«سوسيولوجيا الشباب» تحت المجهر

بحثًا عن تفسير علمي للتطرّف والإرهاب

ابو محمد العدناني في شريط فيديو للتنظيم الارهابي قبل مقتله العام الماضي
ابو محمد العدناني في شريط فيديو للتنظيم الارهابي قبل مقتله العام الماضي
TT

«سوسيولوجيا الشباب» تحت المجهر

ابو محمد العدناني في شريط فيديو للتنظيم الارهابي قبل مقتله العام الماضي
ابو محمد العدناني في شريط فيديو للتنظيم الارهابي قبل مقتله العام الماضي

فرض السياق العام الذي يعيشه الوطن العربي منذ 2011 وبروز تنظيم داعش الإرهابي المتطرف بقيادة أبو بكر البغدادي، وما صاحبه من تأثيرات جوهرية على الجيل الثالث من المسلمين بأوروبا وأميركا، ظهور تقليد علمي جديد وسط النخبة الأكاديمية العربية يتعلق بدراسة الشباب كظاهرة سوسيولوجية لافتة للنظر. ذلك أن مراكز الخبرة والمتخصّصين بالغرب، وجدوا أنفسهم أمام «هجرة معاكسة» للآلاف من الشباب المسلم المستقر في الغرب نحو العراق وسوريا للقتال في صفوف «داعش». كذلك غادر الآلاف من مواليد ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، الكثير من الدول العربية بلدانهم والتحقوا بتنظيم «البغدادي» الشيء الذي حوّل آيديولوجية «الخلافة» و«الجهاد المقدس» لواقع حقيقي – ولو عبر ادعاءات «داعش» – في زمن قياسي. أكثر من هذا أظهرت عدة دراسات أن «البنية التنظيمية» ومراكز صناعة القرار داخل التنظيم، منحت الشباب مكانة مرموقة، حيث شغلوا مناصب تنفيذية سياسية وعسكرية جد حساسة، ما جعل من «داعش» تنظيمًا إرهابيا شبابيًا معولمًا في الوقت نفسه.
ويبدو أن تغيرات السياق الاجتماعي للشباب المتدين بالغرب والوطن العربي، لا يشق مساره التاريخي في ظل اعتباط ثقافي، بل ينم عن إحساس جماعي للشباب بالأهلية الثقافية وإرادة التحرّر من الفكر المشيخي السلطوي عربيًا. كما أن هذا التحرك الفعال يهدف إلى خلق إعادة الاندماج في الطبقات والتشكيلات الاجتماعية مع تجاوز لهيمنة الشيوخ (أي كبار السن) السائدة في المجتمع التقليدي العربي. أما في الغرب، فيظهر أن الشباب المسلم اليوم أكثر انخراطًا فيما يسميه عالم الاجتماع الفرنسي الكبير بيير بورديو «مقاومة الأقوال المتداولة». وبالتالي، اعتبار الانتماء والآيديولوجيا الدينية أصلا في تحديد الخيارات وطرق العيش، وهو ما أنتج ثقافة «الهجرة المعاكسة» واختيار الصراع ضد العالم من أجل بناء «خلافة» يزعم أنها إسلامية.
في هذا الإطار يمكن الحديث مع السوسيولوجيتين الفرنسيتين كليمنتين رينو Clémentine Raineau، وآن ماري بتريك Anne - Marie Peatrik، عن الشباب باعتباره قضية وإشكالية اجتماعية، تتحدد من خلال النسق والدينامية المجتمعية دينية كانت أم علمانية. فالدينامية هي التي تنتج «طبقات اجتماعية» و«مجموعات عمرية»، في ظل نظام ديمقراطي أو استبدادي. وتتفاعل تصورات المجموعات والطبقات، وتتباين بشأن قضايا معرفية وسلوكية، منها الدين والسياسة والعنف، وغيرها من قضايا المجال العام. وعليه يمكن القول مع بيير بورديو أن «الشباب والشيخوخة ليسا معطيين بل هما بناءان عقليان أقيما على نحو اجتماعي في الصراع بين الشباب والشيوخ»؛ وأن هذا الصراع يزداد حدّة ويتحول إلى العنف باستعمال أدوات آيديولوجية قد تكون سياسية وقد تكون دينية، وقد تكون رمزية، أو مادية باستعمال السلاح.
صحيح أن التحوّلات الاجتماعية للشباب المتديّن بالغرب وعربيًا، تتداخل فيه عوامل عدة ومعقدة، منها العولمة والحداثة التي أنتجت مجتمع الشبكات بتعبير عالم الاجتماع مانويل كاستل. ومنها كذلك ما يتعلق بالسياسة وهيمنة السلطة التي تظهر في النظام العربي وهيمنته السلطوية من جهة؛ ومركزية التنظيم الاجتماعي الغربي وممارسته ما يطلق عليه بيير بورديو العنف الرمزي من جهة ثانية. هذا ما ينتج نمطًا خاصًا من الحياة الاجتماعية للفردية الغربية التي اعتبر جون بودون أنها «لا تعترف بغير الفاعلين في صميم هذه الحياة». الشيء الذي يعني أن الشباب المسلم في ضواحي المدن الكبرى الأوروبية، الذي يعاني من أزمة تعليم وبطالة ولا مساواة هو بالتأكيد خارج نسق الفعل الاجتماعي.
وهذا التهميش الواقع يحول هذه الفئات لمجتمع مصغر يخلق رابطًا اجتماعيًا جديدًا، يعتمد على الأسس الصلبة. ويكون في نفس الوقت قادرا على إبراز الكينونة الجماعية للمهمّشين. وهذا ما يفسر سطوة الدين في ضواحي بعض المدن الأوروبية كباريس وبروكسل. وذلك أن المحاولات الاجتماعية التي يقودها الشباب في هذه المناطق تحوّل الدين إلى سلاح ومحرّك فعّال في الصراع مع المجتمع الأكبر، وسياساته العامة الوطنية والخارجية المتعلقة بالشرق الأوسط. وكل هذا يحتاج لاستثمار منسوب الحقد الناتج عن الاغتراب والهشاشة، لتحشيد الفئة العمرية الشابة وتجنيدها في التنظيمات الإرهابية.
إن تراكم الحقد على الحياة والإحساس الجماعي بالتهميش والتمزّق على مستوى الهويّة من العوامل التي تجعل من الشباب المسلم أكثر انسجامًا.
وبالتالي أكثر قدرة على الحركة والتأثير، لدرجة تتجاوز في كثير من الأحيان القدرات والإمكانات الفكرية والمادية التي توفرها مجتمعات الضواحي المهمشة.
صحيح كذلك أن استعمال الدين هنا، لا يعبر فقط عن إحساس بضعف الكينونة الجماعية للشباب، ولكنه يعبر في الوقت نفسه عن البحث المستمر للتموقع داخل النسق الاجتماعي، ومواجهته من داخل الدولة الواحدة (تفجيرات باريس وبروكسل مثلا). أو مواجهته، في الخارج والإضرار بما يعتبر مصالح لهذه الدول بالشرق الأوسط، عبر الالتحاق بتنظيم البغدادي.
وفي هذا الإطار لا يمكن القول كذلك أن التحول المفاجئ للشباب بالغرب من عالم الجريمة والمخدرات إلى مربع التنظيمات الإرهابية ناتج عن الشخصية المريضة. لأن هذا التعميم يفتقد للأسس العلمية، ولا يستحضر الأبعاد المركبة المساهمة في عملية التحول، من الانحراف إلى العمل الإرهابي المنظم، الذي تساهم فيه عوامل سياسية ونفسية واجتماعية.
ثم إن هذه العوامل قد تكون بالدرجة الأولى، ذات بعد مرجعي تدفع الإنسان للنظر للواقع من خلال معتقداته الصلبة، وجعلها المحدد الوحيد للخيارات الصحيحة والخاطئة. وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف الألماني تيدور أدورنو، حيث اعتبر الفرد ميالا للسلطوية وامتلاك الحقيقة وعدم الاعتراف بالتعدد، خاصة، إذا تعلق بالجانب العقدي الديني.
كذلك فإن أن التطرّف الديني مرتبط أساسا بالتنشئة الاجتماعية والثقافية. وبالتالي، وجب النظر لتوسع التجنيد في صفوف الشباب المسلم بالغرب من زاوية ثقافية وتربوية؛ تشمل مضمون التمثلات الدينية عن الدين نفسه، من جهة، وأدوار الأسلوب التربوي المتشدّد، والعوامل الثقافية والمذهبية التي تفرزه في جغرافية بشرية غير الجغرافية التي ظهر فيها التطرف الديني تاريخيا.
وبالتالي يمكن القول: إن الشباب المتدين بالغرب يحتاج لعلاج معرفي ثقافي وتربوي، أكثر منه أمني. ذلك أن التوسع المبالغ فيه في المراقبة الأمنية المشددة، واتهام الشباب المسلم المتدين «بالمجانين» يجعلانه في حالة من الإحساس بالحرمان من الاستقلالية الفردية، ما يدفعه لتعويضها بالهجرة، وصناعة نجومية عالمية في دولة «الخلافة» المزعومة التي يقودها البغدادي.
ويشير جيرالد برونر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة ديدرو بباريس، في كتابه «الفكر المتطرّف: كيف يصبح الناس العاديون متعصّبين» (الصادر بالفرنسيّة عام 2009) إلى شيوع هذا الوصف غير العلمي حتى في الوسط الأكاديمي.
ويعتبر أن استسهال النظر في معتقدات المتعصّبين، ووصفهم عادة بـ«المجانين»، لأن سلوكيّاتهم «غير منطقيّة» لا يقدم أي تفسير علمي للظاهرة، رغم الرواج الإعلامي الذي يحظى به. ذلك أن الاستناد لتدني المستوى التعليمي للشباب المتطرف، وانسداد أفقهم الاقتصادي، لا يفسر عدم تحول الأغلبية الساحقة ممن لهم نفس المشترك التعليمي والاقتصادي لمتطرفين وإرهابيين. أكثر من ذلك، يمكن الاستناد لخلاصة الكثير من الدراسات حول الشباب المسلم بالغرب الملتحق «بداعش»، لإثبات عكس ما هو رائج. ذلك أن هذه الدراسات تؤكد أن الشباب المتطرف هم من الطبقة المتوسطة والعليا، وأنهم على مستوى عالٍ من التعليم.
من جهته، يرى عالم الاجتماع نفسه أن التعصب هو «التزام راديكالي بفكرة راديكاليّة» (ص 210). وهذا يستوجب التضحية وبناء مسار حياتي غير عادي، يتسم ابتداءً بالقدرة على العطاء والذوبان في الجماعة. وفي هذا السياق يصف برونر المتطرّفين، بأنّهم أفراد قادرون على «التضحية بأثمن ما عندهم (وظائفهم، حرّيتهم...)، ولا سيما حياتهم، وفي كثير من الحالات حيوات الآخرين أيضًا، باسم فكرة معينة» (ص 91).
صحيح أن ذهنية وفكرة التطرف ضعيفة الانتقال بين الذوات، بمعنى أنها تظل محدودة في الوسط الاجتماعي المعتل وغير المتوازن، إلا أن فعاليتها العنيفة تعطيها صدى ووقعًا أكبر من حجمها الطبيعي. كما أنها تستطيع تمديد أمد حياتها لكون نواتها تتمركز حول «قيم ومعتقدات ذات شحنة صراعيّة ولادة، وحركية. وبما أنّ «البحث عن الاتساق والتنفيذ غير المشروط لبعض المقدّمات المنطقيّة يؤدّيان بسهولة إلى أشكال من التطرّف... فإنّ حجّة النقاء والتماسك العقائدي تتحوّل... إلى درع واقٍ يحمي المتطرّفين من عالم يعتقدون أنّ لديهم أسبابا وجيهة لكرهه أو احتقاره» (ص 79).
بكلمة، يمكن القول: إن الفكر المتطرف المنتج للإرهاب لا يخلو من عقلانية حداثية، تجعل من الصراع آلية ضرورية في النسق الاجتماعي. ولذلك يختلط الصراع الراديكالي الجيلي بين الضواحي المهمشة والمدن الراقية بالغرب، بالمعرفة الدينية المعولمة. ويتحوّل الصراع بين الشيوخ والشباب في المجتمع العربي التقليدي، في ظل أنظمة غير ديمقراطية لساحة عنف سياسي، يستعمل السلاح لأغراض سياسية بغطاء ديني متشدد ومنحرف.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.