أجهزة واشنطن الأمنية تستعد لتأمين حفل تنصيب ترامب الجمعة

28 ألف عنصر لتأمين 900 ألف شخص

رجل يلعب دور الرئيس المنتخب دونالد ترامب في حفل تجريبي لتنصيبه أمس في واشنطن (أ.ف.ب)
رجل يلعب دور الرئيس المنتخب دونالد ترامب في حفل تجريبي لتنصيبه أمس في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

أجهزة واشنطن الأمنية تستعد لتأمين حفل تنصيب ترامب الجمعة

رجل يلعب دور الرئيس المنتخب دونالد ترامب في حفل تجريبي لتنصيبه أمس في واشنطن (أ.ف.ب)
رجل يلعب دور الرئيس المنتخب دونالد ترامب في حفل تجريبي لتنصيبه أمس في واشنطن (أ.ف.ب)

استنفرت الأجهزة الأمنية الأميركية قبل حفل تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الجمعة، في واشنطن، حيث يتوقع أن يتجمع نحو مليون شخص وسط مخاوف من هجمات بأساليب مختلفة، تختلف بين «الذئاب المنفردة» وطائرات من دون طيار مزودة بسلاح، وشاحنات الدهس.
وقال وزير الأمن القومي الأميركي، جيه جونسون، لصحافيين تجمعوا في منشأة أمنية غرب البلاد، حيث ستنسق نحو 50 وكالة أميركية فيما بينها لتأمين الحدث، إن «المناخ الإرهابي الدولي مختلف كثيرا عن عام 2013»، عندما تم تنصيب الرئيس باراك أوباما لولاية رئاسية ثانية، رغم أنه «لا علم لنا بتهديد محدد ومؤكد» يهدد حفل تنصيب ترامب.
ويحذر مسؤولون أميركيون، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، من أنه فيما تبقى واشنطن متيقظة حيال هجمات تخطط لها جماعات متطرفة كتنظيم داعش أو القاعدة، أظهرت الأعوام الماضية أن البلاد أكثر عرضة لهجمات يخطط لها وينفذها أفراد داخل الولايات المتحدة، وإن كانت مستوحاة، ولكن ليست مدارة من قبل إرهابيين في الخارج، وهو ما يطلق عليه «الذئاب المنفردة».
واعتبر جونسون أنه «علينا الانشغال بالتطرف على أراضينا الذي يولد في الولايات المتحدة، وبتصرفات الأشخاص الذين يميلون إلى التطرف». وقال إنه سيتم نشر نحو 28 ألف عنصر أمني لتأمين الحفل الذي توقع أن يشارك فيه ما بين 700 و900 ألف شخص، بما في ذلك 99 مجموعة احتجاجية مختلفة.
وسيبدأ الحفل بوضع إكليل من الزهور في مقبرة «أرلينغتون» الوطنية، يتبعه أداء اليمين، ومن ثم مسيرة التنصيب، وعدة حفلات راقصة، قبل الانتهاء بأداء الصلاة في اليوم التالي في الكاتدرائية الوطنية. وسيكون كثير من مراسم الاحتفال عرضة للخطر، وبخاصة حفل أداء اليمين الذي يحضره الرئيسان، الجديد والمنتهية ولايته، إضافة إلى رؤساء سابقين ومعظم كبار مسؤولي الحكومة والكونغرس، في الجهة الغربية لمبنى الكابيتول.
ورغم أنهم سيكونون محميين بصفائح من الزجاج المضاد للرصاص وقناصة على أسطح المباني، إضافة إلى أدوات للكشف عن المواد المشعة والكيميائية والبيولوجية موضوعة من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، فإن مستوى الخطر يبقى مرتفعا. وستختبر المسيرة التقليدية التي تنطلق من مبنى الكابيتول إلى البيت الأبيض، القدرات الأمنية في البلاد.
وكان الرئيس السابق جيمي كارتر، قد فاجأ الجميع حين مشى المسافة التي تبلغ 1.8 كيلومتر عام 1977، ومنذ ذلك الحين لم يمش الرؤساء اللاحقون سوى جزء منها، حيث يعتبرها الجهاز السري المكلف بحماية الرؤساء وعائلاتهم عالية الخطورة.
وأوضح جونسون أن المنطقة التي يقام فيها حفل تنصيب ترامب ستكون مغلقة بشكل معزز، أكثر مما كان الوضع عليه قبل 4 سنوات، بعد اعتداءات بشاحنات دهست حشودا في كل من باريس وألمانيا العام الماضي. وكان عام 2016 قد شهد هجمات بشاحنات اجتاحت حشودا في مدينة نيس الفرنسية، حيث لقي 86 شخصًا حتفهم، فضلاً عن مقتل 12 في برلين.
وتحسبًا لهجمات مشابهة، ستكون منطقة الحفل «محمية بشكل أكبر بشاحنات وعوائق إسمنتية لمنع عبور الآليات غير المرخص لها» بالدخول. وسيغلق عناصر الأمن منطقة تبلغ مساحتها نحو 7 كيلومترات مربعة وسط واشنطن، لن يسمح إلا للمشاة بدخولها. وسيخضع حتى هؤلاء لتفتيش دقيق من دون أن يسمح لهم بحمل أكثر من هواتفهم الخلوية، وكاميرات، ومَحافظ. ولن يسمح إلا بحمل حقائب اليد الصغيرة، فيما ستمنع حقائب الظهر.
وتأتي هذه الخطوة بعدما فجّر شقيقان من أصول شيشانية قنبلتين يدويتي الصنع، خُبئتا في حقائب ظهر، قاما بوضعهما قرب خط الوصول لماراثون بوسطن عام 2013، ما أدى إلى مقتل 3 أشخاص وجرح العشرات.
ويقول مسؤولون إنه لن يسمح إلا بحمل لافتات صغيرة الحجم ودون عصي لرفعها، في حين سيتم تخصيص أماكن متباعدة بين المتظاهرين المؤيدين وأولئك المعارضين لترامب.
وتتابع الوكالات الوطنية هذه المجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي، وسيتواجد ضباط بلباس مدني بين الحشود.
أما الطائرات من دون طيار، والمتوافرة بكثرة وبأثمان زهيدة في الولايات المتحدة، فتمثل أيضا تحديا جديدا للسلطات هذا العام. ورغم أن استخدامها ممنوع في سماء واشنطن بسبب الإجراءات الأمنية القائمة، فإن جونسون أفاد بأن السلطات قد اتخذت خطوات إضافية للتعامل معها في حال استخدمت. وقال جونسون إن «هناك تكنولوجيا للتعامل معها» دون إعطاء مزيد من التوضيحات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟