«سوسيولوجيا الشباب» تحت المجهر

بحثًا عن تفسير علمي للتطرّف والإرهاب

ابو محمد العدناني في شريط فيديو للتنظيم الارهابي قبل مقتله العام الماضي
ابو محمد العدناني في شريط فيديو للتنظيم الارهابي قبل مقتله العام الماضي
TT

«سوسيولوجيا الشباب» تحت المجهر

ابو محمد العدناني في شريط فيديو للتنظيم الارهابي قبل مقتله العام الماضي
ابو محمد العدناني في شريط فيديو للتنظيم الارهابي قبل مقتله العام الماضي

فرض السياق العام الذي يعيشه الوطن العربي منذ 2011 وبروز تنظيم داعش الإرهابي المتطرف بقيادة أبو بكر البغدادي، وما صاحبه من تأثيرات جوهرية على الجيل الثالث من المسلمين بأوروبا وأميركا، ظهور تقليد علمي جديد وسط النخبة الأكاديمية العربية يتعلق بدراسة الشباب كظاهرة سوسيولوجية لافتة للنظر. ذلك أن مراكز الخبرة والمتخصّصين بالغرب، وجدوا أنفسهم أمام «هجرة معاكسة» للآلاف من الشباب المسلم المستقر في الغرب نحو العراق وسوريا للقتال في صفوف «داعش». كذلك غادر الآلاف من مواليد ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، الكثير من الدول العربية بلدانهم والتحقوا بتنظيم «البغدادي» الشيء الذي حوّل آيديولوجية «الخلافة» و«الجهاد المقدس» لواقع حقيقي – ولو عبر ادعاءات «داعش» – في زمن قياسي. أكثر من هذا أظهرت عدة دراسات أن «البنية التنظيمية» ومراكز صناعة القرار داخل التنظيم، منحت الشباب مكانة مرموقة، حيث شغلوا مناصب تنفيذية سياسية وعسكرية جد حساسة، ما جعل من «داعش» تنظيمًا إرهابيا شبابيًا معولمًا في الوقت نفسه.
ويبدو أن تغيرات السياق الاجتماعي للشباب المتدين بالغرب والوطن العربي، لا يشق مساره التاريخي في ظل اعتباط ثقافي، بل ينم عن إحساس جماعي للشباب بالأهلية الثقافية وإرادة التحرّر من الفكر المشيخي السلطوي عربيًا. كما أن هذا التحرك الفعال يهدف إلى خلق إعادة الاندماج في الطبقات والتشكيلات الاجتماعية مع تجاوز لهيمنة الشيوخ (أي كبار السن) السائدة في المجتمع التقليدي العربي. أما في الغرب، فيظهر أن الشباب المسلم اليوم أكثر انخراطًا فيما يسميه عالم الاجتماع الفرنسي الكبير بيير بورديو «مقاومة الأقوال المتداولة». وبالتالي، اعتبار الانتماء والآيديولوجيا الدينية أصلا في تحديد الخيارات وطرق العيش، وهو ما أنتج ثقافة «الهجرة المعاكسة» واختيار الصراع ضد العالم من أجل بناء «خلافة» يزعم أنها إسلامية.
في هذا الإطار يمكن الحديث مع السوسيولوجيتين الفرنسيتين كليمنتين رينو Clémentine Raineau، وآن ماري بتريك Anne - Marie Peatrik، عن الشباب باعتباره قضية وإشكالية اجتماعية، تتحدد من خلال النسق والدينامية المجتمعية دينية كانت أم علمانية. فالدينامية هي التي تنتج «طبقات اجتماعية» و«مجموعات عمرية»، في ظل نظام ديمقراطي أو استبدادي. وتتفاعل تصورات المجموعات والطبقات، وتتباين بشأن قضايا معرفية وسلوكية، منها الدين والسياسة والعنف، وغيرها من قضايا المجال العام. وعليه يمكن القول مع بيير بورديو أن «الشباب والشيخوخة ليسا معطيين بل هما بناءان عقليان أقيما على نحو اجتماعي في الصراع بين الشباب والشيوخ»؛ وأن هذا الصراع يزداد حدّة ويتحول إلى العنف باستعمال أدوات آيديولوجية قد تكون سياسية وقد تكون دينية، وقد تكون رمزية، أو مادية باستعمال السلاح.
صحيح أن التحوّلات الاجتماعية للشباب المتديّن بالغرب وعربيًا، تتداخل فيه عوامل عدة ومعقدة، منها العولمة والحداثة التي أنتجت مجتمع الشبكات بتعبير عالم الاجتماع مانويل كاستل. ومنها كذلك ما يتعلق بالسياسة وهيمنة السلطة التي تظهر في النظام العربي وهيمنته السلطوية من جهة؛ ومركزية التنظيم الاجتماعي الغربي وممارسته ما يطلق عليه بيير بورديو العنف الرمزي من جهة ثانية. هذا ما ينتج نمطًا خاصًا من الحياة الاجتماعية للفردية الغربية التي اعتبر جون بودون أنها «لا تعترف بغير الفاعلين في صميم هذه الحياة». الشيء الذي يعني أن الشباب المسلم في ضواحي المدن الكبرى الأوروبية، الذي يعاني من أزمة تعليم وبطالة ولا مساواة هو بالتأكيد خارج نسق الفعل الاجتماعي.
وهذا التهميش الواقع يحول هذه الفئات لمجتمع مصغر يخلق رابطًا اجتماعيًا جديدًا، يعتمد على الأسس الصلبة. ويكون في نفس الوقت قادرا على إبراز الكينونة الجماعية للمهمّشين. وهذا ما يفسر سطوة الدين في ضواحي بعض المدن الأوروبية كباريس وبروكسل. وذلك أن المحاولات الاجتماعية التي يقودها الشباب في هذه المناطق تحوّل الدين إلى سلاح ومحرّك فعّال في الصراع مع المجتمع الأكبر، وسياساته العامة الوطنية والخارجية المتعلقة بالشرق الأوسط. وكل هذا يحتاج لاستثمار منسوب الحقد الناتج عن الاغتراب والهشاشة، لتحشيد الفئة العمرية الشابة وتجنيدها في التنظيمات الإرهابية.
إن تراكم الحقد على الحياة والإحساس الجماعي بالتهميش والتمزّق على مستوى الهويّة من العوامل التي تجعل من الشباب المسلم أكثر انسجامًا.
وبالتالي أكثر قدرة على الحركة والتأثير، لدرجة تتجاوز في كثير من الأحيان القدرات والإمكانات الفكرية والمادية التي توفرها مجتمعات الضواحي المهمشة.
صحيح كذلك أن استعمال الدين هنا، لا يعبر فقط عن إحساس بضعف الكينونة الجماعية للشباب، ولكنه يعبر في الوقت نفسه عن البحث المستمر للتموقع داخل النسق الاجتماعي، ومواجهته من داخل الدولة الواحدة (تفجيرات باريس وبروكسل مثلا). أو مواجهته، في الخارج والإضرار بما يعتبر مصالح لهذه الدول بالشرق الأوسط، عبر الالتحاق بتنظيم البغدادي.
وفي هذا الإطار لا يمكن القول كذلك أن التحول المفاجئ للشباب بالغرب من عالم الجريمة والمخدرات إلى مربع التنظيمات الإرهابية ناتج عن الشخصية المريضة. لأن هذا التعميم يفتقد للأسس العلمية، ولا يستحضر الأبعاد المركبة المساهمة في عملية التحول، من الانحراف إلى العمل الإرهابي المنظم، الذي تساهم فيه عوامل سياسية ونفسية واجتماعية.
ثم إن هذه العوامل قد تكون بالدرجة الأولى، ذات بعد مرجعي تدفع الإنسان للنظر للواقع من خلال معتقداته الصلبة، وجعلها المحدد الوحيد للخيارات الصحيحة والخاطئة. وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف الألماني تيدور أدورنو، حيث اعتبر الفرد ميالا للسلطوية وامتلاك الحقيقة وعدم الاعتراف بالتعدد، خاصة، إذا تعلق بالجانب العقدي الديني.
كذلك فإن أن التطرّف الديني مرتبط أساسا بالتنشئة الاجتماعية والثقافية. وبالتالي، وجب النظر لتوسع التجنيد في صفوف الشباب المسلم بالغرب من زاوية ثقافية وتربوية؛ تشمل مضمون التمثلات الدينية عن الدين نفسه، من جهة، وأدوار الأسلوب التربوي المتشدّد، والعوامل الثقافية والمذهبية التي تفرزه في جغرافية بشرية غير الجغرافية التي ظهر فيها التطرف الديني تاريخيا.
وبالتالي يمكن القول: إن الشباب المتدين بالغرب يحتاج لعلاج معرفي ثقافي وتربوي، أكثر منه أمني. ذلك أن التوسع المبالغ فيه في المراقبة الأمنية المشددة، واتهام الشباب المسلم المتدين «بالمجانين» يجعلانه في حالة من الإحساس بالحرمان من الاستقلالية الفردية، ما يدفعه لتعويضها بالهجرة، وصناعة نجومية عالمية في دولة «الخلافة» المزعومة التي يقودها البغدادي.
ويشير جيرالد برونر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة ديدرو بباريس، في كتابه «الفكر المتطرّف: كيف يصبح الناس العاديون متعصّبين» (الصادر بالفرنسيّة عام 2009) إلى شيوع هذا الوصف غير العلمي حتى في الوسط الأكاديمي.
ويعتبر أن استسهال النظر في معتقدات المتعصّبين، ووصفهم عادة بـ«المجانين»، لأن سلوكيّاتهم «غير منطقيّة» لا يقدم أي تفسير علمي للظاهرة، رغم الرواج الإعلامي الذي يحظى به. ذلك أن الاستناد لتدني المستوى التعليمي للشباب المتطرف، وانسداد أفقهم الاقتصادي، لا يفسر عدم تحول الأغلبية الساحقة ممن لهم نفس المشترك التعليمي والاقتصادي لمتطرفين وإرهابيين. أكثر من ذلك، يمكن الاستناد لخلاصة الكثير من الدراسات حول الشباب المسلم بالغرب الملتحق «بداعش»، لإثبات عكس ما هو رائج. ذلك أن هذه الدراسات تؤكد أن الشباب المتطرف هم من الطبقة المتوسطة والعليا، وأنهم على مستوى عالٍ من التعليم.
من جهته، يرى عالم الاجتماع نفسه أن التعصب هو «التزام راديكالي بفكرة راديكاليّة» (ص 210). وهذا يستوجب التضحية وبناء مسار حياتي غير عادي، يتسم ابتداءً بالقدرة على العطاء والذوبان في الجماعة. وفي هذا السياق يصف برونر المتطرّفين، بأنّهم أفراد قادرون على «التضحية بأثمن ما عندهم (وظائفهم، حرّيتهم...)، ولا سيما حياتهم، وفي كثير من الحالات حيوات الآخرين أيضًا، باسم فكرة معينة» (ص 91).
صحيح أن ذهنية وفكرة التطرف ضعيفة الانتقال بين الذوات، بمعنى أنها تظل محدودة في الوسط الاجتماعي المعتل وغير المتوازن، إلا أن فعاليتها العنيفة تعطيها صدى ووقعًا أكبر من حجمها الطبيعي. كما أنها تستطيع تمديد أمد حياتها لكون نواتها تتمركز حول «قيم ومعتقدات ذات شحنة صراعيّة ولادة، وحركية. وبما أنّ «البحث عن الاتساق والتنفيذ غير المشروط لبعض المقدّمات المنطقيّة يؤدّيان بسهولة إلى أشكال من التطرّف... فإنّ حجّة النقاء والتماسك العقائدي تتحوّل... إلى درع واقٍ يحمي المتطرّفين من عالم يعتقدون أنّ لديهم أسبابا وجيهة لكرهه أو احتقاره» (ص 79).
بكلمة، يمكن القول: إن الفكر المتطرف المنتج للإرهاب لا يخلو من عقلانية حداثية، تجعل من الصراع آلية ضرورية في النسق الاجتماعي. ولذلك يختلط الصراع الراديكالي الجيلي بين الضواحي المهمشة والمدن الراقية بالغرب، بالمعرفة الدينية المعولمة. ويتحوّل الصراع بين الشيوخ والشباب في المجتمع العربي التقليدي، في ظل أنظمة غير ديمقراطية لساحة عنف سياسي، يستعمل السلاح لأغراض سياسية بغطاء ديني متشدد ومنحرف.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».