التطرّف حالة انقسام وتشظٍ هوياتي

مناقشة في دعوة «المقدسي» لتوحيد المقاتلين في سوريا

مواطنون من الرقة يتطلعون إلى علم «داعش» يرفرف فوق أحد المباني بالمدينة (غيتي)
مواطنون من الرقة يتطلعون إلى علم «داعش» يرفرف فوق أحد المباني بالمدينة (غيتي)
TT

التطرّف حالة انقسام وتشظٍ هوياتي

مواطنون من الرقة يتطلعون إلى علم «داعش» يرفرف فوق أحد المباني بالمدينة (غيتي)
مواطنون من الرقة يتطلعون إلى علم «داعش» يرفرف فوق أحد المباني بالمدينة (غيتي)

تبدو الدعوة إلى «الوحدة» و«الاتحاد» دائمة وفاعلة لدى مختلف حركات التشدد الديني والآيديولوجي معا، حسب تصورات الأمة لدى كل منهما، على أساس ديني أو عنصري أو لغوي، حركات قطرية أو حركات معولمة. ولكن لم تكن تجاربها وممارساتها يومًا عامل توحد أو توحيد، بل ظلت حالة انقسام ورافد انشطار وضعف في الفضاء العام للأمة والدولة وفي فضائها الخاص بخصوص علاقتها بغيرها من الجماعات المتشددة.
إن خطابات جماعات وأحزاب التشدد الديني والآيديولوجي حركات طرح وقسمة، وليست حركات جمع وإضافة. وكثيرا ما يكون العداء والانقسام فيما بينها أكثر من عدائها للآخرين وخصوصًا المختلفين معها، وهو ما سنمثل به في حالة «الجماعات المقاتلة في سوريا» التي صعدت أخيرًا الدعوة لتوحيدها وكان آخرها ما طرحه المتشدد الأردني «أبو محمد المقدسي».
كان الانقسام واضحا في تاريخ حركات آيديولوجية يمينية يسارية وقومية بعثية، كما كان بين فرعي البعث في سوريا والعراق في ثمانينات القرن الماضي، وكما هو ماثل بين جماعات التطرف الديني العنيف في سوريا والعراق الآن. ولا يزال الانشطار والانشقاق سمة أكثر وضوحا في تاريخ وواقع الأحزاب الراديكالية واليمينية المتشددة - شرقا وغربا - منذ عهد بعيد، رغم صحوة اليمين العالمية الآن. فالأصل أن التطرف رافد تشتت، وحالة انقسام وتصفية، وليس قاموسه الانغلاقي الطردي والتمييزي، الذي يحتكر الحق والحقيقة، إلا تشظيا هوياتيا تكارهيا لا يعرف الاحتواء، بل يفجر نزعات الانفصال ودعوى الانقسام، التي يفتقد اعتدال احتوائها وفن إدارة اختلافاتها.
التشدد والنزعات الانفصالية
ووفق ما نسميه «متتابعة الغلو» يبدو التشدد والتطرف حالة انشطار بنيوي وداخلي، تتناسل منه فروع أكثر تشددا من أصله، وتنزع شرعيته صانعة شرعيتها.
هكذا خرج «داعش» من بطن «القاعدة»، وخرجت الأخيرة من مخاضات الحركات الراديكالية السابقة العهد وحقبة «المجاهدين الأفغان». وتظل الأزمات المستعصية والعالقة - كما هو في سوريا والعراق الآن - سياقا مناسبا لتوالد وإثمار الغلو والتشظي العنيف المستمر من شجرة العنف «المقدس».
تبدو المسألة أكثر وضوحا إذا ربطنا بين نزوع وصعود التطرف العنيف وجماعاته في العقود الأخيرة من القرن العشرين، ووصولاً لزلزال الانتفاضات العربية عام 2011. وبين صعود النزعات الأقلوية والانفصالية لدى طوائف دينية وأقليات قومية وإثنية.
إن الاعتدال وحده هو القادر على تحقيق الوحدة، لأنه يستطيع إدارة الاختلاف واحتواءه، أما اليمينية شرقًا وغربا - فهي انعزال يناسب انغلاقها، ولا تتسع لأكثر من حضور الذات الضيق النافي للآخرين، وحال تحققه ينتج التشظيات والانشطارات في بنية الهوية الواحدة والدولة الواحدة لمزيد من الانقسام ليس غير، ويصدق عليها الأثر الإسلامي «إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى».
تعجب أمثال أبي الحسن الأشعري (ت 324 هجرية) وأبو الفتح الشهرستاني (ت 548 هجرية) وغيرهما من مؤرخي «مقالات الإسلاميين» أو مبحث «الملل والنحل» من تناسل الغلو وازدياد عدد الخوارج وفرقهم، حتى انقسموا فيما بينهم إلى عشرين فرقة وطائفة، يكفّر بعضها بعضًا، ورصدوا هذا التكاثر أو التشظي بلغتنا، في حالة كل فرق الغلاة من الباطنية وخروج بعضها من بعض وعلى بعض بشكل واضح ومعهود.
كذلك لم تشتهر طائفة أو فرقة أو جماعة متشدّدة بنجاح ما سعت إليه من محاولة توحيدية كبيرة. بل لم تنجح أحيانًا في توحيد ما تحت يدها من أرض، وهو ما شاهدناه في اقتتال «إمارة» طالبان مع سائر الميليشيات الأفغانية الأخرى، ونشاهده اليوم في قتال «داعش» لاحقًا سائر الجماعات الراديكالية التي تلتقي معها أحيانًا في المرجعية والأفكار والأهداف.
تاريخيا كذلك، لم تتح لأي جماعة متشددة - آيديولوجية أو دينية - لم تمكِّن لمفهوم الاختلاف وإدارته - عقلانيا أو ديمقراطيا أو إنسانيا - أن تؤسس دولة قوية ووحدوية. بل سريعا ما انهارت تجاربها الوحدوية التي أقامها اليمينيون والآيديولوجيون المتشدّدون عربيا في خمسينات القرن الماضي. إنها لم تصمد عند أول تحد ولو موج ماء، ولم يبق منهم إلا الأكثر مرونة وتدربا وتقديرا للواقع لا الانقلاب عليه، كما كانت تعابير أمثال المودودي وميشال عفلق أيضا.
من هنا، كانت غالبية تجارب المتشددين هامشا في التاريخ وهامشا في الواقع. وباستثناءات قليلة كإمارة الخوارج الأولى في الأحواز التي قضى عليها المهلب بن أبي صفرة، لم نعرف دولا كبيرة للمُغالين والمتشدّدين. ومن حضر منها استخدم أدوات مختلفة من المرونة والاحتواء وقوانين التاريخ والسياسة درعا للبقاء.
نادرا ما تحدث وحدة أو اتحاد بين تنظيمين أو مجموعتين متشددين. ولا تكون إذا حدثت إلا مؤقتة، وفي سياقات محددة ومحدودة، لتحقيق هدف ما كحالة توحيد مجموعات «الجهاد المصري» الوحيدة مع محمد عبد السلام فرج عام 1979 التي أنتجت اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بعد اتفاقية السلام مع إسرائيل، ونجاح الثورة الإيرانية التي ألهبت حماس سائر الإسلاميين. لكن سريعا ما انفك عقد وحدتهم في السجون خلافا على ولاية «الضرير والأسير» وقتال «الطائفة الممتنعة» و«العذر بالجهل» بعد راديكالية مختلفة، كانت موالية لـ«القاعدة» سابقا، بغية الحصول على الدعم أو تماسا مع الألق التي أحدثته حينها وينتهي الآن.
ومن هذه الحالات المحدودة للتوحّد ما حدث لبعض الوقت بين قادة «المجاهدين الأفغان» بعد جلاء الاتحاد السوفياتي عام 1989. لكن سريعا ما عادوا يقتتلون على غنائم السلطة والنفوذ. أو ما حاوله «أبو مصعب الزرقاوي» بعد قدومه إلى العراق عام 2004 من توحيد الجماعات الراديكالية في مجلس شوري وتنسيقي واحد فيما بينها، إلا أنها كذلك سريعا ما انقسمت وتقاتلت... وكان أول رافضي زعامة «الزرقاوي» أول من استضافه واستقبله في بيته، وعرّفه على سائر التنظيمات المتطرفة في العراق، ألا وهو قائد «جيش المجاهدين» المعروف «أبو عبد الله المنصور» الذي كان أول من أحل «الخليفة» الداعشي المزعوم دمه بعدما بدأ ينشط في سوريا، وكان من أسباب خلافه مع «أبو محمد الجولاني» فيما بعد.
وراهنًا، تشهد حركات متطرفة مثل «بوكو حرام» و«حركة شباب المجاهدين» الأفريقيتين انشقاقات وخلافات قوية على قيادتها وانقسام عناصرها بين القيادات المتنازعة. ولنناقش فيما يلي دعوة أطلقها المنظر المتشدد الأردني «أبو محمد المقدسي» لتوحيد الجماعات المقاتلة في سوريا في ظل تراجعاتها ووطأة الحرب عليها، كجزء من حالة العجز عن طرح خطاب «وحدوي»، بل واستحالته لدى أفكار الجماعات المتشددة.
يوم 29 ديسمبر (كانون الأول) الماضي نشر المنظر الأردني المتشدد «أبو محمد المقدسي» وثيقة له تدعو لاتحاد الجماعات المقاتلة في سوريا واندماجها، بعنوان «الموازنة بين الاندماج والثوابت» في ست ورقات. وحاول «المقدسي» من خلال هذه الوثيقة ملامسة هذه الدعوة، التي يتوجه إليها قبل شهور وأثارت عليه عددا من كتاب ونشطاء «القاعدة» الذين يرونه يميل للتصالح مع «داعش»، كذلك أثارت عليه الداعشيين الذين لا يصارح ولاء وبراء منهم، بعدما كان أشد انتقادًا لهم في السابق.
في هذه الوثيقة لم يسم «المقدسي» أيا من الجماعات التي يستهدفها ويدعوها للاتحاد فيما بينها، والتي ينطبق عليها ما وضعه من شروط لجوازه، وهي: التوحيد والحاكمية وألا تكون مرتبطة بأي قوى خارجية أو تؤمن بالديمقراطية - أو ما يسميه «الإردوغانية» ويعتبرها من شرك الطواغيت. كذلك لم يسم أيا من تلك التي يستثنيها دون أن يسميها، وخاصة الجماعات المقاتلة الراديكالية، التي يشمل بعضها، ولكنها الأكثر مرونة واستعدادا للتحاور والقبول بغيرها من الفصائل.
رفض «المقدسي» إطلاق القول بأن «جهاد الدفع لا شرط له» مقيدا له بالتوحيد واستهداف تحكيم الشريعة والكفر بالقوانين الوضعية، لكنه بدا مرتبكًا يفتقد الضبط حين لم يسم ولم يحدد أطرا لدعوته أو سياقا لها. داعيا لها على استحياء ربما لتخفيف حدة التوتر بين الجماعات المقاتلة في سوريا - وخصوصا الأقرب إليه... أي «جبهة النصرة» (أو جبهة فتح الشام كما تسمت فيما بعد) و«داعش».
أغلب الظن أن «المقدسي» يحاول بهذه الدعوة الخجولة استعادة مكانته الرمزية لدى الجماعات المقاتلة المتطرفة في سوريا، بعد تحولات تدريجية شهدها خطابه في السابق إزاء «داعش». إذ كان منظرو «داعش» وشرعيوه قد شنوا على «المقدسي» حملة ضروسا ونقدا حادا، وخاصة في أعقاب إعدام «داعش» الطيار الأردني «الشهيد» معاذ الكساسبة في يناير (كانون الثاني) 2015، والذي كان وسيطًا في الإفراج عنه. غير أن الدواعش خدعوه ولم يقبلوا ما طرح عليهم من حل وسط يومذاك.
لكنه، بعد فترة نجده يحاول استعادة شعبيته لديهم بتراجع عن وصفهم بـ«الخوارج» وتحاشيه تعميم اتهاماته بل وإيجاد الأعذار لهم وتقديم النصرة وإيجابها تجاه حرب التحالف الدولي عليهم. ثم الدعوة لاتحاد الجماعات المقاتلة في الساحة «جهاد دفع» ضد العدو الصائل (الخارجي الذي لا يميز) والمسكوت عنه في دعوته. كما يبدو أن رباطه بتنظيم «القاعدة» والظواهري قد تراجع قليلا فلم يعد يذكره أو يصفه كما كان يصفه، بـ«حكيم الأمة»، ولم يعد يدافع عن «القاعدة» وخطابها كما كان يفعل. وهو الموقف الذي بدا واضحا ويتميز به عن غيره حتى أقربهم إليه «أبو قتادة الفلسطيني» أو أبعدهم عنه الذي خاض ضده معركة كبيرة وهو المصري د. طارق عبد الحليم.
ويبقى، أن أهم من تحولات «المقدسي» وارتباكاته، أن وثيقته نفسها ورؤيته نفسها أظهرتا ارتباكا عميقًا. فهو من يحصر دعوته للوحدة في جماعات بعينها، ويستعين في خاتمته بنص مطول لابن تيمية (رحمه الله) من الفتاوى لا يضع فيه شرطا لـ«جهاد الدفع»، ويدعو لتجاوز الخلافات الجزئية بين المسلمين حال ألم بهم خطر. ونص ابن تيمية هنا - كما كانت سيرته - واقعي تمامًا، فهو من ناصر ووقف ودعم نظريًا جهود أمراء المماليك وسلاطينهم، وخاصة السلطان الناصر بن قلاوون، حتى من سجنه منهم، في وجه الحملات التترية والصليبية، وهذا رغم كونه حنبليا وكونهم أشعرية حنفية. وهو من دعا في عدد من مؤلفاته ورسائله للعذر بالخلاف وتجاوز الشقاق الحاد بين المسلمين، وعدم التعصب للطوائف والفرق، مثل كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم» ورسالة «رفع الملام» وفي الفتاوى ومنهاج السنة وغيرهما.
ختاما، إن توحّد المتشددين أمر بعيد المنال في أي مكان، ويظل دعوة حيية خجولة ومرتبكة، تكتفي برفع شعارات الوحدة والدعوة إليها، ولكن هو في بنيته حالة انشطار وتشظ كما هو في تجربته المزيد من الانقسام لا يمكن أن يصنع توحدًا.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».