الشباب والشيوخ»؛ وأن هذا الصراع يزداد حدّة ويتحول إلى العنف باستعمال أدوات آيديولوجية قد تكون سياسية وقد تكون دينية، وقد تكون رمزية، أو مادية باستعمال السلاح.
صحيح أن التحوّلات الاجتماعية للشباب المتديّن بالغرب وعربيًا، تتداخل فيه عوامل عدة ومعقدة، منها العولمة والحداثة التي أنتجت مجتمع الشبكات بتعبير عالم الاجتماع مانويل كاستل. ومنها كذلك ما يتعلق بالسياسة وهيمنة السلطة التي تظهر في النظام العربي وهيمنته السلطوية من جهة؛ ومركزية التنظيم الاجتماعي الغربي وممارسته ما يطلق عليه بيير بورديو العنف الرمزي من جهة ثانية. هذا ما ينتج نمطًا خاصًا من الحياة الاجتماعية للفردية الغربية التي اعتبر جون بودون أنها «لا تعترف بغير الفاعلين في صميم هذه الحياة». الشيء الذي يعني أن الشباب المسلم في ضواحي المدن الكبرى الأوروبية، الذي يعاني من أزمة تعليم وبطالة ولا مساواة هو بالتأكيد خارج نسق الفعل الاجتماعي.
وهذا التهميش الواقع يحول هذه الفئات لمجتمع مصغر يخلق رابطًا اجتماعيًا جديدًا، يعتمد على الأسس الصلبة. ويكون في نفس الوقت قادرا على إبراز الكينونة الجماعية للمهمّشين. وهذا ما يفسر سطوة الدين في ضواحي بعض المدن الأوروبية كباريس وبروكسل. وذلك أن المحاولات الاجتماعية التي يقودها الشباب في هذه المناطق تحوّل الدين إلى سلاح ومحرّك فعّال في الصراع مع المجتمع الأكبر، وسياساته العامة الوطنية والخارجية المتعلقة بالشرق الأوسط. وكل هذا يحتاج لاستثمار منسوب الحقد الناتج عن الاغتراب والهشاشة، لتحشيد الفئة العمرية الشابة وتجنيدها في التنظيمات الإرهابية.
إن تراكم الحقد على الحياة والإحساس الجماعي بالتهميش والتمزّق على مستوى الهويّة من العوامل التي تجعل من الشباب المسلم أكثر انسجامًا.
وبالتالي أكثر قدرة على الحركة والتأثير، لدرجة تتجاوز في كثير من الأحيان القدرات والإمكانات الفكرية والمادية التي توفرها مجتمعات الضواحي المهمشة.
صحيح كذلك أن استعمال الدين هنا، لا يعبر فقط عن إحساس بضعف الكينونة الجماعية للشباب، ولكنه يعبر في الوقت نفسه عن البحث المستمر للتموقع داخل النسق الاجتماعي، ومواجهته من داخل الدولة الواحدة (تفجيرات باريس وبروكسل مثلا). أو مواجهته، في الخارج والإضرار بما يعتبر مصالح لهذه الدول بالشرق الأوسط، عبر الالتحاق بتنظيم البغدادي.
وفي هذا الإطار لا يمكن القول كذلك أن التحول المفاجئ للشباب بالغرب من عالم الجريمة والمخدرات إلى مربع التنظيمات الإرهابية ناتج عن الشخصية المريضة. لأن هذا التعميم يفتقد للأسس العلمية، ولا يستحضر الأبعاد المركبة المساهمة في عملية التحول، من الانحراف إلى العمل الإرهابي المنظم، الذي تساهم فيه عوامل سياسية ونفسية واجتماعية.
ثم إن هذه العوامل قد تكون بالدرجة الأولى، ذات بعد مرجعي تدفع الإنسان للنظر للواقع من خلال معتقداته الصلبة، وجعلها المحدد الوحيد للخيارات الصحيحة والخاطئة. وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف الألماني تيدور أدورنو، حيث اعتبر الفرد ميالا للسلطوية وامتلاك الحقيقة وعدم الاعتراف بالتعدد، خاصة، إذا تعلق بالجانب العقدي الديني.
كذلك فإن أن التطرّف الديني مرتبط أساسا بالتنشئة الاجتماعية والثقافية. وبالتالي، وجب النظر لتوسع التجنيد في صفوف الشباب المسلم بالغرب من زاوية ثقافية وتربوية؛ تشمل مضمون التمثلات الدينية عن الدين نفسه، من جهة، وأدوار الأسلوب التربوي المتشدّد، والعوامل الثقافية والمذهبية التي تفرزه في جغرافية بشرية غير الجغرافية التي ظهر فيها التطرف الديني تاريخيا.
وبالتالي يمكن القول: إن الشباب المتدين بالغرب يحتاج لعلاج معرفي ثقافي وتربوي، أكثر منه أمني. ذلك أن التوسع المبالغ فيه في المراقبة الأمنية المشددة، واتهام الشباب المسلم المتدين «بالمجانين» يجعلانه في حالة من الإحساس بالحرمان من الاستقلالية الفردية، ما يدفعه لتعويضها بالهجرة، وصناعة نجومية عالمية في دولة «الخلافة» المزعومة التي يقودها البغدادي.
ويشير جيرالد برونر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة ديدرو بباريس، في كتابه «الفكر المتطرّف: كيف يصبح الناس العاديون متعصّبين» (الصادر بالفرنسيّة عام 2009) إلى شيوع هذا الوصف غير العلمي حتى في الوسط الأكاديمي.
ويعتبر أن استسهال النظر في معتقدات المتعصّبين، ووصفهم عادة بـ«المجانين»، لأن سلوكيّاتهم «غير منطقيّة» لا يقدم أي تفسير علمي للظاهرة، رغم الرواج الإعلامي الذي يحظى به. ذلك أن الاستناد لتدني المستوى التعليمي للشباب المتطرف، وانسداد أفقهم الاقتصادي، لا يفسر عدم تحول الأغلبية الساحقة ممن لهم نفس المشترك التعليمي والاقتصادي لمتطرفين وإرهابيين. أكثر من ذلك، يمكن الاستناد لخلاصة الكثير من الدراسات حول الشباب المسلم بالغرب الملتحق «بداعش»، لإثبات عكس ما هو رائج. ذلك أن هذه الدراسات تؤكد أن الشباب المتطرف هم من الطبقة المتوسطة والعليا، وأنهم على مستوى عالٍ من التعليم.
من جهته، يرى عالم الاجتماع نفسه أن التعصب هو «التزام راديكالي بفكرة راديكاليّة» (ص 210). وهذا يستوجب التضحية وبناء مسار حياتي غير عادي، يتسم ابتداءً بالقدرة على العطاء والذوبان في الجماعة. وفي هذا السياق يصف برونر المتطرّفين، بأنّهم أفراد قادرون على «التضحية بأثمن ما عندهم (وظائفهم، حرّيتهم...)، ولا سيما حياتهم، وفي كثير من الحالات حيوات الآخرين أيضًا، باسم فكرة معينة» (ص 91).
صحيح أن ذهنية وفكرة التطرف ضعيفة الانتقال بين الذوات، بمعنى أنها تظل محدودة في الوسط الاجتماعي المعتل وغير المتوازن، إلا أن فعاليتها العنيفة تعطيها صدى ووقعًا أكبر من حجمها الطبيعي. كما أنها تستطيع تمديد أمد حياتها لكون نواتها تتمركز حول «قيم ومعتقدات ذات شحنة صراعيّة ولادة، وحركية. وبما أنّ «البحث عن الاتساق والتنفيذ غير المشروط لبعض المقدّمات المنطقيّة يؤدّيان بسهولة إلى أشكال من التطرّف... فإنّ حجّة النقاء والتماسك العقائدي تتحوّل... إلى درع واقٍ يحمي المتطرّفين من عالم يعتقدون أنّ لديهم أسبابا وجيهة لكرهه أو احتقاره» (ص 79).
بكلمة، يمكن القول: إن الفكر المتطرف المنتج للإرهاب لا يخلو من عقلانية حداثية، تجعل من الصراع آلية ضرورية في النسق الاجتماعي. ولذلك يختلط الصراع الراديكالي الجيلي بين الضواحي المهمشة والمدن الراقية بالغرب، بالمعرفة الدينية المعولمة. ويتحوّل الصراع بين الشيوخ والشباب في المجتمع العربي التقليدي، في ظل أنظمة غير ديمقراطية لساحة عنف سياسي، يستعمل السلاح لأغراض سياسية بغطاء ديني متشدد ومنحرف.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».